فتح الحدود
أم
إغلاقها؟
زياد ابوندا - كندا
لم يهنأ الاحتلال طويلا ولم يدم حلمه سوي لحظات، فأهل القطاع حولوا حلمه
الى كابوس، حلم الاحتلال بان تكون غزة اكبر سجن في العالم تحيط به الاسوار
من كل جانب، لكن الغزاويين حطموا كل احلامه مع اول ثغرة حفروها في جدار
الفصل الذي بناه بينهم وبين اشقائهم المصريين في الطرف الاخر.
لم تدم الحكاية طويلا فما ان رحل الاحتلال حتى تقدم الناس غربا ليجدوا بحرا
مشتاقا لهم وبعد ان غسلوا اجسادهم بمياه البحر واستنشقوا على شواطئه نسيم
الحرية التي طالما حلموا بها توجهوا الى الشق الاخر من الوطن ليجدوا اشاوسا
قد حطموا جزءا الجدار الفاصل بين الانسان العربي ونفسه، اندفعت الجماهير
نحو اخوانها في مصر معلنة انه لن يفرقنا شي بعد الان.
اسرائيل ذهلت من هذا التطور فهي التي حرصت دوما على ان لا يرى الفلسطينيون
فرحة وراهنت على ان غزة ستكون صومالا جديدا داخل اقفاص حديدية، ولم تخرج من
ذهولها سوى باعلان غبي داعية مصر والسلطة لتحمل مسئولياتهما على المعبر
وعلى الحدود وكان مصر والسلطة لم تخلقا الا لحماية الحلم الاسرائيلي.
كان الموقف ايضا مفاجئا لحرس الحدود المصريين فهم لم يتوقعوا ان تهجم
الجماهير الفلسطينية بالالاف من اجل معانقة ابناء وتربة النيل ورغم
المفاجأة الا ان الكريم كريم بطبعه فاستقلبوا الفلسطينيون حسن استقبال في
ارضهم وبين شعبهم في رفح والعريش. واتخذ قادة مصر موقفا شجاع فاعلنوا ان
دخول الفلسطينيون الى رفح عاطفة لا يمكن ان يحبسها احد، وشعبها استقبل
الفلسطينيون خير استقبال ولم يتوانوا هم (المصريين) في قطع الحدود وزيارة
غزة.
لم يستغرب احدا على اسرائيل ردة فعلها الغاضية على فتح الحدود وتدفق
الجماهير الفلسطينية الى مصر والجماهير المصرية الى فلسطين فالمسألة كما هو
معلوم ليست مسألة تهريب سلاح كما تدعي اسرائيل، بل ان اسرائيل -التي ادمنت
على ساديتها بقتل وتعذيب وخنق الفلسطينيين وحلمهم - لم يرق لها ان تنطلق
الجماهير حاملة فرحتها عبر الحدود.
الغريب هنا موقف (أطراف في) السلطة الفلسطينية حيث جاءت ردة فعلهم مستنكرة
وشاجبة لعملية دخول الجماهير الى العريش واصفة الموضوع بالفوضي الامنية
والانسياب الامني، غريب ان يصدر هذا عن السلطة، هل كان سجن الفلسطينيين في
سجن كبير التزاما امنيا فيما كانت حريتهم فوضي؟ هل كان بناء الجدار الفاصل
بين شقي الوطن رفح الفلسطينية ورفح المصرية تعميرا فيما كان هدم جزء منه
فوضى وتخريب؟؟
لماذا تصر (اطراف معينة في) السلطة على الوقوف (ضمن مبررات وذرائع واهية)
ضد رغبة الشعب في الالتفاء باشقائه المصريين؟ لماذا تصر السلطة على الابقاء
على الجدار الاسمنتي الذي زرع خصيصا كي يقتل اي نظرة في الامل او الحرية
للفلسطينيين؟ اليس الاجدر بالسلطة البدء بهدم هذا الجدار بدلا من ترك زمام
المبادرة للفصائل الفلسطينية ومن ثم بث الاعلان اليومي لوزارة الداخلية بان
السلطة ستقف بحزم ضد عمليات التخريب؟؟
سيقول قائل ان السلطة تخشي من تهريب المخدرات عبر سيناء الى غزة سأقول لهم
ان الحدود بين المكسيك وامريكيا تشهد محاولات تهريب اطنان المخدرات يوميا
وتفشل هذه العمليات دون بناء جدار عازل بين البلدين ودون اغلاق الحدود
بينهما، سيقول قائل ان اسرائيل ستغضب من فتح الحدود لان في ذلك تهديدا
لامنها؟ فأقول وهل حصلنا على الحرية من اجل راحة وطمأنينة اسرائيل التي
تحتل ما تبقى فلسطين وهل نحن مطالبون بأن نسهر على حماية امنها وسلامتها؟؟
واسأل هنا هل تستطيع السلطة ان توفر سبيلا اخر للفلسطينيين للدخول الى مصر؟
هل يمكن للسلطة ادارة المعبر بعيدا عن عيون الرقباء والدخلاء؟ اليس مصر
بلدا عربيا؟ الم تنشأ الثورة الفلسطينية على قواعد القومية العربية التي
قالت "امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة؟" اليست الحدود مفتوحة بين مصر
والسودان (لا تعجبوا فالمصري يدخل السودان فقط على بطاقة هويته وكذا
السوداني يدخل مصر على بطاقة الهوية دون الحاجة الى جواز السفر او تأشيرة
دخول) والامر ذاته على الحدود المصرية الليبية.
أليس من العيب ان يدخل اليهود مصر (والحديث عن طابا)
بالالاف دون حسيب او رقيب دون طلب لهوية او لجواز سفر او تأشيرة فيما
يستنكر العالم (ومنهم اطراف في السلطة) ذلك على الفلسطينيين؟
اليس من حق الفلسطيني ان يرتاح لمرة واحدة من عناء كونه فلسطينيا في
المطارات والمعابر .(طبعا لمن لا يعلم فان مجرد كونك فلسطيني هي تهمة جاهزة
بالارهاب في اي مطار أو معبر في العالم (وخصوصا العربية منها) وهو تصريح
مفتوح لضباط الامن في كل مطارات العالم بممارسة اقسى واقصى اشكال الاذلال
والتحقير تجاهك)! الا يكفي المعاناة التي يسببها الاحتلال ويتكبدها
الفلسطينيون في كل سفرة او تنقل بين مدن واطراف الوطن ؟ لماذا يستطيع
المواطن التجول في اكثر من 30 دولة اوروبية دون ان يوقفه حاجز او موظف
جمارك او حتى سيارة شرطة فيما يطلب من الفلسطيني البقاء ضمن حدود رسمها
استعمار سايكس بيكو وبناها بالاسمنت المسلح الاحتلال الاسرائيل؟ لماذا لا
تستغل السلطة هذه الفرصة لفتح افاق التبادل التجاري بين الاشقاء بدلا من
الاعتماد على المنتجات الاسرائيلة والتي تتحول اثمانها الى رصاصا يقتل
ابناء فلسطين في كل مكان؟ اليس من مصلحة السلطة الرخاء الاقتصادي للشعب؟
الم يشعر الشعب الفلسطيني بالفارق الهائل في الاسعار ما بين المنتوجات
الاسرائيلة والمصرية؟ اليس فتح الحدود دعما للاقتصاد الفلسطيني والمصري في
آن واحد ومحاولة لاستغناء السوق الفلسطينية عن المنتوجات الاسرائيلية؟ ان
السلطة الفلسطينية مطالبة بالعمل بجدية (بدلا من الاعلانات اليومية لوزارة
الداخلية بحفظ الامن ومعاقبة المخالفين) بالعمل على تسهيل حياة المواطنين
بالبدء بهدم الحدود الاسمنتية التي بناها الاحتلال وفتح المعابر بكاملها مع
الاشقاء في مصر وعدم التجاوب مع اي دعوة اسرائيلية للتضييق على المواطنين
تحت اي ذريعة، كما وان السلطة مطالبة بتوقيع اتفاقيات متبادلة مع
مصر تسمح للفلسطينيين بدخول مصر دون جواز سفر او تأشيرة دخول اسوة
بالسودانيين او الليبيين او حتى الاسرائيليين وكذا الحال مع اخواننا
المصريين ولعل الاهم من ذلك فتح التبادل التجاري باقصى قوة ممكنة دعما
لاقتصاد مصر وفلسطين. وان لم تقم السلطة بذلك فالايام كفيلة باثبات ان
الشعب الفلسطيني يأخذ بيده زمام اي مبادرة اذا ما افلتت من يد السلطة
وعندها ستكون السلطة في موقف لا تحسد عليه اطلاقا.
|