اريحا من البحر الى النهر

بقلم:العميد منذر ارشيد




نعم هكذا كان الحديث بعد اتفاق اوسلو حول اريحا التي كانت اولا هي وغزة


قالوا لنا اريحا من البحر الميت حتى نهر الاردن بمعنى كل شبر فيها سيكون خاضعا لسيطرة السلطة الفلسطينية ,وكم فرحنا حيث سيكون بامكاننا الجلوس على شواطيء بحرنا الميت اصلا ونتلذذ باكل خيراته من السمك البوري والسلطان ابراهيم والسلطانه ام ابراهيم !!!! ويعوضنا عن بحر حيفا ويافا المقفر الموحش الذي لا حياة فيه لمن تنادي !!!,ولكننا فوجئنا بالكثير الكثير من المغالطات والخطايا التي ارتكبها المفاوض دون التأكيد على ابسط الحقوق التي لا تتجاوز الحد الادنى لاتفاق رعته دول عظمى في قضية تاريخية كقضية الشعب الفلسطيني

لا ادري ما هو الشعور الذي ينتابني عندما تذكر كلمة اريحا !!!! اريحا.... تلك المدينة التي دخلناها اول يوم بعد اوسلوا ,ولا ادري هل هو الشعور بالحب الكبير الذي ضمني بين احضانه من خلال اهل اريحا السمر الذين لوحت بشرتهم حرارة شمسها اللاهبة في صيف كان من اجمل الفصول التي رأتها تلك المدينة الوادعة وهي ترى لاول مرة ابناء منظمة التحرير والمقاتلين يفترشون ارضها في اهزوجة العودة التاريخية


وما اعاد لي الذكرىرؤيتي لقائد الامن الوطني وهو يتحدث عبر الجزيرة عن فشل اجتماع مع الجانب الاسرائيلي حول تسلم اريحا للفلسطينيين ؛؛؛؛؛
ضحكت ودمعت عيني حزنا وانا ارى التاريخ يعيد نفسه وانا اتذكر نفس الشخص الذي كان مسؤولي المباشر في اريحا حيث تسلمت مسؤلية بلدية اريحا كاول مسؤول عسكري لظروف استثنائية او طارئه كما هو معروف , نعم ارى اللواء الحاج اسماعيل واتذكر حادثة حدثت قبل عشر سنوات وكان ثاني ايام عيد الاضحى في عام 94 ارسل بطلبي وقال لي بالحرف الواحد: ( انت نايم على اذنيك ومش داري بالي بيحصل )؟ فقلت له : ما هو الموضوع ؟ فقال: المستوطنيين استولوا على الكنيس ووضعوا كرفانات وسكنوا هناك ورفعوا العلم الاسرائيلي على منطقة سيادة لنا


للتوضيح :( الكنيس هو بيت صغير في قلب اريحا تم الاستيلاء عليه بعد اتفاق اوسلوا من قبل الاسرائييلين مدعين انه كنيس مقدس وقد تم وضع ملحق في اتفاق اوسلوا وفي طابا بالتحديد على انه مكان يسمح للاسرائيليين زيارته تحت اشراف السلطة الفلسطينية ,) الحقيقة لم اتفاجاء لما قاله الاخ الحاج اسماعيل حيث اني كنت مشغولا بالف قصة وقصة في مشاكل متراكمة وكانت اريحا تعج بعشرات الآلاف من المواطنين من جميع انحاء الوطن بمناسبة العيدين عيد الاضحى وعيد الفرحة بوصول اخوانهم وابنائهم في السلطة الجديدة والعتيدة


طلب مني القائد ان اتوجه لاجتماع مع الجانب الاسرائيلي في حاجز عقبة جبر (الارتباط الفلسطيني الاسرائيلي ) وبالفعل توجهت حيث كان قد سبقني اثنان من الاخوة احدهم اعلى رتبة مني مندوبا عن القيادة , وكان الحديث قد بداء ووجدت الحوار يدور حول نقطة وهي العلم الاسرائيلي , وكأن مشكلتنا كانت العلم فقط , الحقيقة اني ذهلت وقلت : ممكن اتحدث : فقال االمسؤول الاسرائيلي نعم تفضل : فقلت : الموضوع ليس تضعوا علم او تنزعوا العلم : فقال ايش الموضوع اللي عندك ؟ فقلت : باختصار احملوا علمكم ومستوطنيكم وغادروا المكان , فقال مستهزئا بدنا نعرف مين المسؤول انت ولا سيادة العميد ؟ فقلت له انا مسؤول عن مدينة اريحا واسالك سؤآل : هل تعترف ان المنطقة هي تحت السيادة الفلسطينية وحسب الاتفاق معكم ام لا ؟ فقال : نعم بالتأكيد فقلت له : ممتاز جدا ولماذا هذا لجدل البيزنطي ؟ اليس هناك بند في ملحق الاتفاق يقول كذا وكذا ؟ فقال: صحيح لكن هذا مكان مقدس , فقلت له مقدس !!! ايش يعني الهيكل !! فقال بطريقة تنم عن السخرية : ممكن يكون اهم بالنسبة للمستوطنين فقلت للاخ المسؤول معي : قوم يا اخ يظهر ما في فائدة من الكلام معهم , طبعا لم يستجب لانه كان اعلى مني وبقي متمسمرا في مكانه وعدت الى الحاج اسماعيل وابلغته بالموضوع , الحقيقة وللتاريخ اقول : انه استاء استياء شديدا وقال يعني بدهم يحطوا مسمار جحا عندنا فقلت له : لا مسمار جحا ولا غيره هذه داخل حدود البلدية وضمن صلاحياتي ام لا فقال : نعم فقلت له : اذا ساتصرف وانهي المشكلة على طريقتي فقال : معك كل الحرية , فقلت له : فقط اريد منك عدد من الاخوة الجنود والضباط فقال :خذ من تريد وبالفعل ذهبت ومي خمسة عشر عنصرا وضابطا وتوجهنا الى المكان وبالفعل كان منظرا رهيبا (اكثر من مائه وخمسين مستوطن مسلحين وفي رقص ومرح اعتقد انه كان عيد المساخر وهو من اعيادهم الخاصة حيث كان احدهم يرسم صورة للرئيس الراحل ابا عمار على مؤخرة زميل له بطريقة مقرفة ومقززة مما اثارني والاخوة معي


وعبر جهاز مكبر للصوت تحدثت معهم وكان من يترجم كل كلمة , شرحت لهم بانهم يرتكبون مخالفة صارخة لاتفاق اوسلوا وتحدثت بشكل عقلاني عن خطورة بقائهم بالمكان وبهذا الشكل الاستفزازي واعطيتهم مهلة نصف ساعة والا سنضطر لاخراجهم بالقوة ومهما كلف الامر , لقد حدث سيناريوا غريب عجيب يحتاج الى صفحات ولكن ساختصر الموضوع حيث التفاصيل كثيرة وذهلة ارتأيت وضعها ضمن كتابي الذي اكتبه تحت عنوان (نقطة بيضاء على اللوح الاسود )


في بداية الامر تم تطويقنا من قبل قوات الجيش , ثم حضر الحاج اسماعيل ومعة قائد اسرائيلي وطلب مني الحاج انهاء الازمة وعدم استخدام القوة , الا انني اصررت على موقفي الى النهاية وقلت له لن اسمح لنفسي ان اكون مسؤولا وارى هذه المهزلة


