باحترام.. رجاءً
بقلم:عدلي صادق
من المستجدات اللافتة، في أحوالنا،
توزيع بيانات مغفلة من التوقيع، أو منسوبة الى "منكوبين" تتناول حركة "حماس"
وشبابها بالتجريح، وهذا كلام مرفوض، ليس لأن كل ما يفعله الحمساويون صحيح،
وإنما
لأن وسيلة النقد المحترم، تكتسب صدقيتها وبراءتها الوطنية، من خلال لغتها،
ومن خلال
حرصها على أن لا تعم الفتنة، وعلى أن لا يتشاغل الفلسطينيون، بمهاجمة بعضهم
البعض،
وعلى أن لا تنفلت الأعصاب، في هذا الخضم العسير, فإن كنا قد فقدنا البوصلة
الجماعية، التي نسعى الى استرجاعها، فلا ينبغي أن نفقد أنفسنا. وللأسف،
كانت بعض
البيانات التي وزعت، من دون توقيع صريح، تسعى الى جرّ الساحة الفلسطينية،
الى سجال
خطير، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه، الى الحوار العقلاني، والى النقد
المنزّه عن
النزعات، دون أن نكتم رأياً أو تقييماً، إذ يمكن أن نعلق على بيان حمساوي،
ذي
مبالغات واضحة، بتبيان مساويء المبالغة، بعد إظهار واقعتها، أو من خلال
مقارنة
النص، بالحقيقة المشهودة، وذلك كله، دون أن نستخدم كلمات التكذيب والتسفيه،
ودون أن
نتناول بالأسماء، أشخاصاً ربما يصبحوا في غمضة عين، من الشهداء، وهم الآن
من
المطاردين والملاحقين، من أجل قضيتنا جميعاً، فنصفهم بأقذع الصفات!
* * *
وضعنا الراهن، لا يحتمل المقامرة بالورقة الأخيرة، على مستوى علاقاتنا
الفصائلية، التي تنفعنا في أصعب الأوقات، وهي قدرتنا على أن نتعامل
باحترام، مع
بعضنا البعض، حين نتحادث أو نتحاور. وليس معنى الحرص على الحوار المسؤول،
والعقلاني، أننا سنكون متجاهلين للأخطاء في التقديرات، وللأخطاء في الأداء،
وللأخطاء في أساليب التحشيد، لهذه الفصيل أو ذاك. فعندما نطمح الى حوار
متصل، من
هذا الطراز، يجدر بكل طرف أن يلوم نفسه أولاً، على ما أسهم به من غياب
لاستراتيجية
العمل الكفاحي، وهي استراتيجية لا يمكن أن ترى النور، بدون حوار عقلاني،
عميق
وصريح، يضطلع به قادرون على التشخيص، وقادرون على الحوار، لأن المهمة لا
تتعلق
بالوجاهة، لكي ندفع اليها بالقامات الفارعة والرؤوس الأروستقراطية!
* * *
خسائرنا الكبيرة، في جباليا، هي محصلة عدة عوامل، لا ننكر أن من بينها
استخدام القذائف الصاروخية، للأسباب التي أشرنا اليها مراراً. لكن الصواريخ
ليست هي
السبب الأول، أو حتى العاشر، لتصعيد عمليات القتل والقصف، على الرغم من
مزاعم العدو
بأنها هي السبب. فالصواريخ، هي الرد الذي أتيح للمقاومة، في حرب معلنة
علينا ولا
تنتظر الذرائع، ولا يضبط فيها العدو نيرانه. وفي هذه الحرب، هناك منحى قهري
سافل،
لا يعرف حدوداً للجريمة، لا سيما عندما يطال أطفالاً، ونساءً، وعندما يُقصف
الشيخ
أحمد ياسين وهو على عربته. فالهجمة مجنونة، والمحتلون يريدونها حرباً
مجنونة. وقبل
ثلاثة أيام، من قصف "سديروت" وقتل طفلين فيها، كانت الطفلة رغدة عدنان
العصار ـ على
سبيل المثال ـ قد تلقت الرصاصة في رأسها، في اليوم الأول من الدخول
المدرسي، في خان
يونس، عندما فتحت كراستها متفائلة، فأزهقت روحها!
والصواريخ لم تكن ترفاً أو
استعراضاً. كانت تمثل شيئاً من ردود الأفعال، في وضع ميداني صعب، وكان
الغضب
المشروع، الطاغي على النفوس، يحجب كل الاعتبارات العسكرية، التي لا تساعدنا
على
إطلاق صواريخ من مناطقنا، حتى ولو امتلكنا "سكاد" الروسي الصنع. وهذه مسألة
تحتاج
الى حوار مسؤول، بمشاركة مختصين، يلتزم الجميع بنتائجه، وهنا يصح أن نسأل:
أين مثل
هذا الحوار؟
وفي غياب الحوار، ينبغي أن تتعامل القوى الفلسطينية، بين بعضها
البعض، باحترام، مهما كانت الآراء والحسابات، لأن ما سيقع في أوساطنا،
عندما نصحح
خطأً ميدانياً بالاتهامات وبكلام التسفيه والتخوين ـ إن صححنا ـ سيكون أفدح
مئات
المرات من الخطأ نفسه، ذلك لأن وضعنا لا يحتمل. فدعونا ـ رجاءً ـ من
البيانات
المسيئة لأي من الفصائل، وإن كان لا بد من النقد الحاد، لأية وسيلة
للمقاومة، فلا
داعي للتجاوز الى أشخاص المقاومين بعد ذم وسائلهم!
Adlisadeq@yahoo.com
|