حينما تنتصر جامعة «بيرزيت» للزيت
والزعتر..؟!
مؤمن بسيسو
باحث وكاتب صحفي فلسطيني - غزة-20/4/2006
يؤشر الفوز الواضح والنصر الصريح الذي حققته الكتلة
الإسلامية الذراع الطلابي لحركة "حماس" في انتخابات مجلس الطلبة لجامعة
بيرزيت
الأربعاء، إلى جملة من الدلائل الهامة والمؤشرات الدقيقة في ظل الأجواء
العاصفة
والملبدة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وظروف الحصار السياسي
والاقتصادي الخانق
الذي تتعرض له حركة "حماس" والحكومة الجديدة.
أولى هذه الدلائل والمؤشرات أن المراهنة التي يعقدها
البعض على انفضاض الجماهير عن حركة "حماس" أو الحكومة الجديدة، وانقلابها
عليها في
ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والأحوال المادية السيئة التي يعيشونها، هي
رهانات
خاسرة بكل المقاييس، ولا تعدو كونها أوهاما فارغة يحلق بها أصحابها في
فضاء الخيال
الجامح والأحلام الوردية.
ولا ريب أن الصدمة ستكون حليف كلّ من عوّل على بداية
تراجع جماهيري لـ"حماس" والحكومة الجديدة، في ظل نتائج جامعة بيرزيت
الأخيرة التي
تعطي مؤشرا واضحا ومصداقا حول طبيعة التأييد الشعبي والنبض الجماهيري
ومستوى ثقل
ومكانة القوى والفصائل الوطنية جماهيريا.
فهؤلاء الذين اختزلوا القضية الوطنية بأسرها، بكل
تضحياتها وآلامها ومعاناتها وتعقيداتها، في زاوية اقتصادية مادية ضيقة،
لا تعرف من
الوطن وقضيته سوى الراتب، والراتب فقط، ولا تدرك من ثقل الأمانة وحجم
المسئولية
الوطنية شيئا- قد بنوا حساباتهم الخاطئة على أساس مادي بحت ينسجم مع
فكرهم المادي
المجرد، ولم يدُر في خلدهم أن الشعب الفلسطيني أسمى وأعظم من أي تقزيم
لفكره ودوره
ومكانته، وأكبر من أي محاولة لاستصغاره أو الاستخفاف به، وتحويله إلى
أداة انقلاب
ضد حكومته الأصيلة التي انتخبها ومنحها الثقة ديمقراطيا.
في هذا السياق فإن صدمة هؤلاء ستكون أشد وقعا وأكثر
قسوة حين تحمل إليهم اتجاهات الرأي العام الفلسطيني مزيدا من آليات الدعم
والتضامن
والمساندة والمؤازرة الشعبية لحكومتهم الجديدة ذات النهج الإصلاحي الذي
انتظروه
بفارغ الصبر، ومزيدا من التمسك بنهجها وبرامجها التي تنسجم كليا مع حقوقه
وثوابته
المشروعة، فيما كان هؤلاء يعتقدون - وهما- أن الشعب الفلسطيني، وتأثرا
بالضائقة
الاقتصادية الحالية، سيعمد إلى التخلي عن حكومته وحركته عند أقرب زاوية
أو منعطف،
وينحاز إلى غيرها في صندوق الاقتراع الذي يدفع البعض إلى سيناريو محدد
قسري لإعادة
تحكيمه من جديد؟؟!!
ثاني
تلك الدلائل والمؤشرات أن الخطط والبرامج
التقشفية التي أعلنتها الحكومة الجديدة، وخاصة دعوتها وإصرارها على أكل
"الزيت
والزعتر" في مواجهة الحصار الخانق الذي يتعرض له شعبنا، قد لاقت صدى
واسعا وحظيت
بتجاوب كبير على المستوى الشعبي، ولم تحظ بأي شكل من أشكال السخرية
والاستهزاء التي
روج لها البعض، في إطار الحرب الإعلامية التي يشنونها في وجه "حماس"
والحكومة
الجديدة.
فلم يكد الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء يدلي
بمقولته الشهيرة التي تعبر عن حجم العزم والقوة ومستوى الإصرار والإرادة،
حتى بادرت
الأبواق الصحفية والإعلامية اليائسة التي امتهنت التشويه والتحريض وقلب
الحقائق
نهجا لها، إلى ديدنها المعروف وسلوكها المعوج المكشوف، وأطلقت زخات حممها
البائسة
تجاه تصريحات رئيس الوزراء، واعتبرتها نوعا من الهروب وضعف المسئولية،
ولجأت إلى
اختلاق وفبركة معلومات مضللة تتحدث عن الكلفة العالية للزيت والزعتر،
بشكل يمس الحس
الوطني والمنطق السليم والمهنية الصحيحة والموضوعية المطلوبة، بل إن
الأمر بلغ ببعض
الزملاء الكتاب حدّ الانغماس – بشكل أو بآخر- في غمار هذه الحملة
السوداء،
والانخراط في ركب التشويه الذي يستهدف رئيس الوزراء، والإساءة إلى مقاصده
النبيلة
ومعانيه الكريمة؟؟!!
الدلالة الثالثة التي أفرزتها انتخابات جامعة بيرزيت
تتمثل في العلاقة الطردية التي تربط الحصار المضروب على الحكومة بمستوى
الفرج
المنتظر والأمل القادم، فالواضح أنه كلما ازدادت حلقات الحصار شدة وقسوة
وإحكاما
فإن بشائر الفرج والأمل تتصاعد شيئا فشيئا، ليجيء الفرج هذه المرة من
جامعة بيرزيت،
ويعطي دفقة كبيرة من الأمل بقرب انحسار الضغوط الموجهة والحصار المضروب،
وبداية
تآكل واختراق المواقف الغربية المعادية لحقوقنا وتطلعاتنا الوطنية.
الدلالة الرابعة أن ما يشيعه البعض من عدم ثقة
وقناعة الجماهير بالبرنامج السياسي للحكومة الجديدة، لا يعدو كونه محض
افتراضات
وتكهنات لا نصيب لها من الصحة والواقع، ولا تعبر إلا عن قناعات وأفكار لا
تعشش إلا
في عقول أصحابها، فها هي الجماهير الفلسطينية بشكل عام، وطلبة جامعة
بيرزيت بشكل
خاص، تجدد ثقتها وولاءها لحكومتها الجديدة وبرنامجها السياسي، وتعلن
استعدادها
لدعمه والدفاع عنه في مجابهة كل التحديات.
ولعل من المفيد التأكيد أن الانتخابات الطلابية
الفلسطينية، والاستقطابات الحادة فيها، لا تعبر عن تنافس طلابي في إطار
نقابي بحت
بقدر ما تعبر عن تنافس سياسي في إطار وطني عام، تحتل البرامج السياسية
والأداء
والممارسة الوطنية فيه نصيب الأسد إن لم تكن مساحة التنافس كاملة.
وختاما..
فإنني أربأ بزملائي الكتاب والإعلاميين
الذين ارتضوا الدنية المهنية والفئوية أن يجعلوا من أنفسهم أداة هدم
ومعول تخريب
للمسيرة الوطنية التي تقودها الحكومة الجديدة، فلا أقل من الحيدة المهنية
ومناقشة
الأمور والقضايا بروح العدل والموضوعية، بعيدا عن التعصب والانحياز
الفئوي أو
الشخصي، وإلا فإن شعبنا الذي أثبت تقدمه وتفوقه على قواه وفصائله الوطنية
خلال كافة
المنعطفات التاريخية والمفاصل الوطنية المعروفة، قادر على تمييز الغث من
السمين،
والحق من الباطل، بوعي كبير وأفق واسع لم تفلح كافة محاولات الطمس
والتضليل في حجبه
أو مسخه أو التأثير عليه في يوم من الأيام؟؟
|