الأقوال والأفعال

بقلم: توفيق الحاج*

في إحدى الندوات عن المستقبل والديمقراطية وجدت نفسي أتثاءب ثم أغط في نومٍ عميق أثناء حديث أحدهم عن حرية الكلمة والتضامن الأخوي والتواصل الرفاقي وما إلى ذلك من شعارات بريئة عظيمة..!! لم أجد صعوبة في معرفة أو تفسير سبب فعلتي العفوية هذه إذ أن الشيكولاتة اللغوية اللذيذة التي كانت يقدمها صاحبنا للحضور لم تكن لتتفق مع ممارساته على الأرض!!

فالأقوال إذا لم تؤيدها الأفعال تصبح مجرد أوعية فخار فارغة هشة تنكسر على رؤوس أصحابها بشكل كاريكاتوري جداً في المرة الأولى ثم بشكل محزن جداً جدا في المرات التالية..

إن النصب على الناس بالشعارات البراقة والمقولات المعسولة مهنة قديمة جديدة يجيدها أهل السياسة واللصوص المهذبون الساعون إلى الظهور وركوب الموجة وهؤلاء بالذات يفتقرون إلى الموهبة والقدرة الحقيقية وكفاءة العمل ولكنهم في نفس الوقت يتمتعون بمواصفات التقمص المتقن للدور الذي يؤدونه بفضل بعض الجاذبية الشخصية والمنطق الخادع..!!

أولئك يجدون بسرعة زبائن "على نياتهم" تجذبهم وتخدعهم رائحة الكذب الجميل كما تنخدع الفراشات الغبية بالزهرة الملونة القاتلة!!

عرفت ضمن ما عرفت.. "هتلرا".. صغيرا يحفظ عن ظهر قلب حشداً من المقولات المعلبة والتي انتهى تاريخ استعمالها .. تحس للوهلة الأولى بأنه "رجل هذا الزمان" لكنك سرعان ما تكتشف أنه مصاب بفيروس "النجم الأوحد" الذي يدور العالم من حوله.. يريد ممن يحيطون به ان يكونوا مجرد "كومبارس" في مسرحية "الانا" التي يقوم هو فقط ببطولتها... ويفزع إذا وجد ندّاً حقيقياً مخلصاً لروح العمل والمبادئ لأن ذاتيته المفرطة وممارساته المريضة لم تتعود يوماً صدق المشاركة وقيمة المساواة أولاً ثم لأنه يجد للأسف الشديد من يرضى أن يكون تابعاً أو ظلا عن طيب خاطر!!

أمثال هذا الهتلر الصغير إذا امتلكوا قوة النفوذ يستطيعون طمس حقيقة العدل لوقت وليس لكل الوقت بين المزاجية والفهلوة واستعذاب ممارسة القهر ولا يدفع الثمن في واقع الأمر إلا الرجال الشرفاء الذين لا يملكون إلا المبادئ والصدق .

أمثال هذا الهتلر الصغير يفتحون الباب على مصراعيه لمنطق "محمد يرث ومحمد لا يرث" منطق الكيل بمكيالين حسب الهوى والمزاج ولعبة البقاء!!

يبدو أن تجربة الاحتلال قدعلمتنا أن نفتح عيوننا جيداً وألا ننخدع بكل بريق بسهولة بعد أن كنا نصفق لكل مانرى و نسمع من لفظٍ جميل يريح النفس دون النظر إلى تطبيق فعلي ملموس.

وصدق من قال :لا تسحر أذني بنغم قولك.. بل امنح عيني بصيص فعلك..!!
 

* كاتب وشاعر فلسطيني يقيم في قطاع غزة.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع