بسم الله الرحمن الرحيم

09/06/2004

لك الله يا أشرف

تابعت كما تابع غيري قضية "أطفال الإيدز" في ليبيا وتداعياتها منذ عام 1999 وحتى النطق بالحكم في 07/05/2004 وكنت على رهان مع كل من تابع القضية مثلي أنها ستنحسر في النهاية في الطبيب الفلسطيني المتهم مع مجموعة أخرى من الأطباء والممرضات الليبيين والبلغار وأكاد أجزم أن هذا هو ما سيحدث خلال الأسابيع المقبلة بعد أن إنتهى الفصل الأول من هذه المهزلة!

أشرف الحجوج هو الحلقة الأضعف وهو الفلسطيني الذي "لا ظهر لو ولا دية" فبرغم كل الدلائل والقرائن التي أشار لها الخبراء (مونتانييه الفرنسي وكوليزي الإيطالي) من أن المرض بدأ في الإنتشار قبل أن يستكمل أشرف دراسته في كلية الطب (تم إعتقاله وهو تحت التمرين كطبيب إمتياز) وأستمر في الإنتشار بعد إعتقاله مع الآخرين، ورغم عجز الإدعاء عن تقديم أي دليل يدعم الإتهامات ورغم الإقرار بأن الإعترافات أخذت تحت التعذيب إلا أن القضية برمتها تحولت من قضية أمن قومي ومؤامرة من الموساد وال C I A  عام 2001 إلى قضية جنائية تفتقر لأبسط القواعد القانونية لتنتهي بتبرئة الأطباء الليبيين التسعة وكذلك الأطباء البلغار لتنحصر الإدانة في أشرف وخمس ممرضات بلغاريات.

أشرف لم يعره أحد أية إهتمام وبالكاد يذكر إسمه في وسائل الإعلام عند تناقل الخبر ولم يجد له وليا ولا نصيرا ف"سفارة فلسطين" طبقت المثل "أذن من طين وأذن من عجين" وكأن أشرف المسكين ليس إبن فلسطين بل والأسوأ من ذلك أنه في نفس الشهر الذي صدر فيه الحكم تحدثت مصادر فلسطينية عن مساع لتحسين العلاقات مع ليبيا بعد أن دفعت الأخيرة 5 ملايين دولار لسلام فياض خلال زيارته الأخيرة لطرابلس وضاعت قضية أشرف مع هذه الملايين ولاعجب فالوطن كله بالنسبة لهؤلاء "بيعة وشروة".

في المقابل قامت الدنيا ولم تقعد نصرة للبلغاريات فالخارجية الأمريكية تعلن رفضها للحكم والمفوضية الأوروبية تعبر عن قلقها ومنظمة العفو الدولية تستصرخ الضمير العالمي وكوفي عنان يرسل وفدا إلى طرابلس ووزير الخارجية البلغارية أيضا يحط الرحال في ليبيا "فزعة" للبلغاريات الخمس، ولكن أين أشرف من كل هذا؟؟

الوحيد الذي تكلم كان والد أشرف الذي تحدث بمرارة الظلم والقهر (بعد 33 عاما قضاها كمعلم ومربي في ليبيا لم تشفع له حتى بزيارة ولده) واصفا صنوف التعذيب التي تعرض لها إبنه والتي فاقت في همجيتها أي وصف وكذلك تحدثت أخته إيمان على صفحات الإنترنت سائلة المساعدة والعون ومعلنة أن عائلة الحجوج مضربة عن الطعام في منزلها الذي تعتصم فيه والذي يتعرض للإعتداءات اليومية من قبل الجموع الغاضبة والمضللة.

موقف ليبيا ليس بجديد فقد عودتنا دائما أن يكون كبش الفداء فلسطينيا والأمثلة كثيرة: ألم تنحصر قضية حزب التحرير في أواخر السبعينيات بالطبيب الفلسطيني ماجد القدسي الذي أعدم في المعتقل؟ ألم تتهم أجهزة الأمن الليبية أحد الفلسطينيين المرضى نفسيا بمحاولة إغتيال القذافي بتكليف من ال CIA  عن طريق شوقي أبو شعيرة وصلاح أبوحديد الفلسطينيان في إتحاد الطلبة في جامعة الفاتح/طرابلس؟ ألم يتهم المعيد في الجامعة المهندس الفلسطيني راتب ثابت بسرقة معامل الكلية رغم وجوده وقتها رهن التحقيق الجماعي تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية وقت وقوع السرقة وهو ما أدى إلى زهده في الدنيا ليقضي شهيدا في جنوب لبنان؟ ألم يدفع الفلسطيني عصام الناطور في مدينة مصراتة حياته ثمنا لتصرفات الأجهزة الأمنية التي قامت بإخلاء المنازل من ساكنيها لرميهم في الصحراء على الحدود الليبية المصرية عامي 95 و 96؟ الأمثلة كثيرة ولا حصر لها.

ليبيا ليست البلد الوحيد الذي يتبع هذه السياسة فالفلسطيني هو الهدف السهل أينما وجد خاصة في وجود "قيادة" فلسطينية فاسدة وعاجزة لاهم لها إلا مصالحها الشخصية وما تجنيه من إمتيازات وأموال من صفقات مشبوهة وسرقات وغيرها.

الفلسطيني لايعني تلك الفئة من قريب أو بعيد سواءا كان في منزله المدمر في رفح أو في المعتقل تحت التعذيب في طرابلس أو في أي مكان آخر. الأمر يختلف تماما لو أن أحد المسؤولين في هذا البلد أو ذاك أو في أحد المؤسسات أو الصحف تهجم على أحد "الرموز" البالية في تلك "القيادة" المهترأة وأعظم شاهد ما تعرضت له قناة الجزيرة بسبب برنامج ظهرت فيه صورة عرفات مع حذاء (برنامج حرب لبنان)! أما إذا تطاول أحدهم وتمادى فمصيره الضرب (كصحافيي غزة) أو القتل (رحم الله الشهيد ناجي العلي الذي دفع حياته ثمنا لكاريكاتير رشيدة مهران الشهير).

أشرف الحجوج يدفع ثمن العجز الفلسطيني ويدفع ثمن صمتنا وسكوتنا ويدفع ثمن لعبة سياسية قذرة هو ضحيتها لمجرد كونه فلسطيني لأنه وببساطة الأضعف.

أشرف لن يكون الأخير ومع كل صرخة ألم وشعور بالقهر يعانيه نأثم نحن جميعا دون إستثناء ولكل من يحاول القول أن أشرف مجرد فرد وقضيتنا أكبر وأشمل والتضحيات فيها واردة أقول أن فردا واحدا من هذه الأمة بل قطرة دم واحدة هي أغلى عند رب العزة من بيته الحرام وإن هدم حجرا حجر كما أخبرنا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

لك الله يا أشرف.

د.إبراهيم حمامي

طبيب وناشط فلسطيني مقيم في بريطانيا       DrHamami@Hotmail.com

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع