الرد هو المقاومة وحل السلطة

2004/04/15


عبد الباري عطوان

نسف الرئيس الامريكي جورج بوش امس كل آمال السلام والاستقرار في المنطقة العربية والعالم عندما تبني طروحات ارييل شارون بالكامل، وتعهد بدعم يهودية الدولة العبرية، والقبول بوجود مستوطنات في الضفة الغربية، واسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحصره فقط في حدود الدولة الفلسطينية المتوقعة.


في الماضي كانت اسرائيل تطالب بالاعتراف مقابل السلام، وبعد ان حصلت عليه، أي الاعتراف، طرحت شعار الارض مقابل السلام ، والآن، وبعد ان ضمنت الارض، باتت تطرح شعار اللاجئين مقابل السلام ، وها هي تحصل علي تعهد من الدولة الأعظم في العالم باسقاط جوهر القضية الفلسطينية، الذي هو حق العودة لستة ملايين لاجئ فلسطيني.


الرئيس بوش برضوخه لمطالب شارون اعلن الحرب مجدداً علي العرب والمسلمين، وأكد انه لا يعير أي اعتبار للزعماء العرب او حكوماتهم، ولا يري العالم إلا من منظار الدولة العبرية ومصالحها في الأمن والاستقرار والتوسع.


والغريب ان الرئيس بوش يقدم كل هذه التنازلات، التي تشكل خروجاً علي قرارات الشرعية الدولية، وتناقضاً مع خريطة الطريق التي تتبناها حكومته، بعد يومين من اجتماعه مع الرئيس حسني مبارك، رئيس أكبر دولة عربية، فهل يا تري حصلت صفقة بين الرجلين، أي ان يوافق الرئيس مبارك علي وعد بوش الجديد للاسرائيليين مقابل البقاء في الحكم، ووقف الضغوط الامريكية علي صعيد الاصلاحات الديمقراطية؟


بمعني آخر، هل نجح التكتيك الامريكي ـ الاسرائيلي بشأن الاصلاحات الديمقراطية والشرق اوسط الكبير في ارهاب الانظمة الرسمية العربية، والنظام المصري بالذات، للقبول بشروط شارون كبديل للبقاء في الحكم، ومواصلة سياسات القمع ومصادرة الحريات، ونهب ثروات البلاد.


تعهدات الرئيس بوش لشارون هذه تمثل صفعة للنظام الرسمي العربي، مثلما تمثل صفعة للمعتدلين في السلطة الوطنية وخارجها، وتصفية للقضية الفلسطينية بثمن رخيص ومهين.

نشعر بالغضب والاحباط ونحن نري الرئيس بوش الذي يمثل النموذج الأمثل في العالم للتعددية الثقافية والعرقية والدينية يتبني النموذج العنصري الاسرائيلي، باصراره علي يهودية الدولة العبرية.


امريكا قامت علي التعايش بين الاديان والاعراق والثقافات والالوان، علي أسس المساواة في الحقوق والواجبات، وكنا نأمل ان يعمل الزعماء الامريكان علي تعميم هذا النموذج الأنجح في العالم، ولكن آمالنا خابت ونحن نري الرئيس بوش ينحاز للعنصرية الدينية والعرقية والثقافية في ابشع صورها، ويساند الارهاب واسوار الفصل، ونهب اراضي الآخرين وتعديل الحدود، دون أي اعتبار لآلامهم ومعاناتهم وطموحاتهم في حياة كريمة علي اراضيهم.


الرئيس بوش، وبمثل هذا الموقف العدائي المهين للعرب والمسلمين، انما يصب الزيت علي نيران التطرف، ويقدم المبررات للعنف، ويهيئ البيئة الملائمة للجماعات الاسلامية المتشددة، مثل تنظيم القاعدة لتجنيد الآلاف من الشبان الاستشهاديين.


والسقطة الامريكية هذه المغالية في احتقارها واذلالها للفلسطينيين تجعل من حركتي حماس والجهاد حركتين معتدلتين بل غارقتين في الاعتدال حينما تؤسس لظهور تنظيمات اكثر تطرفاً من القاعدة نفسها.


فطالما تصر الادارة الامريكية الحالية، التي تدعي محاربة الارهاب، علي وضع اسرائيل فوق كل القوانين والشرائع وتساند ارهابها واطماعها التوسعية، فان عليها ان تتوقع حصد ثمار سياساتها هذه ارهاباً ودماراً في العراق وافغانستان، وربما داخل الولايات المتحدة نفسها.


بقي ان نطالب السلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات باتخاذ موقف حازم في مواجهة هذا الانحياز الامريكي السافر للعدوان الاسرائيلي. وأقل ما يمكن ان يفعله الرئيس عرفات في هذا الخصوص هو عقد مؤتمر صحافي عالمي والاعلان عن حل السلطة، وانتهاء العملية السلمية.

الشعب الفلسطيني لا يمكن ان يقبل التنازل عن حق العودة، وقبول أي مستوطن اسرائيلي علي ارضه، فالرئيس بوش، مهما علا شأنه، ومهما بلغت قوة بلاده، لا يملك حق اسقاط حقوقنا في العودة الي وطننا، وتكريس الاستيطان غير القانوني علي ارضنا.


وعد بلفور اقام دولة لليهود علي ارض فلسطين، ووعد بوش سيكرس نظرياً سياساتها الارهابية التوسعية، ولكن هذه الدولة لن تنعم بالأمان والاستقرار، ولن تحميها كل الاسلحة الامريكية. فالشيء الوحيد الذي يعطيها الشرعية ويحقق لها الأمن، هو السلام العادل المقبول من الشعب الفلسطيني.


الفلسطينيون، ومن خلفهم العرب والمسلمون هم الوحيدون الذين يمنحون اسرائيل الشرعية والضمانات بالأمن، وليس الرئيس بوش الذي سيغادر سلطته بعد اشهر. وما فعله بوش امس هو اشعال فتيل الحرب، وقتل الاعتدال وكل أمل بالتعايش والسلام في هذه المنطقة الملتهبة اساساً.


بعد الاستماع الي تعهدات بوش هذه بات من الصعب علينا كعرب ومسلمين ان لا نكره هذه الادارة الامريكية التي تذكي نار العنف والارهاب بسياساتها العنصرية المنحازة ضد الضعفاء والمقهورين.


لا بديل امام الفلسطينيين غير المقاومة، مقاومة الاحتلال ومقاومة هذا السلام الامريكي المسموم

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع