فلتحل السلطة نفسها وتنهي عرض المسرحية الهزلية سلام
الشجعان
بقلم: د. خالد محمد صافي -
15/3/20006
أصبح من الواضح أن السلطة الفلسطينية لا تشكل سوى مسرحية
سياسية هزلية تمثل وتعرض على أرض فلسطين وبأيدي أبنائها الذين تخلوا عن
دورهم كأبطال حقيقيين على مسرح الحياة، وقبلوا أن يتحولوا إلى أبطال
كرتونيين ليستمتع العالم بمشاهدتهم ومداعبتهم حتى يستريح ضميره الذي دعم
بني يهود في إقامة دولتهم على حساب شعب أخر. وسيناريو المسرحية الذي كتب
من قبل ساسة العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فيما يتم إخراجه
صهيونياً وتمويله أوروبياً وعربياً. حيث يلعب الأدوار الرئيسية الكرتونية
فيه أبطال فلسطينيون اعتقدوا أو أوهموا أنفسهم للحظة بأنهم أصبحوا
أبطالاً سينمائيين، وأنهم قادرين على التحكم في سيناريو المسرحية وتحويله
إلى سيناريو حقيقي يرضى طموحهم. فهذا السيناريو أطلق عليها إسرائيلياً
ودولية "سلطة حكم ذاتي"، وأطلق عيها فلسطينيناً "سلطة وطنية فلسطينية"،
فيما تبادل الممثلون بينهم كلمة السر وهي "سلام الشجعان". وتم إشهار
العقد الذي تم الاتفاق على بنوده سرياً في حفل علني في استوديوهات هليوود
الأمريكية في 13/9/1993م من أجل خطف أبصار الممثلين أولاً، وإيهامهم
بجدية إخراج المسرحية إلى حيز النور، وحشد وتسويق العمل الفني دولياً
ثانياً. فالممثلون قد تلقوا وعوداً بأن الإخراج سيكون جيداً، وسيتطور
الأداء مع الوقت، وأنهم سيستقبلون كممثلين بارعين في استوديوهات البيت
الأبيض وقصر الشانزليزيه وقصور الدول الأوروبية الأخرى، وستعرض مسرحيتهم
في دور العرض الأمريكية والأوروبية. وأن المطلوب منهم فقط هو الاعتراف
بحق المخرج في الوجود والحياة، وبملكيته لصالة العرض، أما خشبة المسرح
فهي مكان لتمثيل العمل المسرحي لذلك ومن أجل ضمان سير العمل وانتظامه
فلابد من تقاسم إدارتها حتى تتضح معالم نجاح المسرحية وديمومة عرضها. وها
نحن نكتشف كل لحظة أن الممثلين بقوا على حالهم فاقدين الإرادة، وعاجزين
عن إدارة دفة الأمور كما يحلمون، وأن كاتب السيناريو ومخرجه ومنتجه لا
يزالوا يتحكمون في رسم خطوط السيناريو على الأرض. وبدا للمتفرجين أن
الممثلين يؤدون أدوارهم ببراعة ففيهم الرئيس وفيهم الوزير وفيهم النائب
وفيهم العقيد وفيهم المدير العام وفيهم الشرطي كل بلقبه وزيه يؤدي دوره
المرسوم، ويدور كترس في دولاب كبير يحيط به الكومبارس والجوقة الموسيقية.
وعند ذلك علا التصفيق وانفرجت أسارير المتفرجين، وشعروا أن العمل المسرحي
قد نجح وحقق مراده. ولكن ما لم يدركه المتفرجون أو لم يرغبوا بإدراكه عن
عمد أن الاحتلال الذي يلعب دور المخرج هو الذي يحتل خشبة المسرح ويتحكم
في دورانها وحركتها، وهو الذي يغير في ديكور كل مشهد. فهو الآمر الناهي
فيما يدخل لخشبة المسرح من أثاث، وما يدخل من طعام وشراب لسد رمق
الممثلين الذين يركضون على خشبة المسرح، ويؤدون رقصات الباليه أو قفزات
السيرك. فأحياناً يغدق عليهم اللحم والشحم عندما يؤدون دورهم بإتقان،
ويطيعون أوامره دون تردد أو اعتراض، ودون أن يحدثوا أي صراخ أو زعيق يهدد
هدوء القاعة، أو يزعجوا المتفرجون الذين يرغبون بتهدئة أعصابهم والتنفيس
عما يجيش بأعماقهم من تأنيب إن وجد.
وأحياناً
يمنع عنهم حتى الساندويتش وكأس الشاي لأنهم عزفوا لحناً نشازاً خارج إطار
النوته الموسيقية، وبادروا بترديد كلمات خارج إطار السيناريو المكتوب مما
أزعج المخرج وجمهور المتفرجين وأثقل على أعصابهم.
وها نحن نكتشف كل لحظة أن الممثلين بقوا على حالهم فاقدين
الإرادة، وعاجزين عن إدارة دفة الأمور كما يحلمون، وأن كاتب السيناريو
ومخرجه ومنتجه لا يزالوا يتحكمون في رسم خطوط السيناريو على الأرض. ومع
ذلك وفيما يبدو أن الممثلين قد أدمنوا التمثيل، وأتقنوا أدوارهم بعد أن
حفظوها عن ظهر قلب واستسلموا لأوامر المخرج والمنتج متعذرين بعجزهم عن رد
ها وسط تخلي الأقارب والأحباب، وهرب الأصدقاء. وعوضوا الشعور بالنقص بنفخ
الذات على أثاث مريح، ولبس البدلات والكرفتات، وركوب السيارات الفارهة
التي تغدوا على خشبة المسرح ذهاباً وإياباً مما أفسد أخلاقهم وأربك
طباعهم وأثار حفيظة اقرنهم ذوي الأدوار الهامشية من كومبارس وجوقة.
وعندها تزاحم على خشبة المسرح ممثلون طالبين إظهار مواهبهم وقدراتهم
وكفاءتهم في التمثيل وأداء الأدوار الصعبة، آملين أن يستغلوا هذه المواهب
الفذة في تغيير السيناريو أو إزاحة بعض عباراته وربما صفحاته. وأعلن
المخرج المساعد (أمريكا) والمنتج نيتهم تغيير أصول اللعب والخروج من حالة
السأم التي بدت تخيم في المكان، ورفعوا شعار الإصلاح الديمقراطي،
واشترطوا إجراء مسابقة حرة نزيهة خشية على ثقافة الجمهور الديمقراطية،
ومنعاً لخدش تقاليدهم في أصول الحكم وتداول السلطة لاختيار النخبة
الجديدة من الممثلين لتغيير بعض الوجوه التي تراجع أدائها وملها الجمهور
الكريم. وحتى تستوعب وتحتوي خشبة المسرح للممثلين الجدد المندفعين بقوة
للدخول المسابقة، وحتى تتناسب مع السيناريو الجديد للمسرحية الذي تم
إعداده تم توسيع خشبة المسرح قليلاً. وسُمح للمتنافسين أن يخوضوا
مسابقتهم داخل خشبة المسرح، وفاز من فاز وخسر من خسر. ونال الممثلون
الجدد حصة الأسد في الأدوار الجديدة فيما تراجعت نسبة الممثلين السابقين
بسبب تراجع أدائهم وانطفاء بريقهم. وبدأت خشبة المسرح تشهد مناكفات بين
الممثلين السابقين الذين خسروا ولم يستوعبوا الهزيمة بعد، وبين الممثلين
الجدد. فاشترط الممثلون السابقون على الممثلين الجدد ضرورة الالتزام
ببنود العقد الموقع، ولزوم السير على نهجهم في التمثيل، ووجوب الالتزام
بالدور المرسوم في السيناريو، وعدم الخروج عن النص كشرط للتمثيل المشترك
على خشبة المسرح. بينما سعي المخرج والمنتج إلى الضغط مالياً على
الممثلين الجدد لترويضهم وتدجينهم لكي يؤدوا الأدوار المرسومة كما هي.
فتأخروا في دفع الرواتب، وانقصوا كمية الطعام إلى الحد الذي يحافظ على
حياتهم فقط.
ومع
ذلك فلا زال الممثلون السابقون والجدد يتناكفون على تبادل الأدوار،
وتغيير المواقع، ومحاولة وضع رتوش متفق عليها على السيناريو. وكل ذلك
يحدث فيما يعد المخرج والمنتج الخطط اللازمة لتنفيذ السيناريو المقبل.
والسؤال المطروح هنا إلى متى يقبل الممثلون تأدية أدوار
في مسرحية محددة السيناريو وعلى خشبة محددة الأبعاد، ومن أجل جمهور عالمي
يجلس على المقاعد للمشاهدة والتسلية. في حين يقدم المخرج بين الحين
والآخر على توجيه الصفعات للممثلين، فيغتال من يريد أخراجه من خشبة
المسرح قصفاً وسماً، ويهدم ما بنوه من قلاع وحصون وسجون ديكورية، ويجردهم
من ملابسهم ليؤكد لهم أنهم ليسوا أكثر من ممثلين على خشبة المسرح، وأن
عدد القطع المسموح بلبسها هي بأمرهم.
لنكن
صادقين مع أنفسنا ونحدد هل نستمر في المسرحية كأبطال كرتونيين أم علينا
قلب خشبة المسرح على رأس المنتج والمخرج، ونعلن للمتفرجين جهاراً وعلناً
بأن خشبة المسرح ليست حرة، وأننا لسنا أحراراً في اختيار السيناريو الذي
نرغبه، ولسنا أحراراً في تناول طعامنا وشرابنا، ولسنا أحراراً في الخروج
والدخول إلى خشبة المسرح وأننا سنعود أبطالاً حقيقيين على مسرح الحياة.
|