سلطة ولكن...

سوسن البرغوتي

يبدو أن هناك محاولات حثيثة للوصول بقضية التسليم بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها حقه في العودة إلى دياره. إن برنامج التصفية يتجه الآن إلى معالجة موضوع اللاجئين الفلسطينيين بالتجنيس والتوطين بدلا عن حق العودة، الذي كفلته قرارات الأمم المتحدة، والمتجانس مع حق تقرير المصير.

لقد أنيط بقيادة السلطة العتيدة مهمة إنهاء الصراع التاريخي مع الصهاينة، والتخلي عن الحقوق المشروعة لشعبنا. وفي هذا الإتجاه، قبلت السلطة بالتفريط في الحقوق المشروعة للفلسطيينن، وقد تآكلت تلك الحقوق لتصل حد القبول بكانتون صغير لا يتجاوز حجمه الـ 1% من فلسطين التاريخية، وتم التنازل عن حق الفلسطيني في أرضه، والعودة إلى دياره.

والواقع أن هذا التنازل، هو أقسى ما واجهه الشعب الفلسطيني، بما في ذلك نكبة عام 1948.فقد بقي الأمل متوقدا لدى الشعب الفلسطيني، تحت الإحتلال وفي الشتات بأن تحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهما هما مسألة وقت. وأن الحركة التاريخية ستتجه حتما إلى الأمام، بما يضمن خلق ظروف مواتية لتصعيد المقاومة وتحرير الوطن. لكن تنازل السلطة، وضلوع بقية الأنظمة العربية مع مخططات التصفية، والمصحوب باعتراف بالكيان الصهيوني، يمارس الغطرسة والهيمنة على البلدان العربية، ويلعب دورا أساسيا في تقرير سياسات توجهاتها.. وتلازم مع ذلك هدنة مع "إسرائيل" التي وافقت أقوى الفصائل الوطنية على إبرامها، كل تلك الأمور تجعل الأمل في التحرير والعودة يواجه أكبر تحد له.

إن المطلوب الآن هو مواجهة هذه اللحظة التاريخية والمصيرية، والتصدي لمحاولات التصفية. وينبغي الإعلان بجرأة وشجاعة ودون مواربة بأن الشعب الفلسطيني الذي منح منظمة التحرير حق وحدانية تمثيله، ومنحه كان مشروطا بالعمل على قيادة الشعب وتحقيق صبواته نحو التحرير والعودة،انتهاء صلاحيتها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. أما وأن السلطة قد فرطت بالحقوق، وارتضت أن تكون بديلا عن الصهاينة في إدارة قطاع غزة، على أمل الحصول على بعض المشاريع الاقتصادية يكون دورها فيها أقل بكثير من  مقاول الباطن، فإن الشعب الفلسطيني في حل من العقد الذي منحته لقيادة منظمة التحرير، التي تمثلها السلطة اللاهثة وراء سراب التسوية.

إن السلطة تؤكد عدم مشروعيتها من خلال ممارساتها التي أدت إلى إشاعة الفوضى الأمنية، وتشكيلها لأجهزة  قمع بهدف كبح الأصوات المنددة بالفساد، واغتيال رموز المقاومة الوطنية الشريفة. بل لقد بلغ ذلك حد إغلاق ملف تسميم الرئيس عرفات، والاستئثار بالإرث الفلسطيني، وإقامة علاقات ودية مع من المفترض أنه عدو!. كيف يمكن لمن يحمل الجنسية "الاسرائيلية" أن يتكلم بإسم الشعب المغتصبة حقوقه!، وكيف يمكن لمن وقعوا على اتفاقية أوسلو، وأقروا بعدم أهليتها لتحقيق أماني الفلسطينيين أن يتكلموا عن الثوابت الوطنية، في الوقت الذي يقودون الشعب إلى الهاوية!.

هناك الكثير ممن لايزال يأمل أن تنطلق شعلة التحرير من غزة بعد إنسحاب الإسرائيليين منها، وهناك من يحلم بمواقع في المجلس التشريعي، تحت ذريعة تحقيق الإصلاح، متناسين أنهم لن يستطيعوا أن يلغوا بندا واحدا من الدستور المعدل، والمعدل لمرات ليكون متناسبا مع المطالب الصهيونية. إن وهم جعل غزة منطلقا للمقاومة قد تكشف زيفه بعد إصرار السلطة على نزع السلاح عن حركة حماس وتحويلها إلى حزب سياسي. كما تكشف ذلك من خلال تهميش دور قيادات الجناح العسكري لشهداء كتائب الأقصى. وبالتزامن مع هذا، يجرى العمل على قدم وساق من قبل الصهاينة من أجل استكمال بناء الجدار العازل وتضييق الخناق الاقتصادي على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. أما وعود السلطة الانتخابية بالكشف عن الفاسدين، فذهبت أدراج الرياح.
إن تصور إمكانية اختزال حق الفلسطينيين في وطنهم ببقعة صغيرة مثل غزة، وهم خائب.غاب عن هؤلاء الواهمين أن أبناء مخيمات غزة التي قادت الانتفاضيتن الباسلتين، هم من فلسطينيي الشتات، ومعظهم يعيشون تحت خط الفقر في مخيمات لا تتوفر أبسط مقومات العيش الكريم. ولذلك فإنهم لن يقبلوا بدويلة مهمشة مقابل شلال الدماء الذي سال من أجل فلسطين، ولن يقبل فلسطينو الشتات في كل أصقاع الأرض وطنا بديلا عن أرضهم مهما طال الزمن. سوف تستمر قافلة المقاومة إلى الأمام رغم المصاعب والتحديات، وسيكون لنا موعد في يافا والرملة وصفد وعكا.. وفي القدس.. وسوف تنتصر إرادة الشعوب.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع