بلطجية وشبه لهم

نجا ناجي وعلق انعام

وجيه عمر مطر

نحف / 1948

قد قلتها يا دكتور إبراهيم حمامي، فلما انزعاجك منهم إذن، أو ممن هم عليه وبه ، سوى الخوف على هذا الشعب وهذا الوطن، إنهم ليسوا فقط لا يجيدون قراءة التاريخ، وإنما هم يجهلون أن هناك تاريخ، وهم لا يجيدون قراءة حتى رواية من ( روايات عبير )، إنهم لا يجيدون سوى قراءة التقارير الأمنية، ورسائل وزراء الداخلية وضباط على شاكلة عمرو سليمان وأقل منه بكثير. لا يجيدون سوى تلقي الأوامر والعمل حسب تأشيرة البوصلة التي تشير غربا وليس شمالا.

     كبيرهم كان من قبلهم يكره الثقافة والمثقفين، ولا يقرب سوى من يجيد قراءة التقارير أو صنعها وحسن ديباجتها، وكان يطل علينا مفتخرا انه قرأ رواية الأم، سمعتها منه أكثر مرة، حتى أولئك الأدعياء الذين يجيدون كتابة البيانات وعبارات التهليل والتفخيم ، ما كان منهم من يحترم الثقافة ولا المثقفين، فكم من مرة زوروا انتخابات الكتاب والصحفيين، من مؤتمر البوريفاج إلى مؤتمر الجزائر إلى صنعاء، ويعرف ذلك كل أرباب التزوير من أحمد عبد الرحمن إلى درويش إلى المستوزر يخلف، ويعرف ذلك الأمر جيدا من اغتيل من حنا مقبل إلى ناجي العلي إلى ... والقائمة طويلة، ويعرف ذلك أيضا رشاد أبو شاور الذي تنكر له أصحابه(  فيما سبق )، وهنا تحضرني حادثة مؤلمة مبكية مضحكة لمرارة سخريتها، لعب الشبه دورا كبيرا في تبيان جهلهم وافتضاح أمرهم، حيث الشبه كبيرا بين المناضل ( انعام رعد ) الذي كان رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي، وبين المناضل ( ناجي علوش ) أمين عام حركة التحرير الشعبية العربية، ومؤسس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وكان الرفيق ( ناجي علوش ) يلقي كلمة من على المنصة في المؤتمر وبحضور رهط من المدعويين من القوى والأحزاب العربية، ومنهم المناضل انعام رعد، وكعادته كان ناجي علوش يتكلم عن جذرية الثورة ودور المثقف الثوري وانه لا بد من استبعاد من لا علاقة له بالثقافة والكتابة، ولا بد من انتهاء الكوته الفصائلية وأن يترك الكتاب والصحفيين الفلسطينيين يمارسون حرية الاختيار وسيادة الديمقراطية ، وابعاد شبح الأمن والأجهزة القمعية,. هنا أنهى ناجي علوش كلمته ،لكن أهل العتمة والظلمة كانوا يعدون ما لا يحسنون غيره، كون ناجي بكلامه هذا تعدى الخطوط الحمر التي كانت دائما البوصلة لكل الجوقة الراقصة . وفعلا دخلت مجموعة من  ( القبضايات البلطجية) ، وصعدوا إلى المنصة وأحاطوا به وأوسعوه ضربا ،  ولكن ليس ( ناجي علوش ) من كان يضرب، لأنه نزل من على المنصة قبل دخول الأزلام، وكان السيد ( انعام رعد ) قد حل محله لالقاء كلمة الحركة الوطنية اللبنانية ، ولأنه يشبه ناجي ،  وكونه هو الذي على المنصة وهو من يتكلم ، اذا (  هكذا صور لهم  )  هو الهدف المطلوب .  فهاجت القاعة وماجت ،  ولكن  ( نجا ناجي وعلق انعام ).

وهذا غيض من فيض ، فمن يقتل ناجي العلي هذا الفنان المتنبئ المرهف، ومن قتل حنا مقبل ، ومن ساهم بمقتل الكثير من المثقفين والكتاب والصحفيين ، ومن أبعد عن دوائر القرار والسلطة الثورية كل من كان له علاقة بالاخلاق الثورية والثقافة والوعي الثوري ، ويقرب الأزلام والسراق والبلطجية على غرار ( بلطجية وشبه لهم / حادثة انعمام رعد )، ليس بالغريب عليه أن يقرب أمثال الدحلان وقريع وسري نسيبة صاحب الباع الطويل والتنظير الجليل في التنازل عن حق العودة واللاجئين، وهو كاتب وصايا عباس ، ويقرب الطريفي وسماسرة مستوطنة جبل أبو غنيم والجدار العازل ، جدار الفصل العنصري، ويستوزر أهل الجعجعة والواقعية من كوبنهاجن إلى لندن وواشنطن إلى شرم الشيخ  إلى .. الخ.

هذا أولا وأما ثانيا، فاني أعجب منك يا دكتور حمامي، كيف تصب جام غضبك على هؤلاء الثلاثة (دحلان ووروده، وقريع وجموده وعبّاس ووعوده ) دون المس أو المساس بأهل البلاط الأخرين الذين ارتضوا أن يكونوا صرارا تحت هذه المداحل الاسفنجية، مستمرئين لعبة السلطة والدولة الموهومة ، وهم من يعطي لمثل هؤلاء شرعية التواجد على تل الجماجم ويسبحون في بحور الدماء ويعبون منه حتى الثمالة، هل يعفى من يرى الخطأ والزلل ولا يقومه بحد السيف وان لم يستطع فبلسانه وان لم يستطع فبقلبه وان لم يستطع فليقدم استقالته وهو أضعف الايمان ، هذا اذا ما كان مخدوعا لعدم وعيه ومعرفته المسبقة، وأما اذا كان يعرف فكيف يرضى أن يكون جسرا لهؤلاء ولغيرهم من أهل الحل والحلل.فيسكت ويبلع لسانه ويقد قلبه ويرمي به للكلاب السائبة .

وأما ثالثا، فاني أعجب كيف نصفق لامرأة تقول لعباس أو لغيره من أهل سلطة الحكم الذاتي المحدود جدا، (  اذا لم تستطع عمل شيء فاترك كرسيك".)، فالاجدر بنا أن نسأل السؤال الذي لا بد منه، هل مثل هؤلاء من يجيد العمل الثوري ؟ أم أن هؤلاء قد أعدوا للانتحار على طريقة أبو عبدالله الصغير، فقد فعلها كبيرهم قبل أن يمضي وانتحر قبل أن يحاصر في مقاطعة هي أصغر من سانية أو بيارة من بيارات برتقالنا الحزين. انتحر منذ أن وقع على هجرة الثورة من لبنان إلى المنافي ، واعتزل الثورة منذ أن شمر عن ساعديه وبجانبه المستخلف المتوطوط في واشنطن للتوقيع على وثيقة السقوط الاخير .

            انهم يا صديقي لا يحسنون سوى أكل السحت ، والبحث عن اليات الضغط على من يحسن الكر والفر، فكانت القاهرة التي جمعت الفصائل هناك ، للتحضير لمرحلة كانوا قد أوضحوا مسارهم فيها واليها، وهذا الدحلان قد بين انه(  لا يوجد فصائل ولا كلام فاضي ) (والكل بدوا يوقع على وثيقة القاهرة بوقف العمليات الانتحارية ) ، وكما قال عباس لا سلاح الا سلاح السلطة وبعد اتفاق القاهرة ازداد القتل والقمع وازداد عدد المعتقلين، والتوغلات المتتالية، والملاحقات .

            يتجاوزون كل شيء ويتنازلون عن كل شيء فليس من ثوابت لديهم، سوى ان شارون وحده الثابت على ما جاء اليه مذ جاء، والكل متغير في الموقف ثابت على وهم السلطة ،  انهم لا يحسنون يا صديقي سوى سرقة الأحلام والورود والوعود، انهم أهل الجمود والجحود والقعود والسدود وكمّ الأفواه والصدود لأهل البيت وليس للعدو اللدود. 


    وجيه عمر مطر

نحف / 1948

22.4.2005

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع