البرغوثي وعباس.. البحث عن صفقة جديدة
عبد
الرحيم علي**
04/12/2004
جاء
ترشيح مروان البرغوثي -أمين سر اللجنة المركزية العليا لفتح في رام الله،
المعتقل في السجون الإسرائيلية- لانتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في
التاسع من يناير القادم 2005 ليقلب خريطة الانتخابات الرئاسية الفلسطينية
رأسا على عقب.
وقرر
البرغوثي الأربعاء 1-12-2004 ترشيح نفسه بشكل مستقل لانتخابات الرئاسة
الفلسطينية خلفا للزعيم الراحل ياسر عرفات. وفي مؤتمر صحفي عقد برام الله
ليل الأربعاء قالت فدوى البرغوثي، بعد أن قدمت أوراق الترشيح إلى اللجنة
الانتخابية المركزية: "كلفني (البرغوثي) بعد تلقيه مئات الرسائل من
القيادات والتنظيمات وأفراد الشعب الفلسطيني بتسجيله للانتخابات من خلال
وكالة رسمية".
وكان
البرغوثي قد أعلن يوم 26-11-2004 تخليه عن الترشح لرئاسة السلطة، ودعا جميع
كوادر وأنصار فتح لدعم مرشحها للانتخابات محمود عباس (أبو مازن)، وذلك بعد
محادثات أجراها أعضاء من الحركة منهم قدورة فارس وزير الدولة بالسلطة
الفلسطينية ونواب عرب بالكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
فشل الصفقة
ورغم أن
محللين سياسيين أرجعوا موقف البرغوثي إلى عدم اقتناعه بالأجواء التي تلت
قراره الأول وما تبعها من تحركات، سواء داخل حركة فتح أو على الساحة
الفلسطينية بشكل عام، ومنها الحديث عن جمع الأسلحة، وبالتالي التخوف من
إنهاء المقاومة؛ فقد أكدت مصادر فلسطينية برام الله لشبكة "إسلام أون
لاين.نت" أن البرغوثي كان قد عقد اتفاقا مع قادة الحركة وممثلين عن السيد
أبو مازن. وقد أناب عن البرغوثي في هذا الاتفاق قدورة فارس عضو المجلس
التشريعي وزوجته السيدة فدوى البرغوثي ومحاميه "خضر إشتراط".
وأضافت
أن الاتفاق تضمن شرطين للبرغوثي للموافقة على دعم ترشيح أبو مازن: الأول
يتعلق بضم ستة من قادة الجيل الوسيط لعضوية اللجنة المركزية للحركة بينهم
مروان البرغوثي وقدورة فارس وأحمد غنيم وزياد أبو عين، على أن يتم ذلك في
أول اجتماع للجنة المركزية، وأن يسبق إغلاق باب الترشيح لانتخابات الرئاسة.
والثاني أن يقوم أبو مازن فور نجاحه في الانتخابات الرئاسية بإصدار مرسوم
رئاسي يقضي بتعيين البرغوثي نائبا لرئيس السلطة.
وعلل
البرغوثي شروطه تلك بمحاولة "حماية الثوابت الفلسطينية" التي دعمها الرئيس
الراحل ياسر عرفات من التبديل، مشددا على وجود خطر من تحولات يسعى البعض
-وفى مقدمتهم أبو مازن وأعوانه- إلى إحداثها في الثوابت التي حافظت عليها
الحركة في ظل قيادة أبو عمار، وفي مقدمتها الإقرار بحق العودة للاجئين
الفلسطينيين والحفاظ على القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
اشتعال الأزمة
ولم
يمضِ يومان على الاتفاق حتى قررت اللجنة المركزية لحركة فتح أنها لا تستطيع
تحقيق تلك الشروط دفعة واحدة قبل الانتخابات، ورفض العدد الأكبر من أعضاء
اللجنة ضم ستة عناصر لعضويتها جملة واحدة، مشددين على أنهم لا يستطيعون
الإقدام على مثل هذه التغييرات دون موافقة المجلس الثوري. وفيما يتعلق
بمنصب نائب رئيس السلطة أجمع أعضاء اللجنة على أن الدستور الفلسطيني المؤقت
ليس به إشارة إلى مثل هذا المنصب على الإطلاق؛ الأمر الذي سيشير بوضوح إلى
وجود صفقة بين اللجنة والبرغوثي؛ وهو ما يسيء إلى حركة فتح داخليا وخارجيا.
كان
البرغوثي قد أمهل قادة اللجنة المركزية إلى ما قبل إغلاق باب الترشيح
بساعتين ليل الأربعاء 1-12-2004، وقد استمرت الاتصالات مع محاميه وزوجته
وعدد من المقربين منه من كوادر الحركة إلى ما قبل إغلاق باب الترشيح بساعات
قليلة لإقناعه بالعدول عن هذا القرار الذي سيؤدي إلى انقسامات كبرى داخل
الحركة، وقد تسعى عدد من الفصائل الفلسطينية المختلفة مع فتح حول طريقة
إدارة الانتخابات إلى استغلاله.
أبعاد جديدة
ويأتي
قرار البرغوثي بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة ليضيف أبعادا جديدة للصراع
القائم الآن في الأراضي المحتلة؛ فمن جهة سوف يؤدي القرار حتما إلى شق صفوف
حركة فتح من الداخل نظرا للشعبية التي يتمتع بها المناضل مروان البرغوثي
داخل صفوف الحركة وخاصة بين الشباب وكوادر شهداء الأقصى الذراع العسكرية
للحركة.
ومن جهة
أخرى فإن قرار البرغوثي يعطي عددا من الفصائل المعارضة لتوجهات حركة فتح
وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ورقة قوية تستطيع استخدامها
للضغط على كل من فتح وأبو مازن لانتزاع أكبر قدر من المكتسبات لصالح توجهات
الحركة، وأهمها الدفع في اتجاه تغيير قانون الانتخابات، والإسراع بالإعلان
عن موعد الانتخابات التشريعية التي أعلنت حماس أنها سوف تشارك فيها بقوة،
بالإضافة إلى الانتخابات البلدية.
ومن جهة
أخرى فإن فشل القوى الوطنية والديمقراطية (فتح والجبهتين الشعبية
والديمقراطية لتحرير فلسطين) في التوحد خلف مرشح واحد سوف يصب في صالح
البرغوثي؛ نتيجة لأن قراره بالترشيح جاء بعد عجز هذه القوى عن التوصل إلى
اتفاق فيما بينها؛ الأمر الذي سيجعل أغلب هذه القوى تسعى إلى مساندة
البرغوثي لعدم وجود مرشح لها في الانتخابات، باستثناء الجبهة الديمقراطية
التي قامت بالدفع بتيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية، عضو المكتب السياسي للجبهة.
نحو صفقة جديدة
وعلى
ضوء هذا الموقف الجديد تقوم قيادات عليا في حركة فتح بمحاولة أخيرة للتوصل
إلى حل وسط، يسمح بعقد صفقة جديدة بين البرغوثي والحركة، ويقضي بضم اثنين
فقط من قادة الجيل الوسيط بينهم البرغوثي إلى عضوية اللجنة المركزية، على
أن يتم هذا عقب إجراء الانتخابات الرئاسية مباشرة وفق ضمانات خاصة تمنح
للبرغوثي؛ حتى لا يفسر هذا القرار باعتباره صفقة بين الطرفين.
أما ما
يتعلق بمنصب نائب رئيس السلطة فتدور المحادثات حول إقناع البرغوثي
بالموافقة على عرض الأمر على اللجنة المركزية للحركة والتصويت عليه في
اجتماع تالٍ لفوز أبو مازن، على أن يتم تنفيذ القرار الذي ستسفر عنه نتيجة
التصويت.
وقد رد
البرغوثي عن طريق عدد من المقربين منه من أعضاء المجلس التشريعي أنه
بانتظار قرار فتح، مشددا على أنه لن يسحب ترشيحه إلا بعد الاستجابة لشروطه.
إلا أن
عددا من المقربين من قادة اللجنة المركزية لحركة فتح رجحوا قيام الحركة
بتسوية الموقف مع مروان البرغوثي عبر الاستجابة لبعض مطالبه قبل بداية
التصويت على منصب رئيس السلطة بمدة كافية، مشددين على أن الحركة تحاول
استغلال الوقت للحصول على اتفاق وشروط مقبولة.
ويرى
هؤلاء أن قضية انسحاب البرغوثي من التقدم لانتخابات الرئاسة باتت مسألة
وقت، لافتين إلى أن الانسحاب سيأتي عندما يكون الطرفان قد استنفدا كل أوراق
الضغط التي يملكانها.
|