بعد عرفات

السبت 27 تشرين الثاني 2004

بقلم عبدالقادر ياسين                                                         

 

لماذا أقدمت إسرائيل على قتل عرفات، بعد أن استمرت التلويح بقتله، على مدى ثلاث سنوات، منذ يوليه/تموز 2001، فبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ، وبالضبط يوم 15/7 الماضى خرجت الصحف الإسرائيلية تناقش ما بعد عرفات. ما أوحى بأن الإدارة الأمريكية قد أعطت الضوء الأخضر لشارون كى يتخلص من عرفات، بعد أن استعصى الأخير بصدد تقديم بقية التنازلات التى طلبتها إسرائيل.

وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى، هنغبى، استهجن مطالبة الإدارة الأمريكية حكومة إسرائيل بعدم قتل عرفات، ورأى هنغبى بأن تلك الإدارة هى آخر من يحق له الكلام فى هذا الصدد. وهى التى تقتل فى أفغانستان والعراق أناسا لم يمسوا شعره من أى أمريكى، بينما عرفات تسبب فى قتل إسرائيليين، وبالتالى فإن التخلص منه يأتى من باب الدفاع عن النفس.

فى 6/9 الماضى صرح وزير الدفاع الإسرائيلى، شاؤول موفاز بأن "عرفات يزال بالطريقة والتوقيت المناسبين"! ثم تدفقت تصريحات كبار المسئولين الإسرائيليين فى هذا الإتجاه.

بقى أن يكشف تقرير طبى عدل ودقيق سبب الوفاة المفاجئة لعرفات، أو يكشف هذا الأمر تشريح جثته.

سياسيا، عرفات ذهب ضحية التأرجح بين التسوية والمقاومة، وأوسلو الانتفاضة التنازل والصمود . تاراكاً وراءه تركة ثقيلة ، لا تبشر بخير!.

لقد رفض عرفات ، حتى عشية احتضاره وانتقاله بطائرة الهليوكبتر إلى باريس (29-10). أن يعين من ينوب عنه فى أى من رئاسة "فتح"، أو السلطة، أو رئاسة الحكم الذاتى، ما أضطر محمود عباس (أبو مازن) إلى أن يضع رأسه برأس أحمد فريح (أبو علاء)، واقتسام سلطات عرفات بينهما، الأول رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والثانى لرئاسة سلطة الحكم الإدارى الذاتى. وحين احتج فاروق القدومى (أبو اللطف) من تونس، أعطى رئاسة حركة فتح. وهكذا تم فك عرفات إلى ثلاثة، لكن دون أن يمنع هذا الفك من إعادة إنتاج عرفات، بتفرده، وتسلطه، خاصة إذا ما تم حمل أبو مازن إلى رئاسة الحكم الذاتى، فضلا عن ترؤسه للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

إن تراثا ضخماً من غياب الديمقراطية خلفه عرفات وراءه، فضلا عن عدم توفر الحامل الإجتماعى للديمقراطية، مع سيادة مجتمع غير منتج فى مناطق الحكم الذاتى، وتعذر توفر برجوازية منتجة، وطبقة عاملة صناعية. الأمر الذى عززه تحالف البيروقراطية المتعفنة فى منظمة التحرير مع العشائرية والكومبرادور (وكلاء الشركات الاحتكارية الأجنبية فى مناطق الحكم الذاتى). وهى أمورا استجرأ الإحتلال الإسرائيلى تعزيزها، حتى يفقد الشعب الفلسطينى الحد الأدنى من شروط النصر، لذا تفشى الفساد وبائيا، وتغولت أجهزة الأمن، وامتد الزمن دون نشوء جبهة متحدة للفصائل الفلسطينية، تعزز قيادة وطنية موحدة، تظلل كل القوى الوطنية الفلسطينة الفاعلة، وتستقوى بإستراتيجية صحيحة ومديدة، وتعمل على إشاعة الحريات الديمقراطية، واجتثاث الفساد من جذوره.

لكن ما جرى منذ انتقال عرفات إلى باريس، وعودة جثمانه منها، ودفنه قرب مقاطعته فى رام الله (12/11) لا يبعث على التفاؤل. فعدا عن اقتسام السلطة بعيداً عن المؤسسات، فقد عمد بعض قادة فتح إلى التجمع، والطيران إلى باريس (8-11) وضم التجمع كلا من عباس، وقريع ونبيل شعث، وروحى فتوح، وكلهم من "فتح"، متجاهلين بقية الفصائل وفى غفلة عن كل مؤسسات منظمة التحرير.

الأنكى أن شعث صرح، بعد أن التقى الأربعة قرينة عرفات، سهى الطويل، بأنهم أرضوها! وهى التى كانت إتهمت الأربعة بأنهم يهدفون إلى دفن عرفات حياً، ووصفتهم بأنهم "مستورثين"، ما كشف جوهر الصراع بين الطويل وبين زمرة الأربعة، إنه المال!.

بينما الشعب الفلسطينى لا يزال يجهل كم الأموال المسجلة باسم عرفات شخصياً، بينما تعود إلى منظمة التحرير، وفتح، وسلطة الحكم الذاتى. فضلا عن أن هذا الشعب لم يعرف حجم المال المختلف عليه، وكم أخذت السيدة سهى، وكم أخذ الباقون، وهل عاد شىء من هذه الأموال إلى الصندوق القومى الفلسطينى"، ومالية "فتح"، وخزينة سلطة الحكم الذاتى؟!.

حتى فى الجنازة خرج من تبقى من قادة "فتح" على قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأن يتلقى العزاء فى عرفات، بالقاهرة، أعضاء اللجنة التنفيذية وأمناء عامون الفصائل الفلسطينية، فيما تجاهل الفتحويون كل هؤلاء، ووقف خمسة من الفتحويين يتقبلون التعازى (عابى/ قريع/ شعث/ فاروق القدومى، محمد غنيم).

إلى ذلك استغل الأمناء العامون للفصائل فرصة وجودهم فى القاهرة مع قادة" فتح"، واتفقوا مع عباس على ضرورة إجراء إنتخابات رئاسية وتشريعية فى وقت واحد، على أن تتم الأخيرة مناصفة بين القائمة النسبية والقائمة الفردية.

وبعد عودة عباس إلى رام الله اتصلت به الإدارة الأمريكية، فأذعن لمطلبها بالإكتفاء بإجراء إنتخابات رئاسية، فى 9-1 القادم، مع تأجيل الإنتخابات التشريعية إلى منتصف العام القادم.

وبعد، فإن الأمر يتطلب التحرك السريع، وتوحيد الفصائل، على برنامج إجماع وطنى، للضغط على من تبقى من قادة "فتح" فى سبيل وضع القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة، والحيلولة دون إستنساخ عرفات وأساليبه، وصيغه.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع