د.خالد يونس الخالدي
أستاذ التاريخ المشارك-الجامعة الإسلامية-غزة
2-رمضان-1426هـ/5-10-2005م
كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات القادة اليهود والأمريكان التي تحرض السلطة
على ضرب الفصائل الفلسطينية المجاهدة وتطالبها بنزع سلاحها. ولا يُستغرب
ذلك من هؤلاء لأنهم أعداء، ومصلحتهم وأمنهم وبقاء احتلالهم لأرضنا لا يتحقق
إلا إذا جُرِّد المجاهدون من أسلحتهم.
لكن ما يثير العجب والاستهجان هو أن نسمع ونرى فلسطينيين- ويتولون مناصب
وزارية وأمنية وإعلامية مهمة في السلطة ويحمل بعضهم رتباً عسكرية
عالية-يطالبون بنزع سلاح المجاهدين ويهددون بنزعه بالقوة " ولو أدى ذلك إلى
حرب أهلية وصارت الدماء إلى الُّركب" على حد قول أحد كبرائهم؛ وهم يسخِّرون
كل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التابعة لهم لإقناع الجماهير بأن
سلاح المقاومة شر عليهم وعلى الوطن ولا بد من نزعه، ولتحقيق ذلك نراهم لا
يتورعون عن الكذب والتلفيق والتزوير واختلاق الأخبار والتآمر على المجاهدين
والوقوف في معسكر العدو وتبرئته وكيل الاتهامات الباطلة والخطيرة لأبناء
شعبهم أمام الكاميرات ووسائل الإعلام العربية والعالمية غير مبالين بما سوف
يحققه هذا التصرف من سمعة سيئة للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة.
وهنا أتساءل:
لمصلحة من يريد هؤلاء أن يجردوا المجاهدين الشرفاء من أسلحتهم التي كان لها
الفضل الأول بعد الله سبحانه وتعالى في طرد اليهود من غزة؟!
ألا يدرك هؤلاء المصائب والهزائم التي حلت بفلسطين والأمة نتيجة لاستجابة
حكام العرب سنة 1948م لأوامر الأعداء بنزع سلاح الشعب الفلسطيني وإبعاد
أصحاب الأرض عن ساحة المعركة، وإدخال الجيوش الرسمية إلى الميدان لتخوض
حرباً تمثيلية بأسلحة فاسدة وتحت قيادة بريطانيا وعملائها الصغار؟!
ألا يدركون كيف هيأت يريطانيا فلسطين للسقوط في أيدي اليهود أثناء احتلالها
لها من خلال نزع سلاح الشعب الفلسطيني وجعل السلاح فقط في أيدي اليهود مما
جعل أهلنا لا يملكون إلا الهرب من قراهم؟!
ألم يروا كيف جردوا العراق من أسلحته المؤثرة بحجج واهية وقرارات دولية ثم
احتلوه وأشاعوا فيه القتل والدمار والفوضى؟!
ألم يعلموا أن نحو 99% من أرض فلسطين ما زال في قبضة العدو، وأن غزة ما
زالت ناقصة التحرير لأن سماءها وبحرها وحدودها ما زال تحت تصرفهم؟! وأن
الحاجة إلى سلاح المجاهدين ما زالت ماسة؟
ألم يروا أن السلاح الوحيد الذي كان يتصدى لاجتياحات اليهود الواسعة
والمتكررة هو سلاح المقاومة، وأن السلاح الذي يعدونه شرعياً ولا يريدون
غيره كان أصحابه الرسميون يغادرون مواقعهم مسبقاً حسب الأوامر الصادرة لهم
من قياداتهم؟
ألم يروا كيف كان هذا السلاح يحفظ دورهم وأعراضهم وينتقم من اليهود الذين
كانوا كثيراً ما يقتلون بدم بارد أفراد الشرطة المساكين الذين يقفون-حسب
الأوامر- في المواقع الحدودية لحراسة الحدود لهم، متجاوزين العهود
والاتفاقيات كعادة اليهود في كل زمان؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي أُطلق على الناس في المظاهرات
وحصد منهم العشرات مثلما حصل في مجزرة مسجد فلسطين بغزة سنة 1994م، أم
السلاح الذي استخدم لتحرير الأرض المغتصبة ودافع عن الناس من تغول اليهود
وتوغلاتهم، واستشهد حاملوه وهم في ميادين الشرف ؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي ساق حاملوه المجاهدين وقادتهم
الكبار أمثال الرنتيسي والمقادمة والزهار وبحر والغول والضيف قبل بضع سنين
إلى السجون وساموهم سوء العذاب إرضاء للأعداء ودفاعاً عنهم، أم السلاح الذي
استخدمه الأبطال والأشبال-أمثال محمد فرحات ومسلمة الأعرج ومحمود العابد-
في اقتحام المستوطنات فقتلوا من الأعداء العشرات؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي دخل بإذن وترخيص من الاحتلال،
وكدعم من أمريكا وأصدقاء اليهود، ولم يُرَ وقت الحاجة الماسة إليه أثناء
الاجتياحات، وظهرت دباباته المدرعة فجأة قبل نحو شهرين لتطلق مدافعها على
أبناء حي الزيتون، فيلاحقها الأطفال ويشعلون فيها النيران، أم السلاح الذي
باع المجاهدون أغلى ما يملكونه من أجل شرائه، وأسهم في ثمنه شرفاء الأمة من
خلال تبرعاتهم القليلة التي يرسلونها، ويبذل الأعداء قصارى جهدهم لتخليص
المجاهدين منه؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي حمله الرسميون في دوريات مشتركة
مع العدو، أم السلاح الذي طالما أُطلق على دوريات العدو ودباباته الحصينة
وقطَّعها هي وجنودها، فأسقط سمعة الميركافا، التي كان اليهود يفاخرون بها،
ويصدرونها بأسعار باهظة؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو سلاح بعض الأجهزة الأمنية التي تستخدمه
لابتزاز أموال الناس وقتلهم وترويعهم وقطع الطرق، أم سلاح المجاهدين النظيف
الذي لم يطلق إلا على صدور الأعداء، ولا يحمله إلا الأتقياء العقلاء
الشرفاء؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي يستخدمه حاملوه لحل مشكلاتهم
الشخصية، أو للتباهي في الأعراس، وينفقون على رصاصه الذي يطلق سدى في
الهواء الأموال الطائلة، أم سلاح المجاهدين الذين صدرت لهم الأوامر بألا
يطلقوا رصاصة واحدة إلا في ميادين القتال أو التدريب، ونراهم يلتزمون بذلك
فلا يطلقونه حتى في جنائز كبار قادتهم عندما يستشهدون؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي يستخدم لأخذ الثأر بشكل عشوائي
فيسبب مزيداً من القتل والفتن، أم السلاح الذي لم يستخدمه المجاهدون حتى
للانتقام من الظالمين الذين عذبوهم ظلماً وعدواناً وتنفيذاً لأوامر
الاحتلال، وذلك حكمة وتعقلاً ومنعاً لفتنة داخلية تسرُّ الأعداء وتشغل عن
جهاد اليهود؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي قتل خيرة أبناء الشعب الفلسطيني
أمثال محي الدين الشريف وعادل عوض الله الذين دوخوا الأعداء وأعجزوا أجهزته
الأمنية، أم السلاح الذي استشهد أصحابه وورثه الشرفاء عن الشرفاء؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح المعدود من اليهود على حامليه،
والمعروفة لهم أرقامه، والمرخص و المشرك من قبلهم أحياناً، والذي كثيراً ما
انفجر بحامليه من أبنائنا فقتلهم، أم السلاح الأمين الذي سلمه الأمناء إلى
الأمناء، والسلاح المصنع لأول مرة في التاريخ الفلسطيني بعقول فلسطينية
جادة مخلصة مبدعة قهرت كل الصعوبات وقلة الإمكانات؟!
هل السلاح الذي يستحق النزع هو السلاح الذي أقام حاملوه الحواجز للمجاهدين
واعتقلوهم وسلموهم لليهود، أم سلاح المجاهدين الذي رفع رأس الأمة، وحرك
مشاعر أبنائها في كل مكان، وحببهم في الجهاد، وجعل فلسطين حية في قلوبهم،
يتعاطفون معها، ويدعون لأهلها، ويدعمونهم بأموالهم، ويقلدونهم عندما تحتل
أرضهم، فيرفعون راية الجهاد الإسلامية الواضحة مثلما حدث في العراق، حيث
رفعت راية التوحيد منذ اليوم الأول الذي احتل فيه العراق؟!
إن الإجابة الموضوعية على هذه الأسئلة تبين أن السلاح الوحيد الذي يجب أن
يحترم ويقدر ويدعم ويحافظ عليه هو سلاح المجاهدين، فلتتوقف الحملة
الإعلامية الشرسة التي يشنها الإعلام الفلسطيني الرسمي على المجاهدين
وأسلحتهم، لأنها لن تفضح إلا القائمين عليها، ولتُعصى أوامر اليهود
والأمريكان، ولتُلغى خطط نزع سلاح المجاهدين، وليعلم المتآمرون على هذا
السلاح النظيف الشريف أنهم سيفشلون، ولن يجنوا إلا اللعنات في الحياة وفي
الممات، وليوقنوا أن أبناء الطائفة المنصورة في فلسطين سيظلون على الحق
ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله
وهم كذلك، مثلما بشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
|