مقدمة
لم أكن أفكر أن أكتب حول الموضوع حيث إعتقدت أن واجبي كمحام مكلف
بالدفاع عن الرفيق المناضل أحمد سعدات أن ألتزم الصمت ما أمكن
ذلك. إلا أن الذي الجأني للكتابة ما نسب لرئيس السلطة الفلسطينية
قوله أن إقتحام سجن أريحا جريمة لا يمكن أن تغتفر!
إن هذه المقولة توحي للمستمع والقارئ أن السلطة الفلسطينية لا
علاقة لها بالحدث وأنها تستنكر ما وقع ، وكأنها لم تساهم فيه.
إن الأمانة التأريخية تقضي بسرد القضية بالكامل ليعرف القاصي
والداني حقيقة ما جرى وكيف وصلنا في هذا الفصل إلى ما وصلنا إليه
، وقد يقول من يقول أن لا مصلحة تجنى من كشف الحقائق ولكني لا
أتفق في ذلك حيث أرى أن المسرحية السياسية والصفقات التي تعقد في
أوربا وبعض العواصم العربية بلغت حد الخيانة للقضية.
خلفية الإعتقال
قامت ، إثر إغتيال الرفيق أبو علي مصطفى ، مجموعة من مناضلي
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالإقتصاص من الدولة الصهيونية
فأستأصلت وزير السياحة الإسرائلية الذي كان يدعو للتهجير القسري
لكل الفلسطينيين. ولم يكن عمل المناضلين ذلك سوى تطبيق حرفي للنص
التوراتي في القصاص ، أي التعامل مع أولئك الناس وفق شرعتهم.
وقد وجدت السلطة الصهونية في ذلك فرصة جديدة للتخلص من خصومها
فطالبت بالرفيق أحمد سعدات متهمة إياه بتدبير عملية قتل وزيرها.
وقد جرت الأحداث في ظل الصفقات التي كانت تديرها الولايات
المتحدة وبريطانيا مع ياسر عرفات. وتلخيصا لسياق الحدث أذكر
أدناه سير الأحداث.
إن ما أرويه هنا هو ما
سمعته من الرفيق أحمد سعدات ، فإذا كان أحد لديه ما يناقض هذا
السير فليأت به وإلا فليسكت!
1.طلب
توفيق الطيراوي المدير العام لجهاز المخابرات الفلسطينية
الإجتماع مع الرفيق أحمد سعدات للتباحث في بعض المسائل التي تخص
الشأن الوطني.
2.
جرى اللقاء في أحد فنادق رام الله يوم 15 كانون الثاني 2002.
وقبل بدء اللقاء أستدعي توفيق الطيراوي إلى مكتب عرفات وحين عاد
كان يحمل معه أمر إعتقال أحمد سعدات بتوقيع ياسر عرفات!
3. إقتيد
الرفيق أحمد سعدات إلى مبنى المقاطعة حيث جرى إحتجازه في مكتب
اللواء نصر يوسف ، قائد أحد الأجهزة الأمنية.
4.
بعد أيام نقل الرفيق سعدات إلى مقر قوات الفرقة السابعة ، التي
تعرف بحرس الرئيس ، حيث أبقي عليه محجوزا هناك.
5. أصدر
النائب العام خالد القدرة قرار إدانة بإعتقال الرفيق سعدات وطالب
بالإفراج الفوري عنه ، إلا أن الأمر لم ينفذ.
6. إجتاحت
القوات الصهوينة يوم 29 آذار 2002 مقر المقاطعة وحاصرت مكتب
عرفات.
7.
نقل الرفيق أحمد سعدات للحجز في مكتب الرئيس ياسر عرفات.
8.
طلبت السلطة الصهيونية تسليم سعدات ورفاقه المجوزين في رام الله
والمناضلين الذين إلتجأوا إلى كنيسة المهد في بيت لحم مقابل
الإنسحاب من حول المقاطعة.
9.
جرت المفاوضات بتوسط الأشخاص التالية أسماؤهم: ابو مازن ، محمد
دحلان ، صائب عريقات ، ياسر عبد ربه ، محمد رشيد ، الأمير عبد
الله (وكان يزور بيته الثاني في واشنطون) ، عمري شارون ، توني
بلير.
10. حاولت
السلطة الفلسطينية ، خوفا من الشارع الفلسطيني ، أن تتفق على
تسليم الآخرين بإستثناء الرفيق أحمد سعدات واللواء فؤاد الشوبكي.
إلا أن الصهونية ، التي تعرف ما تريد ، رفضت.
11.
رضخت السلطة الفلسطينية للقبول بالمقترح الصهيوني الذي تقدمت به
بريطانيا والولايات المتحدة لحجز المناضلين بشكل دائم نيابة عن
السلطة الصهيونية. وتم الإتفاق على ما يلي:
أ. حجز المناضلين في سجن أريحا.
ب. يكون الحجز دائميا.
ت. يشرف على الحجز سجانون أمريكيون وبريطانيون.
ث. تحرير حركة عرفات وإنهاء حصار المقاطعة.
12.عرض
محمد دحلان على الرفيق سعدات تفاصيل الإتفاق سائلا رأيه فيه ،
فرد سعدات بأنه ما دام يعترض على حجزه غير القانوني في الأساس
فكيف سيوافق على إستمرار الحجز بموجب الصفقة الجديدة.
13.
نقل أحمد سعدات ورفاقه يوم 1 مايس 2002 بواسطة سيارات تابعة
للسفارة الأمريكية تحت حراسة بريطانية وأمريكية إلى سجن أريحا
المركزي حيث وضع في قسم منفصل من السجن تحت إشراف وحراسة
بريطانية.
14.
رفع محامو أحمد سعدات دعوى أمام محكمة العدل العليا الفلسطينية
، والتي أصدرت قرارا في 3 حزيران 2002 يقضي بالإفراج عنه ، إلا
أنه لم ينفذ كما حدث في قرار النائب العام قبله.
15.
تبع قرار المحكمة الفلسطينية بالإفراج عن أحمد سعدات تحذير من
السجان البريطاني بعدم ترك السجن لأن الإتفاق الموقع بين الأطراف
الأربعة لا يجيز ذلك.
16.
كان القنصل البريطاني العام في القدس قد زار السجن وأبلغ أحمد
سعدات رسالة مشابهة.
17.
برر أبو مازن لاحقا ، في حديث لإحدى الصحف ، قرار حجز أحمد سعدات
غيرالقانوني بقوله إنهم كانوا أمام خيارين إما إقتحام المقاطعة
بكل ما ينجم عنه من خسائر أو توقيع إتفاق الحجز الدائم. وإعتبر
أبو مازن تلك مساومة مشروعة وناجحة.
18.
ظل أحمد سعدات ورفاقه في سجن أريحا أسرى السلطة الفلسطينية
والسلطة الصهيونية والسلطة الأمريكية والسلطة البريطانية منذ 1
مايس 2002.
19. حين
أحس الصهاينة بإحتمال قيام حكومة حماس بإطلاق سراح سعدات ورفاقه
من الحجز غير القانوني سارعوا للإتفاق على سحب السجانين
الأمريكيين والبريطانيين قبل الإقتحام الإسرائيلي ، وما حدث بعد
ذلك يعرفه الجميع.
أسئلة تبحث عن أجوبة
إن السؤال الذي سيظل لعنة ملحة في سجل السلطة الفلسطينية ، يبحث
عن جواب ، هو لماذا أمر ياسر عرفات يوم 15 كانون الثاني 2002
بإعتقال أحمد سعدات؟ وهل أن واجب السلطة الفلسطينية مساعدة
الصهوينة في تحقيق مشاريعها في إستئصال المناضلين الحقيقيين؟
ثم لماذا يستنكر أبو مازن ما قامت به الصهيونية من إقتحام سجن
أريحا وإعتقال سعدات ورفاقه؟ ألم يساهم هو في إعتقال سعدات دون
وجه حق وحجزه لأربع سنوات دون وجه حق؟ ألم يقم هو بتسليمه
للصهيونية من خلال حجزه غير القانوني؟ ثم لماذا لم يفرج أبو مازن
عنه منذ تسلمه الرئاسة ، ترى أكان أبو مازن يريد للمناضل سعدات
أن يموت في السجن مادام قرار الحجز نص على ديمومته؟
أم أن النفاق العربي لا يعرف الحدود؟
"إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك
لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون"
والسلام |