ألا بواكي لسجناء فلسطين... حتي بين عرب بريطانيا؟

2004/12/02

خالد الحروب
... تتابع محدثتي الإيرلندية حديثها المرير عن حملة مساندة السجناء الفلسطينيين التي تساهم فيها في بريطانيا. تقول، إستضفنا وشاح السجين الفلسطيني السابق من غزة بعد أن قضي أربعة عشر عاماً في سجون إسرائيل ليتحدث في لقاءات حملتنا في بريطانيا. أبكي الجميع عندما تحدث في لندن. يوم أعتقلوه كان عمر طفلته شهران، وكان بينه وبينها عدة مناغات وإحتضان والد شاب لطفلة جاءت للتو إلي الحياة. قال إن ما إكثر ما رافقه منها في سجنه هو رائحتها الطفولية المميزة. عششت تلك الرائحة في أنفه عطراً يبث فيه الصمود، يتذكر عندما كان يلمها إلي صدره. أربعة عشر عاماً وهو يعتاش علي تلك الرائحة التي كانت إكسير صموده. واليوم وبعد أن صافحته شمس الحرية بعد سنوات الإباء تلك يعانق الطفلة الصبية فتثور في أنفه ونفسه رائحة الطفولة تلك يوم أن أسر وكأنها لم تغب لحظة واحدة. تحية وعناق يا طفلة وصبية صمودي.


أضافت، نجحنا في إيصال صوت سجناء فلسطين وأحزانهم إلي البرلمان البريطاني ونظمنا ندوات في قلب مجلس العمــــوم البريطاني. أقنــــعنا برلمانيين كثر بأنه من دون تحرير أولئك السجناء، إنسانياً وسياسياً، وردهم إلي عائلاتهم، فإن أي حل في فلسطين لا معني له. وتحمس بعضهم ووافقوا الآن علي القيام بزيارة ميدانية إلي السجون الإسرائيلية ليروا بأم أعينهم ما يحدث من قتل للإنسانية في تلك السجون. بعد أن يعودا سوف ننشر نتائج زيارتهم وسوف يعطي ذلك زخماً إضافيا لما نقوم به. سوف نوسع الحملة لتطال أوروبا وصناع قرارها.


علي جدول أعمالنا الكثير مما نعمله لنشعر براحة الضمير. لكن يدنا مشلولة! عبثاً حاولنا جمع بضعة آلاف من الدولارات من الجالية العربية في بريطانيا، حتي لا تنكسر إرادتنا ونخذل أولئك الرجال خلف القضبان فتتوقف الحملة. طرقنا باب عرب كثيرين في لندن وغيرها، أفرادا ومؤسسات. شرحنا لهم بالتفصيل اوضاع آلاف السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والمعاناة التي يعانونها وتعانيها عائلاتهم. قلنا لهم إن أعياد أولئك الفلسطينيين منزوعة منها الفرحة وأن أولادهم يكبرون وفي قلبهم غصة، آباؤهم في ظلام السجون. لم ننجح في جمع ذلك القليل الذي نريده. مؤسسات عربية كبري تمثل العرب حكومات وشعوبا تبرعت لنا بمئتي دولار! تصور! الإغنياء العرب الذي ينفق بعضهم في عشاء فاخر في فندق فاخر من فنادق لندن أكثر من كل الميزانية التي نطمح إليها صدونا متعللين بأن أوضاعهم المالية ليست علي ما يرام. آخرون لم يكونوا أكرم في صدهم لنا، واعلنوا جبنهم وخوفهم من مساندة حملة سياسية . قلنا لهم إن الجماعات المؤيدة لإسرائيل في بريطانيا وأوروبا تعمل في وضح النهار وبكل جرأة لدعم المصالح الإسرائيلية السياسية، وأن من حقهم كما لا ضير عليهم المشاركة ولو بالمال إن عز الجهد. لكن، لا حياة لمن تنادي. بصراحة، أرقت ماء وجهي إلي أقصي حد ممكن أن تتخيله، ولم أكن أتصور يوماً هذا الشح العربي المدهش.


أيها الصامدون برغم تخاذلنا، تحية إعتذار منكم. نرسل لكم من لندن، كما من كل عواصم العرب والعجم، رسالة خذلان موقعة بالتعاسة. لستم أنتم السجناء، إنما نحن. أنتم وحدكم الأحرار وكلنا سجناء جبننا وبؤسنا وإرتعاشات أصابعنا وهي تتردد أمام جيوبنا المنفوخة وبطوننا المنفوخة وأوداجنا المنفوخة نقداً في تخاذل حكوماتنا. أيها الأحرار، نفاجئكم بإكتشاف مذهل ذاك أننا من نفس طينة حكوماتنا إن لم نكن أسوأ: نجعجع ليل نهار لأنها حكومات متخاذلة، ولا نفعل سوي منافستها في الخذلان.


أغنياؤنا وفقراؤنا في بريطانيا خذلوكم بعشرة آلاف دولار! أغنياؤنا سفحوا ماء وجوه مناصرينا من البريطانيين والإيرلنديين في مكاتب سكرتيراتهم إنتظاراً وتسويفاً ثم إعتذاراً عن ضيق الوقت وعدم إمكانية المقابلة. فقراؤنا هنا إزدادوا شكوي ولطموا خدودهم وقصرت اياديهم علي قصرها حتي عن تقديم أقل القليل. لم يذبحوا خيلهم ليقدموا لكم بقايا مروءة. حاتم الطائي أخذ معه يوم مات كل المروءات.


محدثتي الإيرلندية شبه نبية، لأن إصرارها علي مناصرتكم أقوي من بخلنا. من أين جاءت بكل هذه العزيمة؟ من روعتكم وصمودكم وقصصكم. من نسج الحياة بخيوط العزة التي تفيض كالشمس من زنازينكم فتخرج إلينا لتكشف عوراتنا نحن المساجين في الخارج. محدثتي الإيرلندية وأصدقاؤها الذين يغلي في صدورهم ضمير إنساني حي تعرف عنكم الكثير، أكثر مما نعرف عنكم. وتعمل من أجلكم أكثر مما تتسع له طاقة ملايننا التافهة. مات أبو حاتم الطائي وخيله، هنا يلتقط راية دعمكم أبو حاتم وأم حاتم وآخرون ليسوا من سلالة الطائي. ليس عندهم خيل يذبحونها، عندهم ضمير لا ينام.


سيدتي، تصفعينني بكلماتك إذ تسألين كيف لي أن أساعد! هل بالإمكان أن نثير المسألة في الإعلام فلربما نعثر علي قاريء أو كريم أو سليل طائي يضع يده في يدنا؟ هل تعتقد أن القضية التي ندعمها تحظي بدعم الناس عندكم؟ أنا مندهشة من التكاسل الهائل في عيون وجهود من نتحدث إليهم من العرب. هل تعتقد أن غنياً عربياً واحداً ربما يقرأ كلمات مقالك فتثور فيه مشاعر ما؟ طبعاً تصفعينني بكلماتك يا سيدة الأنصار. لأنه طبعاً هناك آلاف وآلاف ممن غرفوا من نفس الجرح وذاقوا ذات المرارة واقفون الآن علي خط نار الإسناد. قلت لها: كان الحظ العاثر فقط هو الذي قادك إلي أولئك البخلاء! كنت أدافع عنك يا أبا حاتم! كنت أدافع عن كل الذين لا تعرف شمالهم ما تكرم به يمينهم. كنت أدافع عن وجوه ناس لا يحصون لا أعرف كثيرهم، لكني أعرف القليل منهم. قلت لها قولي لـ وشاح إن رائحة الطفولة الندية التي عششت في ثنايا أنفه أربع عشرة سنة هي ذاتها في أنوف ملايين يريدون أن يساعدوا كل وشاحات العز الأخري لكن لا يعرفوا كيف. قلت لها كثيرون سوف يتصلون بكاتب هذه الكلمات ويطلبون أسمك وتفاصيل الحساب البنكي لجمعية مساندة السجناء الفلسطينيين في لندن، وسوف ترين. سوف ترين أن لأولئك الأبطال الصامدين ما زال أنصار وأشقاء يتلقفون الفرصة كي يعلنوا عن إسنادهم. فيهم بقايا عنترة وحاتم ومروءات كريمة. قلت لها ما قلت، ووعدتها بما وعدت، وكتبت الآن ما كتبت، ويدي علي قلبي!


كاتب واعلامي من فلسطين يقيم في كامبردج

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع