أقلام وأفلام وصحافة أم سخافة
بقلم : د . مـحمود عـوض
تاريخ النشر : 2005-04-29
- جميع ما تناوله القوم حتى اليوم في حديث الفساد إنحصر واقتصر على أهل
اوسلو ورموز سلطة الأبوات وفي خضم هذا الإنشغال بقمة الهرم الفاسد تغافل
الناس وتناسوا ونسوا تناول مفاصل أخرى من الفساد توارى أصحابه ومريدوه في
زوايا معتمة يفركون أيديهم فرحين بأن أحدا لا يتنبه لفسادهم وسرقاتهم
وابتذالهم وهوانهم على أنفسهم وظلوا كذلك إلى أن أقدم أحد أقطاب الفساد
برفع الستارة عن وجوههم وهو نبيل شعث الذي فاجأ هذا الفرع من الفاسدين حين
ذكر بصراحة أن عددا من أصحاب الصحف في فلسطين (يقبضون عطايا مالية) وكان من
بين هؤلاء مروان ابو الزلف من جريدة القدس واسماعيل عجوه صاحب جريدة المنار
وجاك خزمو صاحب مجلة البيادر ومحمود يعيش صاحب جريدة الشعب وريموندا الطويل
حماة القائد الرمز أبو الأبوات وابراهيم قراعين صهر ريموندا الطويل .
نبيل شعث لم يتطرق إلى التفاصيل ونسي عامدا ذكر الحياة الجديدة وغيرها
والغريب في الأمر أن محمود عباس بعد أربع وعشرين ساعة نفى أن تكون جريدة
القدس تقبض وسكت عن أمر الآخرين .
ما سيحسب لنبيل شعث في هذا الشأن أنه فتح ملف فساد (الجوقة الصحفية) في
فلسطين وهي جوقة تحمل من الأوزار ما تنوء عن حمله الجبال وقد أسهمت في
تجذير الفساد وأضحت ركنا من أركانه وخرجت تسعى في قافلة الزانيات والعاهرات
للتطبيل والتزمير وللتعتيم والمداراة وظلت مطمئنة بأن دورها القذر غير
مكشوف وغير مرئي حتى كانت قنبلة نبيل شعث التي أراد بها القول (كلنا في
الهوا سوى) وفد أقدم شعث على ذلك بعد أن أحس كوزير للإعلام أن مجموعة من
الصحفيين يتربصون به وينهشون لحمه مع عظمه فكان ما كان من حديث قاضح لكنه
لم يكتمل وبحاجة لتتمة .
التتمة لما قاله نبيل شعث تصلح لأن تكون أطروحة لنيل درجة الدكتوراة بعنوان
(بلهارسيا الصحافة) أو (أباريق الكلمة) وهؤلاء مارسوا الرذيلة وما زالوا
إمتدادا من زمن الوصاية الأردنية ومرورا بعهد الإحتلال ووصولا إلى زمن
السلطة ولعل من يقتفي أثر أصحاب هذه الصحف سيجد أغرب الغريب فهم على الغالب
وقفوا يستجدون على أكثر من باب ومدوا أيديهم ليقبضوا ليس من عرفات فحسب بل
ومن أنظمة عربية أخرى كالأردن التي أنفقت علنا على جريدة النهار لصاحبها
عثمان حلاق (تم إغلاقها) كما أنفق الأردن على جريدة الحياة الجديدة سرا
وبالخفاء وعبرت يد الحياة الجديدة الجسور والحدود لتقبض حتى من الشيخ زايد
ومشيخات نفطية أخرى وفي الداخل تبنى عرفات جميع العاملين فيها كموظفين على
كادر السلطة بمن فيهم رئيس تحريرها حافظ البرفوتي برتبة مدير عام في وزارة
الإعلام .
بعض هذه الصحف التي تقبض يحسب أهل فلسطين أنها توقفت مع أنها تصدر مثل
جريدة الشعب فهي على الغالب تطبع مائتي عدد اسبوعيا لغاية وصولها إلى مكتب
الرئيس حتى تظل الحجة قائمة لمواصلة القبض وكذلك شأن جريدة المنار وأما
مجلة العودة (لريموندا الطويل وزوج إبنتها ابراهيم قراعين عديل عرفات) فلا
أحد يقرؤها ويسمع عنها ومكتبها في شارع صلاح الدين أشبه ما يكون بمدود
البقر يحتشد فيه عدد من مرتزفة الصحافة يقبضون ولا ينتجون فالمجلة من الباب
إلى المحراب تغص بصور الرمز الملونة وصور الرمزة الفاضحة وكفى الله
القابضين شر الكتابة .
أما بشأن ابو الزلف وجريدة القدس فلربما تكون الجريدة الوحيدة التي إنفردت
برضى الجهات الثلاثة وهي سلطة عرفات وسلطة "بنو" هاشم وسلطة "بنو" صهيون
ولما كان للدنيا جهات أربع فإن جريدة القدس كانت وما زالت محظية من محظيات
البيت الأبيض وأما إدعاء محمود عباس بأنها لا تقبض فهو محض كذب وافتراء فقد
كان ابو جهاد خليل الوزير هو أول من دقع للقدس مبالغ مالية سخية ليستزلمها
وكانت خطوة خليل الوزير بداية رحلة تعهير الصحافة زمن الإحتلال وقصة جريدة
الفجر معروفة للقاصي والداني فقد خرجت من السوق بعد أن وصل توزيعها اليومي
في الضفة خمسة عشر عدد لا غير وحين تجري جردة حساب التكلفة سيدهش المرؤ أن
عرفات أنفق الملاين على جريدة أقفلت أبوابها في النهاية وتشرد العاملون
فيها وبقيت نقطة سوداء في تاريخ العلاقة بين عرفات والصحافة .
حين التمعن في أمر الصحافة في فلسطين ستجد أنها مجرد دكاكين خاوية على
عروشها ينخر فيها العهر والفساد والإبتذال ... كتبت محررة إسمها كوثر سلام
بعد رؤيتها لعرفات أول مرة في الحياة الجديدة تقول (حين يرى المريض عرفات
يتعافى وحين يبصره الأعمى يرتد إليه بصره وحين يراه العجوز تنبض عروقه
بالشباب)
على ذلك علق قارىء قلسطيني قائلا بأنه لو كانت الفياغرا قد أكتشفت وقتها
لوردت عبارة تقول (أن رؤية عرفات تغنيك عن الفياغرا) .
هكذا أراد عرفات والأبوات أن يكون حال صحافة فلسطين وهنا لا بد إذا ما أريد
للإصلاح أن يكون أن نبدأ بتنظيف البيت الصحفي الفلسطيني وإغلاق هذه
الدكاكين
في حوار بين حاكم عسكري اسرائيلي وبين صحفي فلسطيني قال الحاكم متعجبا :
إنك لا تكتب ضدنا مثل الآخرين
أجابه الصحفي : إنني أكتب في شؤون تحفز أبناء شعبي لكراهية الفوضى والفساد
وأما أنتم فشعبي يكرهكم كتحصيل حاصل وليس بحاجة لمقالات مني ضدكم لأزيده
كرها فيكم .
... أجل هؤلاء أخطر من الإحتلال الذي يتخفون بزعم مقاومته وهم حجر أساس في
بنائه
د . مـحمود عـوض
|