الله حق .. اذن المرض حق والموت أيضا

بقلم: حمدي فراج  *

أجاد وابدع الفنان العربي عادل امام في مسرحية الزعيم، التي لا نعرف كيف وافق الرقيب المصري على تنفيذها، حين شهق مستغربا ومستنكرا خبر موت الزعيم العربي، متسائلا: هل الزعيم يموت؟ وألحقها بعبارة "الله يطول لنا في عمره" بعد أن اطمأن الى موته.

قبل يومين تسرب الى وسائل الاعلام ان الرئيس ياسر عرفات قد مرض، وقيل ان المرض داهمه او اشتد عليه اثناء تأديته صلاة الجمعة، فخرجت وسائل اعلام رسمية فلسطينية تنكر الخبر جملة وتفصيلا.

ولو وقف الأمر عند هذا الحد، لكانت المسألة غاية في البساطة، وفي حدود ان الخبر الذي تناقلته وسائل الاعلام ليس صحيحا، وان الرئيس في صحة جيدة او حتى ممتازة، رغم انه ناهز على الثمانين وفي ظروف غير انسانية و غاية في القسوة، عدا انه يعاني من بعض الأمراض.

لكن المسألة لم تكن هكذا على الاطلاق، فقد استنكرت وسائل اعلام السلطة نشر هذا الخبر (المغرض) و(العاري عن الصحة) وان الذي قام بنشره هي وسائل اعلام معادية، وان وفد الأطباء المصري لم يحضر، وانه لم يدر اي حديث عن نقله الى القاهرة. ثم استكمل مسلسل النفي، لكي يظهر الرئيس في صور وهو يستقبل ويهنئء ويودع ويجتمع لنفي الخبر المغرض.

ان لسان حال السلطة التي يفترض فيها ان تختلف تصرفاتها عن بقية تصرفات سلطات النظام العربي حين يتعلق الأمر بمرض زعيمها، على اعتبار انها سلطة وطنية، جاءت لاستكمال تحرير فلسطين، قد تصرفت بدون أي فرق عن شقيقاتها، فأخفت وانكرت واستنكرت واتهمت وادعت، وكأنها تعيد سيناريو عادل امام  بشكل اسوأ، فهو استنكر موت الزعيم، وهذه تستنكر مرضه. وهي بهذا تؤكد في كل طالع منذ عشر سنوات، انها لا تختلف عن بقية شقيقاتها من نفس الأم والأب، ومن شابه أخته فما ظلم.

أما مسالة استكمال تحرير فلسطين، فان اي نظرة عابرة او متفحصة لواقع الحال، يدرك تماما انه لم يبدا بعد كي يتم استكماله.

الزعيم العربي ممنوع ان يمرض، رغم ايمانهم كلهم، الزعماء وحاشياتهم، بالقضاء والقدر، والموت والمرض والانبعاث في حياة جديدة، الا انهم يحاربون فكرة مرض الزعيم، ويحاربون فكرة ان يرقد في الفراش، ويحاربون فكرة انه يحتضر والموت يتنازعه، لدرجة انه محظور التحدث عن خليفته او نائبه وهو لما يزال حيا يرزق.

المشكلة ان الناس، كل الناس، تدرك انه مريض، اذا لم يكن ذلك من خلال ما يتيسر من مشاهدات ومسموعات، فانه من خلال أدنى مقدرة على التحليل، كأن يتجاوز عمره السبعين او الثمانين، أو من خلال سجله المرضي غير السري، مثلا في حالة زعيمنا سقوط طائرته وهو على متنها بحيث نجى من موت محقق طال من كان بصحبته. في حالة الزعيم مبارك عموده الفقري حيث لم تتمكن الدولة التي يتزعمها من معالجته فاضطر للسفر الى المانيا والمكوث عدة أسابيع، وفي الحالات المتبقية، تستطيع ان تحدث بلا أدنى حرج، الزعيم السعودي  أطال الله في عمره، ومتّعه بالمزيد المزيد من الصحة والعافية، الأمير الكويتي، العقيد الليبي، وكان يمكن ان تكون الأمثلة على ذلك أكثر وأوضح لو أن الله  لم يفتقد ثلاثة زعماء مخضرمين منهم في برهة متقاربة من الزمن.

الناس وهي تدرك مرض زعيمها، او زعيم غيرها، تدرك ايضا افضل مما تدرك الحاشية المحيطة به، من ان المرض حق، بل والموت حق، لطالما الله حق، وهو وحده الحق الباقي، أما البقية الباقية فهم ليسوا أكثر من أموات ابناء اموات، فكيف يكون الحال عندما يكونون اموات وهم أحياء؟؟ 

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع