مسئول أمنى
يرتجف بين يدي الرنتيسي
د. فايز
صلاح أبو شمالة
رحمك الله يا
عبد العزيز الرنتيسي، حملت الأمانة برجولة، ورحت بهدوء وثقة تنبش في كثبان
المتغيرات عن الكرامة المفقودة، وعن أسباب عدم تحقيق أي تقدم يقهر
الإسرائيليين، ويزلزل كيانهم، ولما عثرت على طرف الخيط المنسي المهمل، وعلى
السر المدفون، جاءتك الطائرات الإسرائيلية، انقضت عليك، وحرمتك من استكمال
لذة الاكتشاف المبهر.
لقد اهتز
وجداني وأنا استمع إلى الحديث المسجل بين مسئول عن جهاز أمني في الضفة
الغربية، في ذلك الوقت، وبين المطلوب اعتقاله في ذلك الوقت أيضاً الدكتور
عبد العزيز الرنتيسي، كان الاتصال الهاتفي بمبادرة الرنتيسي، وبناءً على
طلب المسئول، وهو ما أعطى لحماس ـ على ما يبدو ـ فرصة تسجيل المكالمة،
والاحتفاظ بها.
قبل إجراء
الاتصال بدا المسئول شامخاً كجبل تتقاطر على رأسه السحب، ويفيض نبعه
بالحرية والوطن، كان اسمه في ذاك الحين جحافل النصر، وطلائع التحرير، ورأس
حربة في صدر العدو، فإذا به بعد الحديث الهاتفي مع الرنتيسي يتناثر كالعهن
المنفوش، ويغيض ماؤه، ويبح صوته، وراح يكشف عن الضعف أمام القوة، ويقر
بالخطأ أمام الصواب، ويعيب التنسيق أمام المقاومة، ويقدم وصفاً تبريري لما
حدث في مقر جهاز الأمن عشية اقتحامه من القوات الإسرائيلية في رام الله.
الصوت الذي
يقدمه موقع (فلسطين الحرة) هو صوت المسئول الأمني بلا أدنى شك، وتردد
الإصغاء المتجاوب هو للشهيد عبد العزيز الرنتيسى ولا شك في ذلك، والموضوع
المسجل من أوله حتى نهايته يحكي قصة مثول متهم طوعاً أمام محقق، والمتهم لا
يدافع إلا عن نفسه فقط، ويلقي التهمة على غيره، كان المسئول يبرر دوره
الشخصي، ويحمل نفسه المسئولية التنفيذية فقط عن اعتقال رجال حماس، وما أعقب
ذلك من أحداث، بما في ذلك اعتقالهم من قبل الإسرائيليين، لقد كرر المسئول
جملة: (أنا تنفيذي يا دكتور) أكثر من مرة: أنا تنفيذي يا دكتور عبد العزيز،
هناك قرار سياسي، ويكررها في دفاع مرتجف ضعيف، ويصف نفسه؛ قائلاً: أنا
مقدام، أنا ضابط، أنا تنفيذي، ويقسم وهو يتحدث همساً مع الرنتيسي عبر
الهاتف، يقسم بشرفه وعرضه، وعرض حريمه، في الدفاع عن نفسه، وفي الاتهام
الصريح للآخرين، ويغمز بأسماء معروفة، ويحملها المسئولة.
اعتمد المسئول
أسلوب التكرار، والإعادة في الحديث، وهذا يعكس خوف الرجل من المستقبل،
وشعوره عاجلاً أم آجلاً أنه سيقف أمام شعب يحاسب، لذا ردد كثيراً: أنا لا
أبرر موقفي، أتحمل مسئولية كالآخرين، ولكن ليس كل المسئولية، مسئوليتي
تنفيذية، ويعترف أن لا حبس له شخصياً، وإنما القرار السياسي هو المسئول.
المسئول
الأمني يتهم الآخرين بالتآمر عليه، وتشويه صورته عند حماس، فهل يعنى ذلك أن
الرجل يعترف بأن حماس أكثر عدلاً وإنصافاً من الآخرين، ومن هم أولئك
الآخرون الذين يقصدهم المسئول؟ وما هو موقفهم، وردة فعلهم من اتهام زميلهم
لهم، وما هو موقعهم من القرار السياسي في تلك الفترة؟ لقد صار لزاماً على
كل اسم ذكره ذلك المسئول أن يدافع عن نفسه أمام شعب بات يشرف على كل ما
جرى، ويطل من النافذة على كل ما يقال.
إن اعتراف
المسئول الأمني الفلسطيني يستدعي من ذاكرة الوطن عشرات التساؤلات التي تزيح
الإجابة عنها زبداً غطى رأس جبل جليدي من الأحداث في السنوات السابقة!!
أخيراً، لماذا
اليوم يا حماس، ماذا تهدف الجهة التي بثت التسجيل في هذه المرحلة من وراء
ذلك، وهل ظل في المسئول آنف الذكور دم لينزف، أم المقصود هم الآخرون؟
رحم الله
الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، ستظل لعنته تطارد أعداءه بعد الشهادة، إنه
يرفع بطرف عصا الكرامة ـ من بعيد ـ ما ظل يستر عوراتهم.
|