الوكلاء يتعهّدون المهمّة
أحمد أبوزينة
كما هو متوقع لم يتأخر وكلاء أمريكا وإسرائيل في لبنان عن أداء المهمة المناطة بهم، وهي أن يحققوا بالسياسة ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب الهمجية التدميرية التي شنتها على لبنان. أو على الأقل أن يقوموا بعملية خطف سريع ومباغت لبريق وفرحة الانتصار المدوي للمقاومة الإسلامية على الجيش الإسرائيلي في معارك الجنوب. وهو الانتصار الذي سيوضع إلى جانب انتصار عام 2000، والانتصار العربي الجزئي عام 1973، على أنها الانتصارات الوحيدة التي تحققت للعرب على إسرائيل في الحروب بين الطرفين.
لا نقول هذا الكلام من باب إلقاء التهم جزافاً، ذلك أنه لا يمكن، بأي حال من الأحوال، افتراض البراءة أو العفوية أو حسن النية في التصريحات التي صدرت خلال الأيام الماضية عن قادة لبنانيين لم نسمع لهم صوتاً أو همساً فيما كانت رحى الحرب دائرة. ثم ماذا يمكن أن يقول المرء في أشخاص وقيادات انسلخت من ماضيها وهويتها، وتقلبت في مواقفها حتى أصبحت تدور بشكل مريب في الفلك الأمريكي الإسرائيلي الذي يهدف إلى إخضاع المنطقة دولاً وشعوباً. هذا مع الإشارة إلى أن هؤلاء يناقضون أنفسهم من خلال نعيهم المستمر على حزب الله ارتباطه بالمحور السوري الإيراني، في الوقت الذي أصبحوا فيه أداة نشطة وفعالة في المحور الأمريكي الإسرائيلي.
لطالما أعلن زعيم المقاومة السيد حسن نصر الله عزم حزبه على اختطاف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بما تبقى من أسرى لبنانيين، وما تيسر من أسرى عرب وفلسطينيين، في السجون الإسرائيلية. ولقد كان السيد نصر الله في منتهى الوضوح عندما قال في المؤتمر الصحفي الذي تلا أسر الجنديين الإسرائيليين مساء يوم 12 تموز، بأن إسرائيل لو أطلقت سراح الأسرى اللبنانيين في سجونها، لسحبت (الذريعة) من يد المقاومة لتنفيذ عمليتها. ما نريد قوله هنا أن أي كلام عن تلقي حزب الله الضوء الأخضر من إيران لخطف الجنود وإشعال المعركة هو كلام واهٍ لا يقوم عليه أي دليل، بما في ذلك العلاقة المحورية التي تربط بين حزب الله وإيران التي لا تكفي كدليل على الضوء الأخضر المزعوم. وكم كان السيد نصر الله واضحاً، مرة أخرى، عندما قال في إحدى المقابلات أن حزب الله لا يمكن أن يعرّض قياداته وعناصره وشعبه ولبنان كله للإبادة الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال فقط تنفيذاً لأوامر إيرانية أو سورية، واعتبر ذلك تجريحاً ومساً غير مقبولين بوطنية ولبنانية الحزب.
ما المطلوب إذن من حزب الله من قبل خصومه المحليين والإقليميين والدوليين؟ هل المطلوب أن تكون المقاومة بلا سند أو ظهير أو حليف، وحتى لو كان تحالفها مع هذا الطرف أو ذاك له حساباته السياسية، ففي النهاية أين هو التحالف بين الدول أو بين المجموعات السياسية الذي يخلو من الحسابات السياسية؟! ثم ما الذي يضمن أن منتقدي حزب الله لا يتلقون، بدورهم، الإشارات الخضراء من حلفائهم (ولا نريد أن نقول أسيادهم) ليظهروا هذا الموقف أو ذاك؟!
كم كان لافتاً وحكيماً الأستاذ محمد حسنين هيكل عندما قال على قناة الجزيرة أنه على العكس من الاتهامات الموجهة للقيادتين السورية والإيرانية، فإن كلا القيادتين تفاجأتا من عملية حزب الله في 12 تموز، ومن حجم الرد العدواني الإسرائيلي عليها، وأن خطاب القيادتين اتسم بالارتباك في بداية الحرب. وفي هذا أبلغ رد على تخرصات خصوم المقاومة وأصحاب الحسابات الذاتية والمصلحية الضيقة.
صدق من توقع أن تكون المعركة السياسية التي سيشهدها لبنان أكثر سخونة وشراسة من المعركة العسكرية التي جرت على أرضه الغالية، وبالتالي يُخشى أن تكون حصيلة هذه المعركة السياسية وتداعياتها أكبر خطراً وأشد وطأة على البلد وأهله ومقاومته، خاصة في ظل الحنق الإسرائيلي والأمريكي والعربي الرسمي من الانتصار الذي حققه حزب الله. أين ستسير الأمور في لبنان والمنطقة؟ يتناول المراقبون والمحللون العديد من السيناريوهات، ولا شك أنه من الصعوبة بمكان المفاضلة بين هذه السيناريوهات، فلطالما كان هذا الجزء من المنطقة العربية والعالم مشتعلاً ومستنفراً ومفتوحاً على كل الاحتمالات، خاصة في ظل ما يبدو من تمسك الأطراف المختلفة بمواقفها، وهو الأمر الذي يزيد في خطورة الموقف إلى أقصى حد.
|