وبالفعل وبعد مدة قصيرة انسحب الجيش وذهل المستوطنون من الامر وهبطت معنوياتهم وقام احدهم بنزع العلم ولفة بحجر ورماه باتجاهي بطريقة ازعجت زملائه مما جعل بعضهم ينهالوا عليه ضربا وكانت فرصة لنا بعد ان اشتبكوا مع بعضهم بان ندخل المكان واجبرناهم على حمل امتعتهم وركبوا سياراتهم وشاحناتهم غادروا المكان , والقصة معروفة لكل من يتذكر وخاصة انها اخذت بعدا سياسيا في الكنيست


حيث صرخ بعض اعضائه حينها بالغاء الاتفاق وقال احدهم فاليحمل عرفات جرذانه وليرحل من هنا ,ولم تحل المشكلة الا بعد زيارة قام بها بعض اعضاء الكنيست من الحمائم بمهمة تقصي الحقائق وخرجوا ببيان ادانوا خلاله تصرف المستوطنين


الحقيقة وانا انظر اليوم وبعد عشر سنوات من تسلم اريحا وانا ارى الجدل البيزنطي يعود مرة أخرى وبطريقة مهينة وخاصة وانا ارى محافظ اريحا وهو يقول عبر الجزيرة


ان الاسرائيليين يراوغون ويكذبون لانهم لا يريدون تطبيق الاتفاقات وهم باختصار لا يريدون السلام ,ولا ادري ما دام سيادته مقتنع بهذا لماذا يضع وردة صفراء على ياقة قميصه , هل هو فرح لهذه الدرجة !!!


واكثر ما اثارني وانا ارى الحاج اسماعيل وهو يعلل عدم موافقة تنفيذ الانسحاب من قبل الاسرائيلين لانهم لم يأخذوا تعليمات بهذا الخصوص !!! واسأل هنا لماذا اذا الاجتماع ؟ وكيف يكون الحال لو لم يكن هناك اتفاق !!!!


اقول هنا : ان السلطة امام موقف في غاية الصعوبه لا بل في غاية الخطورة


واذا كان الجانب الاسرائلي يطلب من الجانب الفلسطيني هذا الكم من المطالب وهو يصر على تنفيذها حرفيا فكيف يكون هذا الامر والجانب الاسرائيلي لا يعطي اي ارضية لتقف السلطة عليها وتنطلق فيما يتطلب منها


اليس ما تقوله القوى المعارضة حماس والجهاد وحتى الكتائب صحيح ان اسرائيل هي من ترفض السلام !!! وهل يحق لمحافظ اريحا ان يقول هذا متى يشاء ولا يحق لغيره ان يقول هذا !!! ام انه لو تسلم اريحا سيكون له رأي غير هذا وسيضع زنبقة سوداء حزنا على باقي المدن التي لن تسلم !!!
لا ادري ما اقول وانا أخذت عهدا على نفسي ان لا اتطرق الى الوضع السياسي ملتزما الاختصاص بالوضع الداخلي لاترك لاصحاب الاقلام الخوض في الامور السياسية فهم اعرف مني بدهاليز السياسة المقرفة ولكن البحصة يجب ان تخرج واقول : اننا نلعب في الوقت الضائع من تاريخ قضيتنا
فالاسرائيلي الذي يقعد على قلبنا وهو مرتاح جدا لماذا يقوم !!!


لماذا يقوم وتحته وسادة مريحة من البلداء المسوفين ومن البكائين والمترفين لماذا يعطي وهو يرى من يرحب به ويشد على يده مسرورا حتى في اسواء الظروف ,لماذا يعطينا شيء وهو كل ما اعطانا لقمة لا ينتظر حتى نبتلعها بل يدخل اصابعه في حلوقنا وينتزعها لمجرد انه يرى شيء من الفرح ظهر على اساريرنا


وأخيرا اقول ورغم كل شيء نحن نأمل ان نرى انسحابا اسرائيليا من كل المدن والقرى ونرى شعبنا يستعيد انفاسه بكرامة وشرف وسنعترف اننا كنا مخطئين!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

العميد منذر ارشيد

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع