النفط مقابل الغذاء على الطريقة
الفلسطينية
بقلم/ الدكتور يوسف كامل إبراهيم
أستاذ الجغرافيا البشرية جامعة الأقصى/غزة
في الأول من مايو من كل عام يحتفل العالم بيوم العمال العالمي كتجسيد من
الشعوب بوقفتهم إلى جانب العمال ،وليس أفضل وأدل من الوقوف إلى جانب
العامل هو إعطاءه حقه قبل أن يجف عرقه كما نصت علية الشرائع السماوية
ونصت علية الشرائع الدولية في نصوص العهد الاقتصادي والاجتماعي لحقوق
الإنسان ،ولكن الأمر مختلف مع أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاقب فيه
الشعب بأكمله من عمال وموظفين من حرمانهم من مرتباتهم وذلك لأنهم مارسوا
العملية الديموقراطية ببراعة تامة وبنجاح منقطع النظير وتحت إشراف دولي
وشخصيات أمريكية ،ولأن نتائج الانتخابات الفلسطينية لم تأتي على المقاس
الأمريكي والأوروبي بدأت أمريكا ووقف خلفها دول أوربية بالتفنن بملاحقة
الحكومة الفلسطينية ومحاصرتها للضغط عليها وابتزازها سياسيا وبسبب وقوف
أبناء الشعب الفلسطيني إلى جانب حكومته المنتخبة والصبر عليها في ترتيب
أوضاعها حتى يتسنى بها السير قدما فوجئ العالم بوصول الحقد الأمريكي
والأوروبي إلى حد تهديد البنوك التي ترغب في مساعدة الحكومة على تخطي
أزمتها المالية بالحصار والملاحقة في حال تعاملت مع الحكومة الجديدة
ووصلت أخر الابتكارات لحل أزمة الرواتب إلى اقتراحات من بينها تأسيس
صندوق مالي بإشراف البنك الدولي لدفع الرواتب أو عن طريق جامعة الدول
العربية التي ستقوم بضخ الأموال في حساب كل موظف على حده ،وكأن الحكومة
الفلسطينية ليس لها دخل في ذلك، وأن الموظفين الفلسطينيين هم موظفين في
البنك الدولي أو جامعة الدول العربية ،وأن الذي سيتحكم في المرتبات
والعلاوات بعد ذلك هو البنك الدولي أو جامعة الدول العربية ومن ثم في
المستقبل سيتم التحكم في الموظفين الجدد من حيث عددهم والوزارات التي
ينتمون لها وقد يصل الأمر للسؤال عن الانتماء السياسي للموظف لكي ينزل له
المرتب أو لا، ومن ثم التحكم في الموظف بناء على المعلومات التي يحصل
عليها البنك الدولي أو أي جهة كانت قد تشرف على التحكم في مرتبات
الموظفين في المستقبل، وباستشراف صورة وحال هذا الابتكار فمن المتوقع أن
يكون هدف هذا البرنامج سلب صلاحيات الحكومة من حيث الجوانب المالية
والإدارية للموظف الأمر الذي قد يدفع الموظف للتمرد على المسئولين
المباشرين له اعتقادا من الموظف أن راتبه قادم له من البنك الدولي أو
جامعة الدول العربية ،وقد يكون لذلك انعكاساته السياسية فيما بعد ، ولم
يكن هذا الاقتراح إلا على شاكلة برنامج النفط مقابل الغذاء والذي نفذته
الأمم المتحدة على العراق، وأصبح برنامج النفط مقابل الغذاء من أكبر
البرامج في تاريخ الأمم المتحدة ، وفي إطار توجيهات مجلس الأمن، حيث تخصص
72 % من عائدات صادرات النفط العراقي لتمويل برنامج النفط مقابل الغذاء،
أما الباقي فلا يعرف أين يذهب وقد اكتشف لاحقا حجم الفساد الذي أصاب هذا
البرنامج وحجم خطورته السياسية والاقتصادية ،فقد كشفت اللجنة المستقلة
التي كلفتها الأمم المتحدة للتحقيق في التلاعب في برنامج النفط مقابل
الغذاء حيث اتهمت شخصيات بحصولها علي عمولات مالية وحصول بعض الشركات
النفطية على النفط بأسعار زهيدة جدا. ولم يكن حال الشعب العراقي وأطفاله
في رخاء وسخاء من وراء هذا البرنامج ،وإنما بقى أطفال العراق يتعرضوا
للموت بسبب نقص الكثير من المواد الغذائية والحليب والأدوية التي لم يكفل
هذا البرنامج بتوفيرها حسب حاجات الشعب العراقي وبسبب الفساد الذي أصاب
هذا البرنامج وهكذا كانت فضيحة النفط مقابل الغذاء والذي ذهب ضحيتها
العراقيين بهدر ثرواتهم وحرمانهم منها.
ولم يكن يقصد من هذا البرنامج سوى التحكم في لقمة العيش مقابل التحكم في
موارد العراق والتحكم في قراره السياسي فالإدارة الأمريكية تشرف وتتابع
الحياة السياسية في العراق وتفرض من الشخصيات والقيادات على الحياة
السياسية ما تريد ، وعلى نفس الصورة تأتي الحالة الفلسطينية حيث إرهاصات
برنامج المرتبات مقابل التخلي عن الحكومة ، أو المرتبات والغذاء مقابل
التنازل والتخلي عن الحكومة ، ولكن التجربة تقول أن الشعب الفلسطيني لم
يكن في يوم من الأيام الحصار الاقتصادي أو التجويع سببا في تنازله فقد
صبر سنوات طويلة تحت الحصار والملاحقة و التدمير للبيوت والمنشآت
والمصانع وتجريف الأراضي من قبل المحتل، وانه قادر على تخطى هذه الظروف
وانتصاره في معركة الإرادات وهي تنبئ بأن هذا الشعب قادر على الصمود في
معركة التجويع أو إذلاله ، وأثبتت التجربة عبر التاريخ أن الشعب سيبقى
مستمسكا بقيادته وحكومته الحالية كما أثبت عبر السنوات الماضية تمسكه
بحكومته وسيكون كذلك في ظل الحصار الخارجي التي تقوده أمريكا والدول
الأوربية في الوقت الحالي.
|