إن لم تستح فاصنع ما شئت

د.إبراهيم حمّامي- 31/10/2005
أبرزت وسائل الإعلام العبرية اليوم تصريحات الجنرال نصر يوسف التي أدان فيها الجانب الفلسطيني حيث قال: " بأن وزارة الداخلية تعمل بصورة حثيثة على منع اطلاق الصواريخ باتجاه الاهداف
الاسرائيلية التي لا مبرر لها، وانها نشرت قوات كبيرة على حدود قطاع غزة بغية تحقيق هذا "، لكن يا حزركم في أي مناسبة أطلق تلك التصريحات البطولية؟ دون طول عناء وتفكير إليكم الإجابة: على "حفل إفطار" أقامه موشي كتساف رئيس الدولة العبرية، وفي أي وقت وزمان؟ في الوقت الذي كانت فيه قوات الإحتلال تقتحم وتجتاح عدة مدن وبلدات في الضفة الغربية، وتعتقل العشرات من أبناء شعبنا، وتنشر المدفعية على حدود قطاع غزة تحت قصف الطائرات، وتديداً يوم الأحد 30/10/2005!

لم يشر "سيادة الوزير" من قريب أو من بعيد لممارسات الإحتلال، ولم يمنعه سقوط الشهداء والجرحى، واكتظاظ المعتقلات بالمزيد من المعتقلين والأسرى، لم يمنعه كل ذلك من حضور الحفل البهيج في الشهر الفضيل، وهو ما أدخل البهجة والسرور على مضيفه كتساف الذي أعرب عن سروره لحضور "وزير الداخلية الفلسطيني"، كيف لا وقد تجاهل "الوزير" شعبه ومعاناته وجلس يضحك ويتبادل النكات والمجاملات، وأمام العدسات، ألا يستحق ذلك سرور وبهجة مضيفه؟

لقد وصل الأمر بهؤلاء لمستوى من اللاأخلاق لا يمكن وصفه، ورغم أنني كتبت أكثر من مرة فاضحاً نهج حماية الإحتلال والتحول التدريجي لقوات لحد فلسطينية، وهو ما كان سبباً في الحملة المنظمة ضد ما أكتب في محاولة يائسة لتكميم الأفواه وممارسة الإرهاب الفكري والنفسي، مروراً بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة، إلا أنني أعترف أنه رغم كل ما كتبت، لم أتوقع أن يصل بهم الأمر لدرجة من اللاحياء واللا خجل ليصبح جل همهم ليل نهار تجريم شعبنا وإدانة صموده وإرادته، وتبرير ممارسات الإحتلال في اختلاق الأكاذيب وترويج الشائعات، وإصدار البيانات سابقة الإعداد بمناسبة وبدون مناسبة، وبث روح الفتنة والشقاق، وإطلاق يد الزعران في مدن وقرى وبلدات ومخيمات وطننا الحبيب.

كل ذلك يتم باسم المصلحة الوطنية العليا، وسيادة القانون، والشرعية، وفي ظل حماية رسمية من مؤسسة "الرئاسة" التي رفضت مراراً ولازالت ترفض أي تغيير أو تبديل في تشكيلة أشباه الرجال، وفي ظل تواطؤ مقصود أو غير مقصود من "التشريعي" الذي يمارس لعبة القط والفأر مع مؤسسة الرئاسة لتعطيل أي تغيير أو تبديل، وفي ظل صمت الفصائل والأحزاب والقوى الفلسطينية على تلك الممارسات التي بدأت تأخذ شكلاً غير مسبوق من الارتماء في أحضان الإحتلال، والتباري في كسب وده، وتطبيق أوامره.

لست أكتب معترضاً على لقاء بين الأديان، أو حفلات إجتماعية للتقريب بين المجتمعات، لكن التوقيت والزمان والمناسبة والحضور وما يجري على الأرض، يجعل مما جرى إستخفافاً واستهتاراً بالشعب الفلسطيني برمته، من قِبَل من يُفترض أن يمثلوه، ويكفي أن نعرف أنه في تلك الأمسية والليلة بالذات أقامت قوات الإحتلال حاجزا طيارا على مفرق بلدة بلعا شرقي مدينة طولكرم حيث احتجز جنود الإحتلال عشرات المواطنين و اعاقوا حوالي 50 مركبة ومعوها من دخول البلدة وقاموا بتوجيه الشتائم لهم، وفي نفس اليوم جرح 9 مواطنين في مدينة الخليل على أيدي جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، وفي نفس اليوم تم إخطار الجانب الفلسطيني بإغلاق شارع قلقيلية نابلس، وفي نفس اليوم تم إغتيال جهاد زكارنة وارشيد كميل في قباطية بدم بارد وفي نفس اليوم أصدر الكاتب هاني المصري مدير عام مركز بدائل للإعلام والأبحاث، وتفعلاً مع ما يجري في مدينة نابلس بياناً قال فيه اذا لم تقم السلطة بواجبها في توفير الامن فعليها ان ترحل، وفي نفس الأسبوع تم اعتقال 120 مواطن فلسطيني، وفي نفس الأسبوع أعلن موفاز عن رأيه بالجيل الفلسطيني الحالي، وأعلن الإحتلال عن وقف كافة الإتصالات مع "السلطة الفلسطينية" والغاء اللقاء بين عبّاس وشارون، كل ذلك لم يسمع به الجنرال نصر يوسف، أو لنكون أكثر صراحة سمع به وأكثر، لكنه لا يرى إلا بعيون مضيفه، ولا يدين إلا من يكون "وزيراً لداخليتهم"!

هذه هي "قياداتنا" الوطنية ذات التاريخ النضالي يا سادة، وهؤلاء هم الحريصون على شعبنا، والساهرون على أمنه، ولم يتبق سوى سؤال واحد: ما هو رد الإحتلال على أي عمل يمس المحتلين؟ أليس قطع الاتصالات، والغاء الاجتماعات الرسمية، وتوجيه الاهانات لكل ما اسمه فلسطيني، حتى وإن كان رسمياً ومعد سلفاً؟ أما بواسلنا الأشاوس فبطونهم وجيوبهم ومصالحهم تسبق عقولهم!

صدق من قال إن لم تستح فاصنع ما شئت.

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع