للمتباكين على عذابات الآخرين

الدكتور إبراهيم حمامي- 10/10/2005

دعوات أطلقت في العقبة لإنهاء عذابات الآخرين، ودعوات أخرى للإنصياع للقوانين، في البلدان المضيفة للاجئين، لكن من لهؤلاء الذين تقطعت بهم السبل من المساكين؟

رسائل جديدة وصلتني حول معاناة أبناء شعبنا، في الموضوع الذي عنونته "تعساً لكم، فيما تختلفون وأبناء شعبنا يموتون" ونشر قبل أسابيع، تناولت أمثلة من مصر والجزائر، وهو الذي أثار حفيظة مستشار "سفارة" أوسلو بالجزائر، وهذه المرة الأمثلة من الدول التي تستحوذ على الأخبار وعناوينها، وباهتمام المحققين والمبعوثين والحكام والسلاطين، إلا فيما يتعلق بمعاناة أبناء شعبنا، الأول من العراق والذي لم تنقطع ممارسات التعذيب والتنكيل بالفلسطينيين فيه، والثاني من لبنان الذي زاره مسؤولين ووزراء من سلطتنا المجيدة، واجتمعوا بكل مسؤول يخطر على بال هناك، دون أن يكلف أحدهم عناء النزول لشوارع المخيمات.

الفلسطينيون في العراق، آخر الانتهاكات:

قبل نشر آخر التطورات ترى أين عزام الأحمد مسؤول ملف العراق بالتشريعي والذي نفى وقوع حوادث منظمة ضد الفلسطينيين بجلسة التشريعي بتاريخ 22/06/2005، ليقرأ التالي:

نقطة تفتيش للبشمركة تعتقل فلسطينيين في الموصل

  لم يسلم الفلسطيني في أي محافظة من محافظات العراق من المضايقات ، ففي محافظة الموصل جذور عميقة للفلسطينيين إذ تعتبر من أولى المحطات لهم بعد النكبة عام 1948 .

 توفيق علي مصطفى أبو خليفة يبلغ من العمر أربعون عاما وهو من مواليد الموصل ، وهو شقيق والد فاتن مصطفى الأسيرة في السجون الأمريكية في العراق ، ووليد عبد الحمد ، اللذان يعملان في البناء والانشاءات ، وبينما هم في يتجولون في الموصل لقصد عملهم الذي يقتاتون منه لقمة العيش ، تم إيقافهم بتاريخ 20/8/2005 من قبل نقطة تفتيش للبشمركة وبعد أن علموا بأنهم فلسطينيون ألقوا القبض عليهم ، وبعد السؤال عليهم ومراجعة مقرات البشمركة لم يحصلوا على أي نتيجة ، فإلى أين يتجه الفلسطيني في ظل هذه المحن .

تهديدات بالقتل لغرض التهجير لعوائل فلسطينية في منطقة الحرية

إن المصير المجهول الذي ينتظر الفلسطينيين في العراق أصبح محل قلق وترقب الجميع وخصوصا عدم الاهتمام واللامبالاة من قبل الحكومة العراقية التي لم يصدر منها أي تعليق أو تصريح إيجابي بحق ما يحدث للفلسطينيين من مضايقات ومعاناة عامة ، وحتى السلطة الفلسطينية لم تكلف نفسها ولو لذكر فلسطينيي العراق وما آل بهم الحال، وفي ظل هذه الاضطرابات والخوف الشديد من الأيام القادمة تلقى أكثر من ثمان عوائل فلسطينية تهديدات في منطقة الحرية في مطلع شهر آب من هذا العام في الدور التي كانت تابعة لمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وبمختلف الطرق والوسائل ، فمرة بكتابة قصاصة من الورق ووضع إطلاقة نارية مع قطرات من الدم في ظرف وإرسالها إلى أحد الفلسطينيين ، مكتوب فيها ألفاظ تشير إلى أنه معرض للقتل منها فيه ( اخرجوا من هنا خلال شهر ) ، وتارة برمي رسالة داخل الدار فيها تهديد لهذه العائلة ، وطرق أخرى .

 إن هذا المسلسل في هذه المنطقة الشعبية الفقيرة بما فيها من فلسطينيين مستضعفين لا حول لهم ولا قوة والذين لا يتجاوز عدد العوائل فيها 200 عائلة لهو دليل على إفزاع الناس وبالتالي اضطرارهم لمغادرة أو بيع بيوتهم بأسعار بخسة، وهذا فعلا ما حدث لبعض العوائل التي إما غادرت المنطقة لمكان مجهول أو باعت دارها لعائلة عراقية خلافا للقوانيين المتفق عليها في طريقة إسكان الفلسطينيين ، وبعضهم حتى غادر البلاد بسبب التهديدات الأكيدة.

 

 ومن هذه العوائل التي وصلتها تهديدات :-

1- أيوب المصري وزوجته عراقية ، ذهب مع زوجته إلى البصرة عند أقاربها ، واشترى البيت أخو أحد المسؤولين الأمنيين في البنك المركزي العراقي .

2- عائلة عادل أخو الفقيد مصباح أحد ضحايا التهديدات غادر المنطقة إلى مكان مجهول بعد اغتيال أخيه .

3- سامر عراقي ( هذا طبعا اسم والده ) ولازال موجود .

4- جلال حسين الجمل ، كذلك تعرض لتهديد من خلال ورقة مكتوبة .

5- علاء حسين علي أبو الهيجة صاحب محل لبيع ( البيتزا واللحم بعجين ) وبيته على الشارع ، يعني يعتبر موقع ستراتيجي لمن يريد الاستيلاء عليه .

6- أحمد يحيى العيد وبعد التهديد باع بيته إلى مواطن عراقي وغادر المنطقة.

وعوائل أخرى ربما البعض لم يفصح عن التهديدات التي وصلته خوفا من العواقب، وهنالك قضية قد يقول قائل ما الضير في بيع هذه الدور للأخوة العراقيين ؟! نقول هذه الدور هي عائدة لوزارة العمل وخاصة لإسكان اللاجئين الفلسطينيين حصرا وغير مسجلة في عقارات الدولة لذا فلا يمكن تملكها حتى من قبل الفلسطينيين فضلا عن الأشقاء العراقيين.

 وما أدل على ما يراد من تهجير الفلسطينيين في مثل هذه التجمعات المتواضعة ، هو أن أحد الفلسطينيين وبعد أن وصل إليه تهديد وشاهد دورية للشرطة فأخبرهم بما جرى له، سأله الشرطي : أنت شيعي أم سُني ؟!! فقال بفطرته أنا فلسطيني ! فأجابه الشرطي بأنهم يريدون أن يستولوا على بيوتكم، فأجابه بصراحة ! وبدلا من حمايته وتوصيته بالهدوء والثبات وعدم المبالاة ، زاد الطين بلّة كما يقال في المثل وكأنه من أولئك المشجعين والمحرضين على هذه التهديدات .

ومن جراء هذه التهديدات والتي سبقها اغتيال اثنين من الشباب الفلسطيني في الحرية ازداد القلق والخوف والترقب لأهالي المنطقة من الفلسطينيين ولا يعرفون ما يصنعون ولا إلى من يتوجهون ، فإلى الله المشتكى ، هذا هو قدر الفلسطيني في العصر الحديث النكبات والتهجير والتشريد حتى من أقرب الناس .

الشرطة العراقية تعتقل ثلاثة فلسطينيين على هويتهم في الموصل

إن هذا المشهد المؤسف بات يتكرر وبتزايد ملحوظ ، رغم النداءات والتوضيحات بعمق وأصالة الوجود الفلسطيني في لعراق ، ولكن لا حياة لمن تنادي !!.

بينما كان عمار محمد قاسم من سكنة حي الكرامة في العمارة التي يقطنها فلسطينيون في الموصل خارجا لكسب لقمة عيشه ، ويعمل سائق سيارة للأجرة ، وكان معه أحد الركاب بتاريخ 16/9/2005 وكان هذا الراكب العراقي يحمل كيس لبودرة الحديد ، وعندما استوقفتهم مفرزة ( سيطرة ) للشرطة العراقية وعرفوا أن السائق فلسطيني حاولوا خلق مبررات لاعتقاله ، فقالوا للراكب ما هذه المادة التي بالكيس ؟ فأخبرهم ، ثم قالوا له لابد من تحليلها ، وبعد ذلك تحولوا للسائق وسألوه عن زجاج السيارة المكسور ، فأجابهم بأن القوات الأمريكية السبب في كسره عندما ضربوه بينما كان مارا بسيارته وكان كذلك في السيارة ثقب فسألوه عنه ، قال لهم : أصابتها إطلاقة في إحدى الاشتباكات بينما كان مارا فحدث ذلك ، ولم يقتنعوا فاعتقلوه مع الراكب واقتادوهم إلى مديرية الدواشة .

وعندما أراد أشقاء عمار السؤال والاستفسار عن أخيهم المعتقل ذهب كل من بشار مواليد 1973 متزوج وله أربعة أطفال ، ورياض من مواليد 1975 وهو أعزب - علما أن عمار مواليد 1978 في مرحلة الخطوبة – إلى مكان احتجاز شقيقهم ، ولكن تفاجئا باحتجازهما مع عمار والاتصال بأهلهم عن طريق أجهزة الجوال التابعة لهم وأخبروهم بأن أولادكم إرهابيون وسوف نجلدهم ونفعل بهم كذال وكذا.

الشرطة العراقية والتدخل السريع يعتقلون فلسطيني مُسن وابنه في الغزالية

أصبح الفلسطيني شماعة تعلّق عليها الأحداث في العراق من تفجيرات وغيرها ، ففي يوم الثلاثاء الموافق 20/9/2005 داهمت الشرطة العراقية منزل الفلسطيني جميل أحمد محمد عبد العال مع بيتين مجاورين بتهمة وجود قناص من على سطح أحد هذه المنازل يقوم بقنص الشرطة أثناء تواجدها بالمنطقة ، وصعدوا على سطح المنزل ولم يجدوا أي شيء إلا أنهم وجدوا بظهر المنزل بيت متروك ، إلا أنهم لم يتجرأوا الدخول إليه ، وعندما أحسّ أحد أبناء جميل بوجود شخصين مجهولين في المنزل المتروك سارع لإخبار مركز الشرطة لكي يُخلوا ذمتهم ، واقتحمت الشرطة هذا البيت المتروك من خلال سطح منزلهم ولم يعثروا على أشخاص وغادروا المكان .

وفي يوم الأثنين الموافق 3/10/2005 في الساعة الرابعة عصرا داهمت قوة من الشرطة العراقية والتدخل السريع المنزل وسرعان ما فتح الابن عبد الله الباب اعتقلوه مباشرة مع الضرب بالسلاح على الرأس بشكل مؤذي جدا حتى أدموه ، واعتقلوا والده جميل أحمد محمد البالغ من العمر 60 سنة مع الشتائم والسب على الفلسطينيين والأردنيين وتكسير بعض أثاث البيت وأخذ بعض الأموال ، علما أن جميل أحمد يعاني من أمراض مزمنة كالسكر والقلب وضغط الدم ، وعندما حاول ابنه الآخر أحمد إيصال الأدوية الخاصة به اعتقلوه أيضا مع الضرب الشديد وتم قلع أظفر قدمه بواسطة آلة قلع المسمار ( البلايس ) ، وأبلغوه بأن أباه وشقيقه إرهابيين وقاموا بتفجيرات عدة واعترفوا على ذلك ، وأنت أخو الإرهابي القناص ، وبعد أن تدخل أحد الضباط قائلا : إذا كان أخوه إرهابي فما ذنبه ؟! وأطلقوا سراحه بعد ساعة تقريبا .

والذي يظهر أنهم ندموا على إطلاق سراحه فعاودوا الرجوع إلى البيت لاعتقال الأخ الآخر إلا أنهم لم يجدوه ، وهذه العائلة أصبحت تعيش حالة من الرعب والقلق واضطروا لمغادرة المنزل إلى مكان مجهول خشية البطش بهم .

وكالمعتاد فقد طبلت قناة العراقية لهذا الصيد الثمين ونشرت في اليوم التالي خبر مفاده : الشرطة العراقية في مركز الغزالية يلقي القبض على إرهابيين فلسطينيين وبحوزتهم أسلحة وذخائر ، إلا أن المعلومات المؤكدة التي وصلتنا أن هذه العائلة لا يملكون حتى سلاح شخصي ، فضلا عن أي أنواع أخرى من الأسلحة .

فمن يوقف هذه المهزلة بحق الفلسطينيين الآمنين المستضعفين ؟!! علما أن المنزل ملكيته عائدة لهذه العائلة الفلسطينية وهم يسكنون في هذه المنطقة منذ عام 1989. 

لبنان: بين سلاح المخيمات ودعوات التجنيس، يموت الإنسان بلا هوية!! 

رسالة أخرى وصلتني وفيها نقل لمأساة يصف فيها صحفي من مخيم عين الحلوة حالة فلسطيني، ومثله الكثيرون، بلا هوية أو مستقبل، لا هو ولا عائلته، انتقل للرفيق الأعلى وربما ارتاح، لكن ما مصير غيره من العوائل في ظل الدعوات الفلسطينية الرسمية لإنهاء ملف المخيمات، ومن المسؤول عن تسوية أوضاعهم، وما هو مصيرهم ووضعهم لسنوات غير قانوني، أسئلة كثيرة نترك لكم الإجابة عليها، وهاكم المأساة:

ابومحمد الشهيد الحي والشاهد على مأساة شعب

الجمعة 27\5\2005 مخيم عين الحلوة- كتب عصام الحلبي

 شوارع مخيم عين الحلوة كباقي شوارع وازقة المخيمات الفلسطينية تغص باللاجئين الذين خرجوا نصرةللقيم الدينية , نصرة للمصحف الشريف الذي دنسته ايدي وأقدام طغاة العصر وفراعنة الزمان " الامريكان ", في كل من معتقل " غونتينامو" في كوبا وفي مساجد العراق التي تقف بشموخ لتشهد علىمجازر وفظائع اكبر طغاة وبرابرة العصر , واثناء قيامي بواجبي الصحفي لتغطية هذا التحرك الشعبي الغاضب  نصرة للدين وقيمه السامية  استوقفني رجل مسن  , شعث الشعر , قد حفرت السنون على وجهه خطوط وتعابير دهرا سحيقا من المعاناة والقهر والظلم والتشرد واللجوء , استوقفني وقد علت على وجهه ابتسامة عريضة قائلا: مرحبا  أنت صحفي فلسطيني أنا اعرفك ومنذ مدة وانا اتردد في أن أتحدث اليك , واليوم حزمت أمري ولملمت كلماتي واستحضرت ألمي معي , وها أنا وكما تراني احمل " بكرج " مصب القهوة لاهثا وراء لقمة العيش , بعد أن كنت اقفز بين الوديان وعلى قمم الجبال من رام الله الى الكرامة الى جنوب لبنان وفتح لاند الى كل مواقع الشرف والبطولة والفداء في الثورة الفلسطينية.

وصلت كلماته الى مداركي وفعلت فعلها  ,اخذت اتنبا بما سيقوله لاحقا من كلمات وأنا ارقب المسيرة التي بدأت تمر من أمامي ,وانا أقرأ بعض العناوين والشعارات التي يرفعها الغاضبون المشاركون فيها , والتقطت بعض الصور لاطفال ومشايخ وشبان وهم يحملون لافتات ومصاحف مفتوحة وقد دلت تعابير وجهوهم على الغضب من فعلة الجنود والضباط " الامريكان " الشنيعة بتدنيس المصحف الشريف.

وما هي الا دقائق قليلة الا وعدت ثانية الى بائع القهوة شدتني كلماته وفضولي الصحفي , وفي لحظة اقترابي منه بادرته بالقول ها قد عدت واريد أن اسمع منك فأجاب ماذا تريد أن تسمع؟ كان الجواب مني ماالذي تخفيه هذه القسمات والتجاعيد المرسومة على وجههك من محطات تاريخية ,أو احداث هامة أو ربما مأساة تريد أن تفصح عنها ولكني الحظ في عينيك بريق التردد ممزوجا بالكبرياء والعنفوان  .. تنهد الرجل وقال اسمي أبو محمد – خضر عمر علي موسى من بلدة "عجلول" قضاء " رام الله " , التحقت بالثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها في العا م" 1965" وكنا يومها في الضفة  الغربية لانستطيع أن نمارس عملنا الفدائي بشكل علني لان السلطة الاردنية التي كانت  تمارس  الوصاية والحكم  على الضفة الغربية لاتسمح لنا بذلك وفي العام " 1967" احتلت عصابات الاحتلال الاسرائيلي  ما تبقى من فلسطين أي – الضفة الغربية وقطاع غزة الذي كان أيضا تحت الادارة المصرية –وبقيت أنا وكثير من الفدائيين داخل فلسطين نمارس عملنا المقاوم للاحتلال الاسرائيلي , و في اواخر العام " 1967" اعتقلت من قبل الاحتلال الاسرائيلي وخرجت من السجن في العام " 1969" والتحقت ثانية بالثورة الفلسطينية في الاردن , وكانت أحداث أيلول في العام "1970" وانتقلت الى سوريا فلبنان مثلي مثل كثيرين من ابناء شعبنا الفلسطيني والثورة الفلسطينية , وهنا تدخلت طالبا منه الاختصار لان هذه المراحل ان لم يكن فيها شيئا شخصيا ومميزا فهي معروفة ولاداعي لسردها , فوافقني الرأي , وعاد ثانية الى الكلام وقال : منذ العام " 1970" ولهذه اللحظة وأنا في لبنان وضمن نطاق الثورة الفلسطينية , وقد تنقلت في العديد من الفصائل الفلسطينية " فتح والصاعقة والقيادة العامة والمجلس الثوري  " ولكنني فتحاوي الهوى والمنشأ" الله يرحم رمزنا أبو عمار " قالها متنهدا.

سألته هل تزوجت وكونت عائلة , فأجاب بتنهيدة أكبر من سابقتها  نعم تزوجت وكونت عائلة وعندي "5 " من الاولاد , وهنا تكمن المأساة  , كان لدي جواز سفر أردني وقد انتهت صلاحيته منذ زمن طويل , ولم تجدده السلطات الاردنية وكلما حاولتتجديده يكون الرفض , أولادي لا أوراق ثبوتية لديهم ,أنا لااملكها أيضا , وبفقدان هذه الاوراق لا استطيع لا أنا لا أولادي من التحرك خارج المخيم أو العمل أو اكمال الدراسة الجامعية , أو حتى الزواج  لان جميع ما ذكرت بحاجةالى أوراق ثبوتية وهوية وغيره من المعاملات والاوراق.

أنا اليوم وكما تراني احمل هذا " المصب " المملؤ بالقهوة , وابيع القهوة في شوارع المخيم  يحثا عن لقمة العيش ولكي أتمكن من تربية أولادي, ولكن السؤال الى متى فغدا هناك استحقاقات وكما يقال أتية على لبنان, وهناك تنظيم او مباحثات من أجل تنظيم وجود اللاجئين الفلسطينين في لبنان لكن أنا ومئات العائلات مثلي ممن ليس لديهم أوراق ثبوتية وغير مسجلين في لبنان كلاجئين ما هو مصيرهم ؟ وما هو مصير اولادنا ؟  نحن اليوم في قلق على وجودنا ووجود أولادنا , قلقين على مستقبل اولادنا , صدقني لا يتوقف عقلي عن التفكير.... تصور أن تكون أنت واولادك في مهب الريح ..لا أوراق ثبوتية ولا حياة انسانية ولا اجتماعية ...

 وخاطبني " أبو محمد " بصوت الحزين ما قلته لك أمانة في عنقك أكتبه ,انشره  ليقرأه اهلنا في كل مكان وليقراه العرب لعلهم يجدوا حلا مؤقتا لنا يعيد بعض من انسانيتنا ويعيدنا الى ممارسة حياتنا الانسانية ووجودنا في انتظار العودة الى وطننا وارضنا التي لايمكن أن نتخلى عن ذرة تراب منها ولابد العودة قادمة وأن طال الزمان أو قصر ,  وفي نهاية حديثنا وعدته بنشر ما قال وحدثني به وصافحته مودعا وها أنا اكتب بكل أمانة ما قال أبو محمد .

 أبو محمد يغادر الحياة على قارعة الطريق

بين 27\5- و 19\6\2005  ايام قليلة ففي التاريخ الاول التقيت ابو محمد يبيع القهوة على قارعة شوارع وازقة عين الحلوة ونظراته الحزينة لاتغادره ورجفة يديه القابضة على " مصب القهوة " لاتتوقف ,  ابو محمد لايكاد يغادر الشوارع والازقة خالدا الى الراحة الا في ساعة متاخرة من الليل , بحثا وراء لقمة العيش , بعد أن كان يطارد العدو الصهيوني مثله مثل باقي ابناء جيله من الفدائيين ومن خلفهم من ابناء شعبنا الفلسطيني المنخرطين في العمل النضالي والوطني  , اليوم سقط ابو محمد مدويا فوق " اسفلت " ازقة مخيم عين الحلوة وتدحرج " بكرج " القهوة وافرغ كل ما فيه من قهوة قد اعدها ابو محمد ...... ومنذ اليوم سيفتقد عمال المخيم المستيقظون باكرا والذاهبون الى اعمالهم ابو محمد وقهوته و وكذلك سيفتقده زرافات الشبان اللاهون في الازقة عند المساء او العمال العائدون عصرا  من أعمالهم سيفتقدون  أبو محمد وقهوته .. الذي غادر الحياة الدنيا منتقلا الى جوار ربه وقد اضناه التعب وانهكه الضياع ... تاركا خلفه ابناء في عمر الورود لايملكون ما يدلل عليهم من أوراق ثبوتية .... او ما يضمن لهم حياة انسانية كريمة.

مرة أخرى متى يتباكى قادتنا الأبطال ولو بدموع التماسيح على شعبنا ومآسيه، بدلاً من التباكي على عذابات الآخرين؟

وللحديث بقية

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع