الفلسطينيون إذ يخيرون بين الأمل وبين التيه والظلام!!

 

ياسر الزعاترة

صحيفة الشرق القطرية 9/1/2006

 

لم يكن مثيراً أن تتلاعب السلطة بقانون الانتخابات من أجل توحيد قائمتي حركة فتح، لكن المثير هو تلك التصريحات التي أدلى بها السيد محمد دحلان، مهندس اللعبة الانتخابية داخل الحركة للصحافيين بعد تقديم اللائحة الموحدة، فقد وضع الرجل الذي قاد انقلاباً عسكرياً على الرئيس عرفات بدعم خارجي الفلسطينيين أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما خيار "الأمل وخلق نظام ديمقراطي واعد ورفع المعاناة عن شعبنا" الذي تمثله بالطبع حركة فتح، وإما "طريق التيه والظلام" الذي تمثله حماس.

 

واللافت أن الشعب الفلسطيني الذي راقب لأسابيع جدل القوائم والأسماء في حركة فتح لم يعرف إلى الآن حدود الفارق بين المتنازعين، فقد كان مروان البرغوثي، الأسير في سجون الاحتلال على رأس القائمتين، كما كان فيها محمد دحلان وجبريل الرجوب أيضاً. وفي حين يعرف الفلسطينيون أن مروان البرغوثي قد دخل السجن وحصل على المؤبدات الخمسة بتهمة المشاركة في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وكان منحازاً إلى خيار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي يجمع بين المقاومة والتفاوض، فإنهم يتذكرون أيضاً، أن دحلان كان يرفض ذلك الخيار ويتهم الرئيس الراحل بالعبث بمصالح الفلسطينيين، مطالباً بوقف المقاومة السخيفة والعودة إلى طاولة التفاوض. وحين نجحت المقاومة، ومن بينها "مفرقعات" القسام في طرد الغزاة من غزة، كان دحلان هو سيد الانتصار وهو المفاوض الرئيسي على إتمامه، وإن أفضت جهوده إلى ترك القطاع محتلاً من الناحية العملية، وبالطبع في ظل السيطرة الإسرائيلية؛ المطلقة على المعبر البحري والأجواء، والنسبية على المعبر البري.

 

كنا إذن إزاء قائمتين لم نعرف الفارق بينهما، إذ لم نسمع الكثير عن برنامج قائمة المستقبل، وكذلك الحال بالنسبة للكتلة الأخرى التي عرفنا أن اسمها المقترح هو كتلة الشهيد، أو ربما الرئيس فقط ياسر عرفات!!

من المؤكد أن الشارع الفلسطيني كان وما يزال في حاجة إلى معرفة تفاصيل خطة إعادة الأمل ورفع المعاناة عن كاهله، تلك التي تحدث عنها دحلان، لاسيما وهي خطة مدعومة من الإسرائيليين، بدليل حرصهم على محاصرة حماس من أجل الحيلولة دون فوزها في الانتخابات.

 

يحدث ذلك لأن الناس لم ينسوا أن دعاة الأمل ورفع المعاناة قد حصلوا على فرصتهم كاملة من قبل، فقد كانوا سادة السلطة منذ عام 1994، وفازوا بالانتخابات منفردين عندما قاطعت حماس، "رائدة التيه والظلام"، وسيطروا على السلطة لما يقرب من سبع سنوات، لكن الموقف جاء مثيراً للإحباط على الصعيدين السياسي المتعلق بالصراع مع الاحتلال، والإداري الداخلي أيضاً، ففيما كانت روائح الفساد والقمع تملأ أجواء البلاد، كان المسار السياسي يعلن يأسه من إمكانية الحصول على الأراضي المحتلة عام 67 التي كانت وعد أوسلو وبرنامجه المأمول.

برنامج الأمل مجرب إذن، وإذا كان الرئيس الراحل قد أفسد المسار في المرة الماضية، فإن على سادة المرحلة الجديدة أن يبينوا للناس كيف سيتغلبون على برنامج آخر يرى ما عرض على عرفات في قمة كامب ديفيد صيف عام 2000 تنازلات لا يمكن القبول بها بحال؟

 

هناك حاجة لأن يعرف الفلسطينيون حقيقة تلك القواسم المشتركة بين مروان البرغوثي ومحمد دحلان غير انتمائهما لحركة فتح، وبالطبع في ظل همس يشير إلى أن ما جرى كان صفقة سيخرج من خلالها البرغوثي من السجن لقاء دعم مسار التهدئة والتفاوض إلى ما لانهاية الذي يتبناه دحلان والرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 

هكذا يمكن القول إن برنامج حركة فتح الحقيقي لا يتعدى المضي في مسار التهدئة والتفاوض بصرف النظر عن المخرجات، إلى جانب إدارة الأراضي "المحررة"، وهي هنا قطاع غزة، إلى جانب تجمعات الفلسطينيين في الضفة الغربية التي سيخرج منها الإسرائيليون بحسب خطة شارون التي يتوقع أن يطبقها خلفه بعد نهايته السياسية بالتعاون مع حزب العمل كبديل عن خريطة الطريق، مع أن الدولة الفلسطينية المؤقتة ضمن حدود الجدار هي الناتج المتوقع للمسارين.

 

تستند خطة شارون التي يتوقع أن تمضي رغم غيابه إلى ذات مقولة غياب الشريك التي استخدمت في تبرير الانسحاب أحادي الجانب من غزة، وإن لم يعد كذلك بعد فرض التنسيق بشأنه على مصر والسلطة، وبالطبع من خلال مقولة عجز السلطة عن نزع أسلحة الفصائل، وهي البند الأول في خريطة الطريق، حيث سيجري ترسيم الحدود في الضفة من خلال الجدار ووضع الكتلة السكانية الفلسطينية تحت ولاية السلطة، بما في ذلك سكان القدس الشرقية، بعد ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة وتفكيك ما تبقى من المستوطنات، والإبقاء على مناطق الغور.

 

من هنا كان لا بد أن تشارك حماس في الانتخابات بشرط عدم تهديد الحزب الحاكم الذي تمثله حركة فتح. أي أنها مشاركة تمنح الغطاء السياسي للسكوت الرسمي على الخطة الجديدة، بل حتى التنسيق بشأنها مع الإسرائيليين بذات الروحية التي جرى من خلالها تنسيق الانسحاب من قطاع غزة. وفي حين تدرك حماس حدود اللعبة، فإنها تدرك بالمقابل أن مقاطعتها لن تغير الكثير حتى لو واصلت التشكيك بشرعيتها، بدليل أن ما أفسد أوسلو ليس تشكيكها به، وإنما فشله في تحقيق شيء مقنع، إلى جانب فساد أوضاع السلطة، وهي لذلك ترى في مشاركتها حماية لها من تغول الوضع الجديد من جهة، إلى جانب كونه محاولة لخدمة الشارع الذي وثق بها ويخشى من تطورات الوضع القادم من جهة أخرى.

 

لكن الواقع الموضوعي الذي تدعمه المعطيات العربية والدولية سيكون أكثر صلابة من قدرة حماس على التغيير، أكان منه المتعلق بأوضاع السلطة، وحيث تعجز البرلمانات، بما في ذلك في الديمقراطيات العريقة على ضبط الأداء الحكومي، أم المتعلق بالواقع السياسي، وحيث لن تتمكن حماس من كسر المعادلة القائمة حين تصر فتح عليها.

نقول ذلك لأننا واثقون من أن فتح ستحصل على الغالبية المطلوبة لتمرير ما تريد، حتى لو حصلت حماس على نسبة عالية، وهي نتيجة ستتوفر بالسيف والذهب والتزوير في آن معاً، وإذا ما وقعت المعجزة وجاءت النتيجة مختلفة، فلن يكون السيناريو الجزائري مستبعداً، وإلا فهل سيسمح رواد المستقبل والأمل وقادة الشعب الفلسطيني العظام لخيار التيه والظلام بالانتصار؟!

 

المصيبة هي أن الشعب الفلسطيني لن ينسى أن خيار التيه والظلام هو خيار أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإخوتهم الشهداء من أبناء فلسطين، وهو ذاته الخيار الذي حرر غزة التي يستمتع القوم بحكمها اليوم، وهو أيضاً الذي سيكسر المخطط الإسرائيلي عندما ترحل الغيمة السوداء التي تخيم على المنطقة، ويخرج الغزاة من العراق مذمومين مدحورين، وينهار بخروجهم هرم الأحلام الذي بناه الإسرائيليون على إيقاع بوارجهم وطائراتهم ودباباتهم.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع