Because

بقلم: حمدي فراج*

في طفولتنا المدرسية، علمنا مدرس اللغة الانجليزية، ان كل كلمة why يجب وبالضرورة ان يتبعها كلمة because، وانه لا يمكن ان ترد الاولى بدون الثانية، ثم اكتشفت ان المسألة لا تقتصر على اللغة الانجليزية وحدها ، بل على العربية أيضا وربما كل لغات العالم، وتعززت قناعاتي حول ذلك بعد عشر سنوات للسلطة الوطنية، التي لا يمكن ولا بأي حال ان تسأل اي مسؤول فيها سؤال: لماذا، الا وتسمعه يجيبك عليه: لأن، اي باختصار (why? because)، دون ان يكون هناك ادنى علاقة بموضوع السؤال. ومن بين بعض الأسئلة السرمدية التي تحضرني في هذه اللحظة : لماذا لم يتم اطلاق سراح الأسرى في اوسلو؟ وسمعنا بالطبع عشرات الاجابات التي تبدأ ب لأن، ابرزها ان المفاوض نسيهم، لكن لماذا نسيهم، وهل صحيح أنه نسيهم، وهل كان في ميدان التفاوض وحيدا، وماذا تكون عقوبة الناسي في مثل هذا الحال، فهذه كلها اشياء ثانوية، الشيء المهم هو كلمة because ، والحمد لله وردت في كل الاجابات.

لماذا تم استبدال مدريد باوسلو وحيدر عبد الشافي وفيصل الحسيني بقريع وابو مازن، لماذا كل هذا الفساد في هذه السلطة، لماذا يوجد لدينا عشرة اجهزة امنية، لماذا الف عقيد والف مدير عام، لماذا لم تجري الانتخابات التشريعية في موعدها ـ الانتفاضة لم تكن قد اندلعت بعد ـ، لماذا لم تجري انتخابات للبلديات واستعيض عن ذلك بالتعيينات حتى اليوم، لماذا تجري انتخابات جزئية في بعض البلدات الصغيرة، وتترك الكبيرة رغم ان بعضها مثل نابلس بدون رئيس، لماذا ظل القضاء فاسدا، لماذا وافقنا على السلام ثم ندمنا عليه، ثم خضنا الانتفاضة وندمنا عليها، لماذا عين ابو عمار ابو مازن رئيسا للوزراء، ثم عمل على اقصائه، لماذا قبل ابو مازن بالمنصب، ثم عاد واستقال، ثم لماذا قبل قريع نفس المنصب وحاول ان يستقيل اكثر من مره، وهناك عشرات ان لم يكن مئات والاف الاسئلة التي يحسن المسؤولون الاجابة عليها وفق الطريقة المدرسية (why – because)، دون الالتفات الى عمق السؤال وملحاحيته ومولده وتطوره وتبعاته في انتظار التصويب وعدم التكرار والمحاسبة، ولهذا نرى كل المسؤولين ظلوا مسؤولين، حتى عتاة الفاسدين والمجرمين من امثال الذين قتلوا العشرات داخل سجون السلطة، او ابطال الصفقات المخزية كصفقة الاسمنت، او الذين غشوا البنزين بقرار كما كشف عن ذلك ابو مازن، او حتى الذين ذهبوا لاغتيال نائب في البرلمان. والذي لم يظل في موقعه، لم نسمع انه اعتقل او حكم عليه حتى ولو بغرامه. في حين تم اعتقال صحفيين، واصحاب بيان العشرين، وحتى المعلمين لم يسلموا ...

اليسار الذي يرشح ثلاثة من اقطابه لانتخابات الرئاسه، ليس في حال افضل، فتسأله: لماذا ترشحون ثلاثة للفوز بمنصب واحد، رغم ان وزنه كله من وزن الريشة، وريشة العصفور لربما، فيجيب عليك: because.

 قديما قيل: لماذا هذه الأم حزينه؟  ـ لأنها تبكي.

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع