المصلحة الوطنية بين الإسمنت والانتخابات
بروفيسور عبد الستار قاسم
يلاحظ
المتتبع لبعض الأولويات على الساحة الفلسطينية أن هناك خللا مرعبا في الفكر
والسلوك السياسيين الفلسطينيين، وبالتحديد على مستوى الفصائل الفلسطينية.
للتوضيح، أقارن بين رد فعل الفصائل وبالذات فتح وحماس على طمس قضية تهريب
الإسمنت المصري للشركات الصهيونية التي تبني الجدار، ورد فعليهما على مسألة
إعادة الانتخابات في بعض المواقع.
قضية
تهريب الإسمنت قضية خطيرة جدا وترتقي إلى موضوع الخيانة العظمى. أناس
يتظاهرون ضد الاحتلال ويقتلون ويعتقلون وتضيع أراضيهم، وآخرون يترنمون على
أرباحهم التي يقبضونها لقاء بيع الوطن. أقر المجلس التشريعي وثائقيا أن
هناك تهريبا لهذه المادة الاستراتيجية لجهات صهيونية، ورفع عدد من
المواطنين الذين فقدوا أراضيهم قضية في محكمة بداية نابلس ضد المهربين.
ببساطة، يقوم المدعي العام السيد حسين أبو عاصي بإصدار قرار بعدم صلاحية
الدعوة. واضح أن السيد راعي العدل والقانون في الوطن متواطئ، وليته يرفع
ضدي قضية بتهمة تشويه صورته التي تشع التزاما وطنيا وحرصا على أمانة
الأداء.
ارتاحت
السلطة الفلسطينية تماما بإجراء المدعي العام العادل لأن بعض أركانها
متورطين، ولم تتحرك الفصائل ضد طمس القضية وتبرئة المهربين.
لكن
إذا نظرنا إلى مسألة الانتخابات فإننا نجد استنفارا من قبل الفصائل بخاصة
فتح وحماس، ونرى الأموال تتدفق بسخاء من أجل تحقيق الفوز. تريد السلطة
الفلسطينية أن تبقى صاحبة القرار والهيمنة، ولديها الاستعداد أن تقترف كل
الموبقات من أجل ذلك. تحركت من أجل إعادة الانتخابات المحلية في بعض
المواقع، بينما لو نظرنا إلى انتخابات الرئاسة فإنه كان من المفروض الإعلان
عن عدم أهلية أبو مازن للترشح بسبب التجاوزات التي قامت بها السلطة. وهنا
استنفرت حماس دفاعا عن حياضها.
من
الصعب أن يرى المراقب أن هذا الوطن المقدس يحصل على الاحترام المطلوب أو
العناية التي يتحدثون عنها في وسائل الإعلام. هنيئا للوطن بالتصريحات
العظيمة حول الوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية، وسحقا له أمام النوازع
الفصائلية التي تحطم آمال الناس وطموحاتهم وتعرض الأرض للضياع، بل للبيع في
سوق الفاجرين.
كفى
كذبا على هذا الشعب، وكفى مزايدات وترهات تستهلك منا الوقت والجهد والمال،
وتستنزف قوانا الذهنية والعاطفية وتأتي على تماسكنا المعنوي. لقد حولتم
الوطن إلى سوق للزعرنة، وإلى جحيم يدفع بالكثير من شبابه للهجرة والاغتراب.
كلكم تتحدثون عن الوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية وكلكم تكذبون.
اتقوا
الله يا عالم، واعلموا أن فوق كل ذي علم عليم، وفوق كل عظمة عظيم، واحذروا
حساب يوم الدين. هذا وطن فوق الفصائل وفوق المصالح الشخصية وفوق المساومات
والتسويات، وفوق كل الخونة السارقين المزورين.
شعبنا بعون الله سينتصر في النهاية، إنما عليكم ألا تدوسوا على دماء
الشهداء كيلا تبعث صرخاتهم في الأرض الحياة
|