الإعتذار
لا يكفي
سوسن البرغوتي
بما أن الرئيس المنتظر بدأ سلسلة من الاعتذارات للدول العربية الشقيقة
عما بدر من السلطة الفلسطينية
من أخطاء، ولم يكن للفلسطنيين أي صلة بسوء قرارات اُرتكبت بالماضي .
فالأولى أن يبدأ اعتذاره لشعبه عما بدر من السلطة الفلسطينية من إشاعة حالة
التسيب الأمني حديثة العهد، ولينسى شعب المخيمات المحرقة الجماعية في "صبرا
وشتيلا" ولم يكن طرفاً لعقابه بجريمة لم يقترفها، حتى يدعم ممارسات لا تنم
عن مسؤولية قيادة مخلصة في أي سلطة بالعالم.
الأجدر من كلمات الاعتذار العمل على إنشاء لجنة تقصي الحقائق في تركة، يعلم
تماماً بيد من وأي ثمن باهظ دفعه من حق الأبرياء والثكالى ، ليتولى عرش
مسامير دُقت في نعش القضية الفلسطينية. وإقصاء ثلة عاثت في الأرض فساداً في
كوادر السلطة، التي ما لبثت تهدد وتتوعد أن المرشح الأوحد هو المنتخب
الأعظم، و"التطبيل والتزمير" لمن سكت عن مضاربتهم في بورصة لبيع الشعب
والقضية والوطن بأبخس الأثمان، والصمت ضريبة سلطة مهلهلة في ظل احتلال و
سلسلة مرتبطة بأوامر"الباب العالي". وتنازلات من أجل الحصول على امتيازات
تخص تلك الفئة،التي ضربت بعرض الحائط المصالح الوطنية، لتنعم بفتات يمنّه
عليهم الأسياد، أما الشعب الفلسطيني مغيباً من اهتمامات حكم لا سيادة له.
والأهم أن تغلب الحكمة أفواههم بأن يرفضوا مزيدا من الذل باتفاقيات أودت
بالقضية والشعب الفلسطيني إلى عنق الزجاجة يعاني من تداعياتها الآن. وأن
ينقضوا "خربطة" الطريق التي ستفتح باب جهنم على الأمة العربية، في إعادة
تقسيم المنطقة إلى دويلات وقبائل منزوعة الهوية وحق النضال.
للمطالب الشعبية أولوية سلطة تنسجم مع القاعدة الجماهرية، لا أن تتجاهل
إرادته وتمضي قدماً في تحقيق المجد الصهيوني. وفي ظل تلك الاعتذارات
والحملات الدعائية، التساؤل الذي يفرضه واقع ساحة الانتخابات المزمع عقدها،
لما ستجرى انتخابات يعرف الجميع نتيجتها مسبقاً، وبناءً على ماذا؟! ومن هم
هؤلاء المرشحين الذين انسحب أكثرهم، وما بقي يتعرض يومياً للضغط المباشر؟!
ولم تحقق القيادة الفلسطينية العتيدة في هذه الفترة أي تقدم في التحري
وكشف سلسلة أخطاء مشينة تمت بإسم الشعب، وهو غافل عما يحدث في الغرف
السرية!. ما أنجزوه هو التحضير لعملية فرض علني"شاء من شاء ، وأبى من أبى"،
فقد دُربوا أن فرض قرارات تعسفية بالقوة هي الحل الأنجع للهروب من محاسبة
الشعب.
حتى الاعتذار لم يعد له أي معنى إن لم يُتوج بعمل صادق يدعو إلى تحقيق
انجازاً واحداً على أرض الواقع ، ليعرقل المخططات الاستعمارية ونقطة
ارتكازها فلسطين، لتمتد أيدي الأخطبوط ويقبض على رقاب العباد بهمجية
المحتل، ويحقق السيطرة الكاملة على الوطن العربي كله.
فالفترة القادمة تنذر بناء على ما تقدم من إدارة لم تحقق إلا مزيدا من
التورط في عمليات استسلامية، وأن القرارات المركزية لم تكن سوى عملية تلقين
مباشر، أسؤأ ما سيشهده الفلسطينيون في الداخل من قيادتنا المجيدة، وستستمر
المطالبة بشكل يستحيل توقف مزيداً من استنزاف الدماء على الجبهتين الداخلية
والمحتلة. وبترقب السيل الجارف لهيمنة مطلقة على مقدرات وثروات الشعوب،
ليدرك أصحاب الحناجر إلى أي منقلب سينقلبون، وليشعلوا فتيل الفتن،
والمستفيد الأول والأخير هو ما كنا نعتقد أنه عدو مشترك!.
يبقى دور المقاومة الذي سيقلب موازين لعبة ، وتمضي في المسار المشرّف،
ويمضون من يعبثون بحاضر ومستقبل الشعب إلى الهاوية التي رسموها لأنفسهم
"وعلى نفسها جنت براقش". ولن لا يصح إلا الصحيح والتلاعب بقدر أمة ليس من
شأن من لم يُنتخب من أصحاب الحق الشرعيين، والشعب هو المعني ليقول كلمة
الفصل، وليضع الموازيين في نصابها.
ما شهده العالم من ثورات لم يأتِ بها من يدافعون عن مصالحهم وعروشهم،
إنما من يدفعون ثمن حريتهم بالدم والكفاح. ولن تنعم امريكا وعرابة الظلم
والظلام بثروات بلادنا ولا بالسيادة المطلقة على أي بقعة في الوطن العربي
طويلا، وسيخرجون الأحرار من بطون الأرض يحرقون مملكة السراب، ورعاة الذل
والاستسلام. وهو ليس بالأمر المستحدث ، فقد أثبتت كل ثورات الحق بالعالم
أنها القادرة على الاستمرار والمواجهة، وإرداة الشعوب ستخرس كل دعاة صفقة
خاسئة خاسرة.
15/12/2004 |