السياسة السحرية في فلسطين/ هشام القروي

 26/04/2004  00:05

 

ثمة في الموقف الفلسطيني المنادي بإلغاء منصب رئيس الوزراء والعودة الى النظام السابق، الذي يسيطر فيه ياسر عرفات على السلطة، كإجراء "انتقامي" من الولايات المتحدة واسرائيل في أعقاب اغتيال الدكتور الرنتيسي، قسط لا بأس به من السذاجة السياسية والصبيانية. فمهما كان الألم الذي سببه اغتيال زعماء فلسطينيين وهو مفهوم -، فهل هذا يبرر التراجع عن إنجاز سياسي، كان العالم كله يعتقد أن الفلسطينيين اختاروه بمحض ارادتهم وعن قناعة كاملة بفائدته؟ لقد حاولت أن أفهم ماالذي يعنيه بالضبط الغاء رئاسة الحكومة في هذه الظروف، وكيف يمكن أن يكون هذا الاجراء بحد ذاته انتقاما أو معاقبة لأمريكا واسرائيل. وأعترف أن المسألة بدت مستعصية على فهمي. ولم أجد أمامي، وأنا أقلبها من كل ناحية، سوى السؤال: هل هذا يمثل اعترافا فلسطينيا بأن منصب رئيس الحكومة استحدث ارضاء للولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل؟

كلنا نذكر طبعا كيف ضغط الامريكيون على الفلسطينيين لازاحة ياسر عرفات أو استبداله، بوصفه شخصا غير مرغوب فيه من طرف شارون. ولعل البعض نصح أصحاب القرار في السلطة الفلسطينية آنذاك بالخروج من هذا المأزق مع الادارة الامريكية، من خلال حل وسط، وهو: منصب رئيس حكومة، يتولى تسيير الاعمال اليومية، ولقاء من لا يروم لقاء عرفات من المسؤولين الامريكيين والاسرائيليين، في حين يبقى الزعيم الفلسطيني الكبير في مكانه. حدث هذا عندما كان أبو عمار محاصرا في مقاطعته، وهو لا يزال كذلك الى اليوم. وكما تفعل الاجهزة السياسية والدعائية عادة في البلدان العربية، قدمت السلطة الفلسطينية تبريرا معقولا تماما، وسياسيا تماما، للمنصب الجديد، ووضعته في اطار"تطوير المؤسسات الفلسطينية واصلاحها". وحين يكون انجاز ما تم من أجل هدف اصلاحي وديمقراطي، فهل يجوز فيما بعد التراجع عنه، وتبرير التراجع بما هو أقل كثيرا من تبرير "الاصلاح"؟ بعبارة أخرى، افترض أنك تريد أن تعيد لياسر عرفات كل صلاحياته (في حين لم يكن الرأي العام يعرف انها نزعت منه!)، نكاية بالامريكان والاسرائييليين، فهل كان ينبغي في نفس الوقت ضرب المؤسسة الحكومية التي كنت أتيت بها من أجل الاصلاح؟ يعني هل يعقل بالنسبة لادارة سياسية حديثة وعصرية وعقلانية أن تقول في الصباح شيئا وتتراجع عنه في المساء بمبرر غير عقلاني كالانتقام أو العقاب؟

نعلم أن هناك تعاطفا كبيرا مع أسرة الرنتيسي، فهذا أمر انساني، وكلنا ندين ما جرى، ولكن هل يعقل أن يتركز رد الفعل كله في هذا الموقف اللاعقلاني؟ فافرض أنك ألغيت منصب رئيس الوزراء، فكيف سيشعر جورج بوش أن هذا الموقف معاقبة له على مساندة شارون، وكيف سيشعر شارون بالمثل أن اعادة السيد أبي علاء الى بيته هو انتقام منه؟

لماذا لا نريد أن نرى الاشياء كما هي؟ لماذا نتصور أن العالم كله بانتظار أن نقوم بهذه الحركة أو تلك؟ والى متى هذا التعاطي "السحري" مع العالم السياسي؟ هل حقا كل ما يقدر عليه الشعب الفلسطيني هو اقالة أبي علاء انتقاما من شارون وبوش؟

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع