«المبادرة العربية» واستخدامها المدمر |
منير شفيق
الشرق القطرية 15/10/2006
في خضم الصراع المحتدم حول برنامج حكومة الوحدة الوطنية بين فتح وحماس والفصائل الأخرى اشترطت فتح اعتراف حماس بالمبادرة العربية فيما اشترطته من التزام «وليس الاحترام فقط» بكل ما وقع من اتفاقات بين م.ت.ف والدولة العبرية، وهذا يشمل الموافقة على شروط الرباعية باعتبار ذلك جزءاً من التزامات السلطة واللجنة التنفيذية كذلك.
اما موقف حماس فتمسك بالا يخرج برنامج الحكومة على وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الاسرى بعد تعديلها»، مع اصرار على عدم الاعتراف بالدولة العبرية، ومن هنا جاءت التحفظات على «المحددات» التي كان اتفق عليها عباس - هنية لعرضها على حماس وفتح، واعلنت الجبهة الشعبية ثلاثة تحفظات على تلك المحددات ومثلها عدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
صدر تصريحان رسميان مصري وسعودي في الأسبوع الفائت يطلبان حماس بالاعتراف الصريح بالمبادرة العربية. وذهب وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط إلى حد القول إما الاعتراف بالمبادرة العربية وإما الرحيل من الحكومة، هذا بالطبع دخول رسمي على خط الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، وله مدلولاته وتداعياته.. وما كان ينبغي له ان يحدث ولن تكون له، ان لم يخفف او يصحح، الا نتائج سلبية على الجميع فلسطينيا وعربيا.
المبادرة العربية» الصادرة عن قمة بيروت 2002 قامت على اساس الالتزام العربي بالاعتراف باسرائيل في حالة الوصول إلى تسوية شاملة.
فالاعتراف هنا بالرغم من مشروطيته يعتبر من وجهة نظر القانون الدولي «ايحاء بالاعتراف لا يمكن الرجوع فيه» وان لم يعتبر اعترافاً ناجزاً ما لم يتحقق شرطه، اما من الناحية السياسية والعملية فقد كانت المبادرة العربية نزولا بالسقف العربي الرسمي عما كان عليه في كل مؤتمرات القمم السابقة.
وبالطبع وجد في حينه من دافع عنه، وروج له واعتبره خطوة «هجومية تكتيكية محرجة لامريكا والدولة العبرية» ومن ثم فهي قادرة على حشد الرأي العام العالمي وعزل الموقف الاسرائيلي. لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق بدليل «خريطة الطريق» وصدورها عن الرباعية، وهذه الخريطة سلمت القضية الفلسطينية للمفاوضات الثنائية، اي سلمتها عملياً للمفاوض الاسرائيلي ليس بالنسبة الى ما يمكن ان يقبله أو لا يقبله في التسوية النهائية فحسب، وانما ايضاً، بالنسبة الى الدخول في التفاوض من حيث أتى، ومن ثم لا تكون المبادرة العربية قد حققت اكثر من تقديم تنازل عربي رسمي، ومن قمة عربية، دون مقابل فلسطيني على الأرض، ولا حتى على المستوى الاجرائي الداخلي في التأثير في الصراع مثلا وقف الاغتيالات والمجازر.
كان رد الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، بعد ان ثمن ما تضمنته من تنازل باتجاه الاعتراف باسرائيل، ان شجع بل تشارك مع شارون في الهجوم على جنين واجتياح مناطق «أ» كما محاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والتوسع في عمليات الاغتيالات والاعتقالات والتجريف وهدم البيوت وصولا الى بناء الجدار وتكريس وجود المستوطنات الكبرى ومصادرة القدس وتهويدها، وهكذا عمليا ادير الظهر الامريكي للمبادرة العربية ووضعت على الرف، وجمدت مفاوضات التسوية تحت مظلة «خريطة الطريق» التي طرحتها الرباعية التي تضم الى جانب امريكا اوروبا وروسيا والامم المتحدة، اي خسارة ما كان باليد من موقف دولي لا كسب المزيد، فقد مثلت نكوصاً روسيا واوروب وامما متحدة.
هذا يعني باختصار ان كل ما انجزته المبادرة العربية كان تقديم تنازل مجاني وضعته الدولة العبرية في جيبها فيما راحت تسعى عبر القوة العسكرية والضغوط الامريكية «وضغوط الرباعية» لفرض حلها الاسرائيلي كاملا، وهكذا نشأ امر واقع جديد بعد المبادرة العربية، ليس بسببها وحدها، أسوأ من ذي قبل، وهو ما عبر عنه الجدار والخطوات اللاحقة من جانب واحد.
وبالمناسبة في إن المبادرة العربية لم تستطع ان تنقذ ياسر عرفات من الحصار ثم لم تستطع انقاذه من الاغتيال فكل ما يقال لحماس إنها ستحصل عليه من حماية من خلال اعترافها بالمبادرة العربية، كما قيل لعرفات هو المزيد فالمزيد من الحصار والضغوط عليها من اجل تنازلات جديدة.
بل لم ينجم عن «المبادرة العربية» قوة للموقف العربي، وانما ازداد ضعفاً وفقدان هيبة، حتى وصل الأمر الى الاستجابة لضغوط مقاطعة ياسر عرفات.
فقد قوطع تسعة أشهر في احدى مراحل حصاره لم يتصل به هاتفيا احد من زملائه الملوك والرؤساء، ثم رفعت الحماية العربية عنه منذ اغسطس 2004 مما شجع شارون على تنفيذ امر الاغتيال وسقوطه شهيداً وحيداً.
مبادرة عمرها الآن اكثر من اربع سنوات، ياليت احداً من مؤيديها والداعين حماس للانخراط تحت مظلتها ان يذكر انجازاً واحداً لها على المستوى المادي على الأرض الفلسطينية، او على المستوى المعنوي والسياسي او اي مستوى.
واليوم يجري استخدامها تتويجاً لسلبياتها لتعقيد الأمور اكثر في الساحة الفلسطينية، لكأنها اللعنة التي حلت بالقضية الفلسطينية وبالموقف العربي، وبالشعب الفلسطيني منذ اطلاقها، وهو ما يقوم به كل من راح يستخدم عدم الاعتراف بها للاطاحة بحكومة حماس.
وهي اطاحة بنتائج الانتخابات الفلسطينية وارادة الشعب الفلسطيني والوحدة الوطنية الفلسطينية ولكن من يضمن تداعيات مثل هذه السياسة. وقد رأينا احد ارهاصاتها في ما عرف بـ «الاحد الأسود».
لو ان الذين يريدون ان يدخلوا في حرب حاسمة تفرز الفلسطينيين الى من مع «المبادرة العربية» ومن ليس معها حتى لو لم يكن ضدها، كان بايديهم «صمرة» لقلنا لعلهم معذورون ولكن كيف وما بأيديهم قبض ريح من وعود وهمية بل «جمرة» حارقة تحمل مخاطر لا حدود لها على مستقبل الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية والقدس والمسجد الاقصى والقضية بأسرها.
|