هل نستوعب أن عرفات إنسان، قابل للحياة والموت؟؟

   د. أحمد أبو مطر  الإثنين 1 نوفمبر

وسط فيضان اللطم الفلسطيني

منذ أن أعلن عن مرض الرئيس عرفات قبل أسابيع قليلة، ونقله إلى باريس قبل أيام للعلاج، والشارع الفلسطيني، شعبا ومسؤولين رسميين و قيادات منظمات وأحزاب وفصائل، يعيش ويمارس حفلات لطم لا مثيل، إلى الحد الذي جعل بعض الكتاب الفلسطينيين يدعون عرفات أن لايترجل، أي أن لا يرحل، أي أن لايموت، وكأن قرار حياته أو موته بيده، وليس بيد الله تعالى، الذي قال في محكم كتابه: ( إذا جاء أجلهم لايستقدمون ساعة ولا يستأخرون ).أما مسؤولي السلطة الفلسطينية، سياسيين وأمنيين ومرافقين، فقد تباروا بشكل مبتذل، ليسبق كل واحد الآخر بتصريح حول صحة الرئيس، وكأن كل واحد منهم أخصائي أمراض مستعصية، وهو الذي قام بفحص الرئيس وتشخيص مرضه. صائب عريقات، جبريل الرجوب، صلاح التعمري، نبيل أبو ردينه، أحمد الطيبي...وآخرون كل واحد منهم صرّح عدة مرات حول صحة الرئيس ونوع مرضه، إلى حد أن فاروق القدومي ناشدهم بالتوقف عن هذه التصريحات....وقد كانت ( ليلى شهيد ) ممثلة منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، أكثرهم إستفزازا، وهي تتحدث للصحافة في باريس، بشكل عنتري، ذكّرني بمن يصفونهم في مصر ب ( فتوات بولاق الدكرور )، إلى حد أنها قالت للصحفيين بشكل غير مؤدب : ( لا أسئلة )...نعم لا أسئلة، فهم في حضرة الماريشال مونتجمري، أو الجنرال شارل ديجول، الذي تتحدث من عاصمة بلاده، ولكنه كان أكثر تواضعا منها.

 أتذكر في حياتي كيف تعامل الشارع الفرنسي مع مرض وموت الجنرال شارل ديجول، والشارع الأردني مع مرض وموت الملك حسين، فلا أتذكر نسبة بسيطة من هذا اللطم والصراخ الأرضي والفضائي، إلى حد جعلني أتخيل في لحظة أن الرئيس عرفات إله من الآلهة المخلدين، الذين لا يبكون ولا يمرضون ولا يموتون!!!. وليس وحدي الذي صاحبه هذا الشعور، فالزميل طلال سلمان رئيس تحرير السفير اللبنانية، كتب في إفتتاحية للسفير، يقول : (...لقد عرفنا الآن أن عرفات بشر، يمرض ويأكل ويشرب ويصاب بالغيبوبة....). هذا التشخيص للتعاطي غير المنطقي ولا الإيماني مع مرض الرئيس عرفات، لايعني أن لانحزن ولا نتألم، فالحزن والبكاء مشاعر إنسانية، لايمكن كتمها، ولكن المقصود هو التأشير على هذه المبالغة التي تضع البشر في مصاف الآلهة، وفوق القضية التي ناضلوا من أجلها!!.
في الساحة الفلسطينية، سبق أن مات عزالدين القسام، وعبد القادر الحسيني، وأحمد الشقيري...وآخرون، واستمر النضال الفلسطيني....وعرفات كإنسان وبشر...سوف يموت، فهل هذا اللطم المبالغ فيه، والتمثيلي أحيانا، هو الحل والبديل ؟؟.

 نتمنى له الشفاء العاجل..ونتمنى له أن لايتألم، فيكفيه ألم حصار السنوات الثلاثة الماضية، وألم ألم شعبه، ولكن الأهم من هذا اللطم هو التفكير في المستقبل الفلسطيني على ضوء تعقيدات عديدة، منها:

1. إن القوانين واللوائح الفلسطينية لم تضع ضوابط دقيقة واضحة لخلافة الرئيس عرفات، والسبب الأساسي أنه كان يرفض بشدة تعيين نائب له..وكم كان جريئا الزميل حافظ البرغوتي، رئيس تحرير جريدة(الحياة الجديدة ) الصادرة في رام الله، عندما كتب قبل أيام قليلة، قائلا: آن الأوان، أن يعين الرئيس عرفات نائبا له، فالله وحده الذي لا خليفة له. 2. لايمكن الإعتماد على مقولة ( وعي الشعب الفلسطيني )، فلقد رأينا ممارسات هذا الوعي الشهور الماضية في غزة والضفة، والرئيس عرفات فيها وقبل مرضه...خطف أجانب ومسؤولي سلطة وإحراق مباني عامة وإحتلال مباني أخرى، وقتال مسلح بين أجهزة السلطة الأمنية....فما الذي سيحصل في حالة وفاته، بعد عمر مديد!!!.

3. هناك ملفات فساد وإختلاس بمئات الملايين، ضائعة الآن والرئيس على قيد الحياة، فماذا سيحصل لها بعد وفاته، خاصة مئات الملايين التي بإسم مستشاره الإقتصادي، محمد رشيد ( خالد سلام )، التي سبق أن قال عنها ( حسن خريشة ) مسؤول لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني، أنه لا يمكن لأحد إسترجاع هذه الملايين، بما فيها التيفي بنوك رام الله، لأنها بإسمه الشخصي، وليس كممثل أو وكيل للسلطة الفلسطينية، هذا والكل يعرف أن محمد رشيد، هارب منذ أكثر من سنتين، ولم يعد إلى رام الله. والمبكي أن كافة مسؤولي السلطة الفلسطينية، الذين يقلقون مناماتنا وأحلامنا بتصريحاتهم الأرضية والفضائية، يسكتون سكوت الموتى على قضية محمد رشيد هذه!!. لماذا؟. الجواب عند الله والرئيس عرفات ومحمد رشيد!!. ما العمل؟. ما الحل؟.

الحل الوحيد، أن يقتنع الرئيس عرفات وهو في سرير المرض، أنه إنسان من الجائز أن يمتد به العمر، ومن الجائز أن يموت، وإن كتب له العمر من هذا المرض، فلن يكون قادرا على مواصلة مسؤولياته الرئاسية والقيادية، وهذا ليس فيه إنتقاص من نضاله وتاريخه، فهذه طبيعة البشر، أن يمرضوا و يعيشوا، أو يمرضوا ويموتوا!!. ومن مسؤوليات الفريق القيادي الفلسطيني الذي يبحث في رام الله الآن موضوع ترتيب الوضع القيادي الفلسطيني، أن يواجه هذا الواقع، ويصارح به الرئيس عرفات، فأية ترتيبات في حياة الرئيس عرفات، لن تواجه حجم المشاكل، إن تمت في غيابه، ونقول آملين: بعد عمر مديد، ومؤكدين أنه في هذه الحالة لن يكون قادرا على تولي مسؤولياته..فهذه طبيعة العمر و البشر!!.

 * كاتب وأكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو. ahmad64@hotmail.com

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع