المشهد الفلسطيني"العرض مستمر"
بقلم:خليل ابو شمالة
أكثر من عشر سنوات على عمر السلطة الوطنية لا يكاد يلمس المواطن العادي
إنجازا حقيقياً واحداً يمكن أن يتحدث عنه بفخر واعتزاز، حتى باتت الفجوة
اكبر وأكثر وضوحاً من خلال عدم الشعور بالواجب المفترض تجاه قرارات
السلطة وسيادتها وهيبتها. أكثر من عشر سنوات لم يعيش المواطن أجواء
السلطة إلا من خلال عدد أجهزتها الأمنية وكثرة مسلحيها، وفوضى إدارتها،
وفساد مؤسساتها، وعدم إنتاجيتها، وتوزيع شهادات الزور ومنح الترقيات لمن
لا يستحقون، والفشل في العملية التنموية والعشوائية في إدارة الوزارات
والتعيينات، والقصور في متابعة القضايا والملفات.
أكثر من عشر سنوات والجميع يطالب بفصل السلطات واحترام سيادة القانون،
والكثير الكثير يطالب بالإصلاح حتى اختلط الحابل بالنابل وأصبح الفاسد
يركب موجة المطالبة بالإصلاح ويرفع لواء الانتصار للمسحوقين، وتحول
الفاسدون إلى مصلحين، يتشدقون بعبارات إصلاحية نارية في وقت يغرق فيه هم
وأمثالهم في وحل الفساد والعبث بمقدرات المجتمع الفلسطيني المغلوب على
أمره.
أكثر من عشر سنوات برزت فيه النزعات العائلية وغذتها مؤسسات السلطة
ورعتها، اتسعت الجماعات المسلحة حتى أصبحنا نصف الحالة الفلسطينية بما
يسمى بفوضى السلاح، والبعض يقول سلاح المقاومة، وآخرين يطلقوا جمل رنانة
تتحدث عن نظافة السلاح، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن السلاح واحد،
ليس هناك سلاح نظيف وسلاح قذر، بل هناك أيدي نظيفة تحمل السلاح إما لواجب
وطني وإما وظيفي يبرر حمله، وهناك أيدي قذرة متخذة من السلاح وسلة لتحقيق
رغباتها وأهدافها الذاتية على حساب سمعة وتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني.
وفي ذات الوقت غابت الأحزاب وبعدت عن دورها التنموي الاجتماعي الإصلاحي،
واتخذت من الانتفاضة في الخمس سنوات الأخيرة مخرجاً يبرر وجودها، ولكنها
كانت مهادنة بالمعنى الديمقراطي لإقصائها وعدم ريادتها ، حتى أن كثير من
العائلات ربما كان لها تأثير أقوى من التنظيمات مجتمعة.
لم نسمع مثلاً عن مداهمة أو إغلاق لأي مجلس عائلة، ولكننا شهدنا على
مداهمة مكاتب تنظيمات وإغلاق دور نشر وصحافة، واعتقالات سياسية، وكان ذلك
مؤشر واضح على توجه لإخماد التنظيمات والأحزاب السياسية، وإبراز
العشائرية والعائلات لحماية مصالح زمرة أقل ما يمكن ان توصف بأنها فاسدة.
المشهد اليوم يتحدث عن نفسه، لا أحزاب قادرة على حمل المشروع الوطني
ومستقبل القضية في ظل انعدام أشكال السلطة جميعاً، ولا سلطة قادرة على
أدنى شكل من الانسجام الداخلي وما يمكن ان يعكسه على المواطن. والمجتمع
يعيش حالة من عدم الاستقرار وعدم وضوح الرؤية، ما بين سلطة فاشلة، وفوضى
سلاح، وسيادة شريعة الغاب، وعشوائية القرارات، وضعف في الأداء، وإساءة
يومية لكل من ينتمي إلى فلسطين، وما بين أحزاب تجمع بعضها قواسم مشتركة
نظرياً ولكن في الواقع هم مشرذمين، وما بين هؤلاء من يدعى فقط أنه سيد
الشعب الفلسطيني وبطل المقاومة لا يرى الآخرين إلا أقزاما أمامه، وان ما
يمكن أن يعتبر إنجاز للشعب الفلسطيني والقضية لم يكن إلا نتيجة لدوره
نافياً أي دور للآخرين.
في هذا المشهد الدرامي المحزن والمؤسف يجب أن يكون هناك دور للمتفقين
الثوريين الذين لديهم استعداداً عالي للتضحية، ينبغي ان يغادر هؤلاء
المتفقون حالة السكون وموقف المراقب للتصدي لمهمات المرحلة الجديدة
والعمل من اجل إنقاذ تاريخ وثقافة ودماء شهداء وعذابات آلاف من الأسرى
والمعتقلين، وأهات الأيتام وآلام الفقراء الذين تاهوا وأعلنوا عدم قدرتهم
توفير حليب أطفال لأبنائهم.
|