أيتها "المالية" .. لطفاً



عدلي صادق

هناك نحو ثلاثمئة موظف في الضفة وغزة، مرّ عليهم ما بين خمسة وثمانية أشهر، بعد التعيين، وبعد بدء الدوام، دون أن يتسلموا رواتبهم. ومعظم هؤلاء، من موظفي وزارات الخدمات، المؤهلين، الذين يعملون فعلاً، ويدفعون أجور المواصلات، للالتحاق، في كل صباح، بأماكن عملهم، وممن تم تعيينهم بدل شواغر، واجتاز جميعهم، اختبارات التعيين، ولبى شروطه. وكلما اشتكى هؤلاء، من ضيق ذات اليد، ومن العمل دون راتب، لمدة طويلة، كانت تتلاقفهم التعليلات: الوزارات تقول إن المشكلة في المالية، أما المالية فتقول إن المشكلة لدى المجلس التشريعي، الذي أوقف التعيين حتى بدل الشواغر، وسرعان ما تتسرب للموظفين أصحاب العلاقة، أنباء الاستثناءات، وصرف الرواتب، لموظفين دون غيرهم، حتى من دون أن يكون تعيينهم بدل شواغر، لنعود الى الذميمة نفسها: المحسوبية، وغياب مبدأ التكافؤ في الفرص، الذي هو عنصر من عناصر التهدئة والمعالجة، للأزمة الكامنة في بُنية السلطة‍!

* * *

جاءتني صرخة الألم، من نابلس، ومن موظفي الصحة، المُعينين حديثاً، والذين لم يتسلموا رواتبهم منذ ثمانية أشهر. وعندما يتسلم الموظفون، في نابلس المعرضة للاجتياحات، وللمعاناة، رواتبهم، تتوافر إحدى سبل العون للمدينة، ومحيطها، والمخيمات والقرى القريبة الصامدة؛ فما بالنا عندما يكون الموظفون من وزارة الصحة، التي هي وزارة خدمات بطولية وإنسانية، في منطقة تتعرض للفواجع. وقال لي أحد الإخوة، من وزارة الصحة، بصيغة الاستفهام: هل يتحمل هؤلاء، الذين يمنعون صرف رواتبنا، أن يأتي آخر الشهر، وأن يدخل شهر رمضان المبارك، بدون أن يقبضوا رواتبهم. وعندما لا نكون من أهل الخطف، ولا من جماعات احتلال المقرات، لنيل حقوقنا، فمن يضمن لنا صحن الحُمّص، في رمضان؟!

المتصدقون وأهل الخير، ينظرون لهؤلاء الموظفين، الذين لا يقبضون رواتبهم، باعتبارهم موظفي حكومة، ولا تجوز عليهم الصدقة. ويسأل أحدهم: لماذا يرفع المجلس التشريعي، رواتب أعضائه، بنسبة 35% ليصبح ثلاثة آلاف دولار، بدل ألفين؟! أليس السبب هو إحساسهم الزائف بتكلفة المعيشة، وبأن الراتب لا يكفي؟! ماذا، إذن، عنّا، ونحن لا نتقاضى رواتبنا الضئيلة؟

* * *

الأجدر بالمجلس التشريعي، إن كان فعلاً، هو الذي يقف وراء منع وزارة المالية، من صرف رواتب نحو ثلاثمئة موظف، أن يتشاطر على مهرجانات الترقية، التي تترتب عليها نفقات إضافية، لكبار الموظفين. وكان الأجدر بهذا المجلس، أن يترفع عن طلب الزيادة لرواتب أعضائه، وأن يضغط لرفع الفاقة عن معلمي المدارس، وعن الأطباء. وكان الأجدر به، أن يضع تشريعاً، يقرر استرجاع المال العام، من موظفين وهميين، لا يعملون، ومعظمهم من زوجات وبنات المتنفذين وأولادهم، بدل وقف صرف رواتب العاملين الفقراء!

أحد الإخوة قال لي بتهذيب شديد: بلا مؤاخذة، هل يتحمل الوزير الفلاني، أو عضو في المجلس التشريعي، عدم صرف راتبه أو رواتبه ونثرياته، على الرغم مما أنعم الله عليه من به من "خميرة"؟

بالنسبة لديوان الموظفين العام، فقد أدى عمله الإجرائي، وفق مسوّغات التعيين بدل شواغر، واحتسب الموظفين من كادر الجهاز الحكومي. أما المالية، التي تتصرف كأم الوزارات، فإنها تعاملت مع التعيينات، وكأنها أمر لا يُلزمها. وهذه المالية نفسها، هي التي أسعدتها مهرجانات الترقية، وشاركت فيها، لترتفع فاتورة الرواتب الى الضعف، منذ أيلول 2000 وهنا نكون بصدد فلسفة مقلوبة، تنحاز للشرائح المنتعشة أصلاً، وتتسبب تلقائياً، في سد الأفق، في وجه المؤهلين من أبناء الشرائح الفقيرة، باعتبار أن التضخيم الذي تتقبله، لفاتورة الرواتب، هو التضخيم الذي يلبي نزعات المستريحين، لا الذي يلبي حاجات المتعبين، علماً بأن الاستخدام على الشاغر، لا يتسبب في أية زيادات لفاتورة الرواتب!

أيتها "المالية" لطفاً: إصرفي رواتب المستخدمين الجدد، في وزارات الخدمات وغيرها، دون تلكؤ. فلقمة الخبز، التي يأكلها العاملون المُعدمون، أجدر بالاهتمام، من فائض الرواتب لأعضاء "التشريعي" ولجيش الموظفين الكبار، الذين نالوا الترقيات، قبل أن يبنوا ستغافورة!

adlisadeq@yahoo.com

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع