خطوة على طريق
تفكيك "حماس" ودرس لأنصار القدومي
اغتيال عرفات يمهد
لإطاحة محمود عباس
شاكر الجوهري-8/9/2005
هل يكون اغتيال اللواء موسى
عرفات مدخلا, وخطوة على طريق اتخاذ السلطة الفلسطينية قرارا بنزع اسلحة
حركة "حماس"وعموم فصائل المقاومة الفلسطينية..؟
لعلها سخرية
الأقدار هي التي تدعو لطرح مثل هذا السؤال, ذلك أن لموسى عرفات سجلا كبيرا
في مواجهة حركة "حماس", لا يقتصر على اعتقال قادتها وكوادرها وأعضائها,
وتعذيبهم بوحشية, وقص ذقونهم, بل تجاوز ذلك الى اتهامه من قبل "حماس"
بالضلوع في اغتيال المهندس يحيى عياش, أحد أبرز قادتها العسكريين.
اسرائيل كانت
أول من أشار الى دور مزعوم لحركة "حماس" في قتل عرفات, لأن مثل هذا الإتهام
من شأنه أن يسرع في السيناريو المرتقب, الذي يقود السلطة الفلسطينية الى
اتخاذ قرار بنزع اسلحة حركة المقاومة الإسلامية.
وهو القرار
الذي من شأن تنفيذه أن يساعد على تصفية الحركة وخطر وجودها.
لا جدال في
أن موسى عرفات كان خصما عنيدا لحركة "حماس" غير أنه ليس للحركة الإسلامية
أية مصلحة في غيابه, خاصة في هذا التوقيت.
الخبراء في
الشأن الفلسطيني يؤكدون أن "حماس" تقيم علاقات تحالف مع عدد من الفصائل
الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة, خاصة مع لجان المقاومة الشعبية، التي
اغتالت موسى عرفات, دون أن يعني ذلك بحال أن اللجان تتلقى تعليماتها من
"حماس" أو أنها تستشيرها بشكل مسبق في القرارات التي تتخذها.
تشكلت لجان
المقاومة الشعبية في قطاع غزة مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الحالية, من
أعضاء كانوا ينتمون سابقا لفصائل أخرى، خاصة حركة "فتح" والجبهة الشعبية.
ولئن كان أعضاء اللجان ىىى, فإن ذلك لا ينفي وجود تباينات سياسية فيما
بينهم تسمح ببروز ثلاثة خطوط داخل اللجان يتولى قيادتها جمال أبو سمهدانة,
وهو فتحاوي سابق, ويقود الجناح الأكبر والأقوى في اللجان, وهو الجناح الذي
نفى مسؤولية اللجان عن اغتيال عرفات في وقت متأخر من الليلة قبل الماضية.
الجناح
الثاني يقوده ممتاز دغمش, وهو عضو سابق في حركة "حماس"، لكنه ضابط في الأمن
الوقائي برتبة ملازم أول. وهو الجناح الذي نفذ اغتيال عرفات. ويعتبر
أبوعبير, أحد ناطقين باسم اللجان, أقرب الى دغمش.
أما الجناح
الثالث فيقوده أبو يوسف القوقا, وهو أيضا ذا خلفية فتحاوية، لكنه أقرب إلى
دغمش ومتحالف معه.
وتقدم "
حماس" دعما ماليا لأجنحة اللجان الثلاث, ونفذت العديد من العمليات العسكرية
المشتركة معها.
غير أنه لا
مصلحة البتة لحركة المقاومة الإسلامية باغتيال عرفات, خاصة في التوقيت
الحالي, وذلك لسببين رئيسين:
الأول: ادراك
"حماس" أن اغتيال عرفات يفتح الباب لاتخاذ قرار بتصفيتها هي. ذلك أن تصفية
"حماس" تتطلب توحد الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية على موقف سياسي واحد.
وقد ظل موسى عرفات يمثل حجر عثرة أمام تحقيق هذا الهدف, من خلال استمرار
ولاء رجاله في الإستخبارات العسكرية, والتي اسسها وظل يقودها الى ما قبل
بضعة أشهر، له.
صحيح
أن عرفات كان شرسا في ملاحقة "حماس" في السابق, لكنه أدرك مؤخرا أن تصفية
"حماس" اصبحت تعني تكريس سيطرة
خصمه الأساسي العقيد محمد دحلان.
"حماس"
تدرك هي الأخرى هذه الحقيقة وأن اغتيال عرفات من شأنه تكريس سيطرة دحلان
على مجموع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة, وهذا يشكل خطوة ضرورية للإنقضاض
عليها.
وهذا ما يبدو
أنه حادث الآن, لكن الأمر يستدعي أولا تصفية الطرف الذي نفذا الإغتيال
(لجان المقاومة الشعبية)، بحجة معاقبته على فعلته, لكن هذه المعاقبة إن
وقعت, تمثل الخطوة قبل الأخيرة للبدء في تصفية "حماس", بعد أن سبق لدحلان
وأمنه الوقائي أن شكل تنظيمه الخاص به الذي يحمل إسم كتائب شهداء الأقصى
..
أصبع الأمن
الوقائي واضح في عملية الإغتيال عبر عدة مؤشرات منها:
1_ ارتباط
الجناح الذي اغتال عرفات بالأمن الوقائي, وهو الجناح الذي يقوده ضابط الأمن
الوقائي الملازم أول ممتاز دغمش.
2_اختطاف
منهل نجل موسى عرفات, وهو ضابط في الإستخبارات العسكرية يقود "فرقة جهنم",
التي كانت دائمة الإصطدام بـ" فرقة الموت العائدة للأمن الوقائي, وكان ما
بينهما ما صنع الحداد.
لقد تم
اختطاف منهل, ليس لدواعي التحقيق, وإنما لدواعي الإنتقام.
ثم إن موسى
عرفات تحول مؤخرا, وبعد اقالته من على رأس الإستخبارات العسكرية الى مناصر
لفاروق القدومي, الذي بدأ يمثل ثقلا مزعجا لدحلان وعباس في قطاع غزة.
الثاني: إن
اغتيال موسى عرفات , حتى لو لم يكن مخططا له أن يقود الى اعلان الحرب على
حركة "حماس", فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام حالة الفلتان الأمني
القائمة أصلا, والتي يمكن أن توظف من أجل اتخاذ قرار بنزع الأسلحة من جميع
الناس, والإبقاء فقط على سلاح السلطة.
وها هو
محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية أبلغ ميجال موراتينوس وزير خارجية
اسبانيا، الذي التقاه بعد اغتيال عرفات، أنه يتوقع أن توجه الرصاصات
المقبلة نحوه شخصيا. وإن كان تعهد امامه بمواصلة السير الى الأمام.
أكثر ما يخيف
عباس ليس رصاص لجان المقاومة الشعبية, وإنما محمد دحلان..ذلك الحصان
الجامح, المندفع بقوة وثبات على طريق الزعامة المتفاعلة مع المخاوف الأمنية
الإسرائيلية.
لقد جاء حادث
اغتيال عرفات ليؤكد مرة أخرى ضعف قيادة عباس, وهذا ما خلصت إليه المصادر
الإسرائيلية, وعبرت عنه بوضوح، في حين أن دحلان يثبت لهم بشكل متواصل أنه
الرجل القادر على العمل.
ويتساءل
المراقبون: إن نجح دحلان في فرض سيطرته على جميع الأجهزة الأمنية في قطاع
غزة, واضطرت "حماس" ـ إن لم يقدم على محاولة تصفيتها ـ على التعامل معه,
بإعتباره رجل السلطة القوي, فما الذي سيجعله يبقى على عباس الضعيف رئيسا,
وهو الذي سبق له أن تحدى ياسر عرفات القوي..؟
هذا الفهم
المتأخر للنتائج المتوقع ترتبها على اغتيال موسى عرفات, هو ما جعل لجان
المقاومة الشعبية تعود الى نفي مسؤوليتها عن الإغتيال.
وربما يكون
هذا النفي هدف كذلك الى وضع ذرائع بيد الأمن الوقائي لإأمتناع عن تصفية
جناح ممتاز دغمش في اللجان, الذي يمثل توجهات الجهاز, كما هو حال كتائب
شهداء الأقصى الموالية لدحلان في غزة.
اغتيال موسى
عرفات يمكن حوصلة نتائجه إذا في ثلاث نقاط رئيسة:
الأولى : أنه
يمثل خطوة على طريق تكريس وحدانية السيطرة الأمنية لمحمد دحلان في قطاع
غزة.
الثانية: أنه
يضع حدا لإمكانية مغامرة أي جهة أخرى في قطاع غزة بنسج علاقات مع فاروق
القدومي، الذي سبق أن اعتقل مدير مكتبه في خان يونس وها هو قد قتل حليفه في
غزة
الثالثة:
أنه يمثل خطوة تمهيدية للإنفراد بالسلطة عبر اطاحة محمود عباس.
|