العيب ليس بأزلام الاحتلال

سوسن البرغوتي

   شعائر التباهي بتوديع المحتل بالورود، وعلى أمل اللقاء بهم بالحرم المقدسي، تجعل من التصريح وليس التلميح موضع استخفاف وحجة أقبح من ذنب تُغلف بحجج وهمية ، وبذرائع ضبط النفس أو بالتروي من منظور حكمة تنطق الرضيع مهزلة المآل.
 إن كان الرهان بإستلام دفة التحكم بغزة، فهو لا يحتكم للموضوعية وإنما قصر في البصيرة والبصر، وغزة سليمان لم تخضع يوماً لسلطان جائر،أو دمية يحركها الاحتلال عن بُعد.
 ما يبدو جلياً للعيان، أن القيادة الفلسطينية استنفذت كل طاقاتها باتفاقيات تسحق مسيرة نضال الشعب، وتجاهلت العابثين بطريق قُدر للشعب الفلسطيني أن يشكل خط دفاعه الأول. فوق اعتبار البيوت المهدمة على رؤوس أصحابها، وبعيدا عن جرافات الاحتلال، لم تردع جموع الثكالى، وجوع الأطفال، والطفولة التعيسة التي كان سببها أسياده، مراسم الوداع بالورود
!.

  دوامة الانتخابات وشعارتها " السائية"، دعت إلى التمهل والصبر على تنابلة السلطان، الذين يقبضون رواتبهم بمعزل عن الدمار والتخريب جراء اتفاقيات مغرضة مستخفة بالقضية برمتها، ليتزعم تصفيتها عرابين من داخل الوطن وخارجه.
 فليرحلوا معهم وليكن مصيرهم التيه في بارات تل أبيب، وإن بقوا، فليعلموا أن شعب أنجبته الأرض من رحم طاهر، سيحاسب المارقين يوماً وإن طال ليله. فلم يعد الصمت ضعفاً، بل يعادل جرم بيع الأرض والشعب بسوق نخاسة الصهيونية.
 العيب لا يكمن بأزلام الإحتلال، إنما بالأحرار الذين ينتهجون سياسة النفس الطويل، تضيع حقوقهم وحقوق شعبهم في أرصدة الأموال المسروقة. هل علينا أن نكرر الحديث عن صفقة باريس!، وهل نجتر أحزاننا من تداعيات توجب تحرك الشعب الفلسطيني بجميع فئاته، لثورة بيضاء أو سوداء على هؤلاء المستورثين. أين وفاؤكم للزعيم.؟ وما زلتم ترفعون اسمه على ياقاتكم، وأين استحقاقات الرئيس عرفات على حركة فتح، والذي تمسك حتى آخر لحظة بأدنى المطالب الوطنية في حق العودة والقدس!.

 حان الوقت أن نحاسب دون الالتفات لأي هدنة، تمكن السلطتين من الشعب المتعب من كثرة طعنات النوائب والنكبات، وما زلنا نبحث عن ذرائع لهذه السياسة الراكعة، وعلى حساب معاناة الفلسطينيين، وتضحيات الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات!.أصبح حالهم من المحال وهم يعانون القهر والتشرد، وضغوط من سياسة دول تفاوض بشأن حق ملزم الجميع به" شاء من شاء، وأبى من أبى".

ظن شعبنا في الداخل والخارج أنهم قادمون إلى مرحلة العصر الذهبي، لكنهم  يدركون الآن أي كابوس يعيشون فيه..! سلطة تستنزف الطاقات الوطنية من أجل مكاسب شخصية على حساب الأخلاق والضمير، وما هم إلا دمى متحجرة تنفذ الأوامر. وهذا ليس عيبهم، إنما عيب المناضلين الشرفاء الذين انحنوا لعاصفة لن تبق للشرف الوطني أي ماء للوجه.

لم يعهد الشعب الفلسطيني أو أي شعب بالعالم، وقاحة عملاء يخطبون ود المستعمر وعلى مرأى من العالم، وعلى هذه الشاكلة. كفانا صمتا.. كفانا ننتهج سلوك النعامة، وليكن من أي فصيل وطني شريف فئة تعلن الـ لاءات أمام أزلام تقبض ولا تبالي، وتبيع الذمم بلا شعور بمسؤولية المهانة، ولتكن منا أمة تدعو إلى الصحوة، فإما حياة شرف وإما ممات عزة وكرامة.

من يجب أن يرفع الراية البيضاء ويتنحى جانباً، هو من فشل في تمثيل شعب جبار تحمل التشرد والشرذمة، وما زال يتصدى بصدر عار لانتهاكات مقدساتنا ومدننا. أما الاستيطان يتمدد على حساب المدن الفلسطينية، فأي سلام هذا، وأي وعود تخطط لها "إسرائيل" وفي كل يوم تتمادى أكثر على حساب حق مشروع دولياً، بتوسع مستوطنات وتعزيز قوات على مشارف المدن بحواجز ومعابر لا تصلح لعبور المواشي وليس للآدميين.

إن أردتم تكميم أفواهنا، فلن تخرسوا أقلامنا، وإن ظلمتم الشعب الفلسطيني بفسادكم، فسينبثق فجر يفجر الشجر والحجر غضبا من أفعالكم المشينة. صرنا حبيسي دور الظلاّمين، يتداولون قضيتنا على أنها شركة بورصة، والأسهم هي بشر من دم ولحم، فعلى أي امتيازات يقايض الشعب وفصائله الوطنية.؟ وبانتظار أي مكاسب يمضي الشعب الفلسطيني بقطار مهدد بالانهيار في أي لحظة!.
المحاسبات أكثر من أن تعد وتحصى، ومن تصريحات القيادة الفلسطينية، نتساءل أين هم الأسرى الذين سُيطلق سراحهم.؟ والتكتم على إرث بمليارات الدولارات، والشعب بقطاعاته يعيش تحت خط الفقر، وقيادة لها كوادر متماسكة تقف بصف واحد مع الشعب لا ضده؟! ومكافحة الفساد و"الواءات" التي لا تنتهي، ولم نر غير المزيد من التنازل دون أي امتياز، وبقاء القيادة ذاتها لا تحل ولا تربط سوى تنهال بسياطها على رقاب العباد.
  هل باتت قضية الانتخابات التشريعية شغل قياداتنا الوطنية الشاغل، لكسب مقاعد رئاسية، أم أن أولوية المقاومة هي الثوابت التي ترفض اتفاقية أوسلو وجنيف وثالثة الأثافي خارطة الطريق، أين ثوابتنا من هذه الصرعات الموسمية التي تخدر الشعب بضربات القمع تمعن بخنقه وحصاره؟!.

تلك النظرية التي يسمونها لعبة سياسية، ما عادت تجدي في حال أصبح من المستحيل زيادة الضغط المستمر للضحك على اللحى، تستبيح هوية وكيان لا يُجزأ، ومصالح مستقطعة من جثث شهدائنا، تزيد في ارتفاع الجدار النازي.
  فلسطين هي العمود الفقري لجسم الوطن العربي، وسلسلة التفريط  بدأت بقيادة الأشاوس، وعقد حباته تلتحم مجدداً من مسؤولية الفلسطينيين المدركين أن البيع بدأ من حركة كانت تُعرّف على أنها نضالية، تتحدى العنجهية الصهيونية في بناء وطن مسروق على أنقاض أهله الشرعيين.
 فإن بقي الحبل فالتاً على الغارب، ضاع الوطن العربي كله. وما التطبيع الذي يدعو له شارون مع الدول العربية، إلا بداية تورط تلك الدول في متاهات ليس لها آخر.

 العيب فينا، إن بقيت تلك الثلة تعيث في أروقة السياسة بلا حساب، بالتحكم تارة إلى عراب تمزيق خارطة الوطن العربي، وتارة إلى أمريكا والتشدق بمرجعية الأمم المتحدة، وليتها تعترف بنا!. والعيب بشعوب إن لم تدرك أن الانتقاص الحاصل الآن ليس مرحلياً فقط..! بل متواصلاً وسيدخلنا في نزاعات وصراعات بيزنطية. فهل نعود إلى عصور المناذرة والغساسنة، وإلى تناحر قبائلنا بين امبراطورتين تبني كل منهما الأمجاد على أنقاض ثرواتنا وأرضنا العربية، أم نتناسى مذبحة دير ياسين ومحارق صبرا وشاتيلا؟!، حتى يصبح القانون الذي يحتكم ويحكم بالعصا هو اليد العليا في تقرير مصير الشعوب..!؟
http://www.arabiancreativity.com/sb51.htm
 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع