افتنا يا أبا مازن .. بماذا نقاوم الاحتلال ؟!!.

موسى راغب

لطالما ردد محمود عباس مرشح فتح في حملاته الانتخابية ما معناه : عسكرة الانتفاضة .. مرفوضة  ، صواريخ القسام .. مرفوضة ، العمليات الاستشهادية .. مرفوضة ، مبدأ استخدام السلاح ضد المحتل مدنياً كان أم عسكرياً .. مرفوض ، فبالله .. بماذا يقاوم شعب فلسطين جرائم شارون وطغيان جيشه واستعلاء شعبه ، وهو يثبت كل يوم أنه يرفض السلام الذي يعيد للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم ؟!! .

يعلم عباس أن الإنسان الفلسطيني لا يريد القتال من أجل القتال لأنه المتضرر الأكبر منه ، لكن إسرائيل وقياداتها المتوالية تصر ، بممارساتها الإجرامية ، على إقناعه بأن المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد المتاح أمامه ...

الإنسان الفلسطيني لا يهيم بشعارات فتح ، ولا تأسره مبادئ حماس ، ولا يخدعه تنظير المنظرين ووعود السياسيين ، وإنما يهمه العمل من أجل إقرار سلام دائم وعادل وشامل ومشرف .. يحفظ له الحد الأدنى من حقوقه التي سلبت منه عنوة ...

الإنسان الفلسطيني المطحون في الداخل والمهان في الخارج ، يريد أن يحيا مثل سائر خلق الله  بهامش من الحرية ، يشعره بأنه ما زال إنساناً يعيش على أرضه ، حافظاً لكرامته ، معتزاً بإنسانيته ، متمتعاً باستقلاليته واستقلاله ...

وحين يلجأ الإنسان .. أي إنسان لخيار السلاح في مقاومة الظلم والجور الذي يوقعه به الغير ، يكون قد استنفذ كل الخيارات الأخرى .. وهذا هو حال الشعب الفلسطيني الآن وقبل الآن في مواجهته مع إسرائيل .

لقد تكوّن في ضمير الفلسطينيين بكل فئاتهم وفصائلهم ، أن إسرائيل لا تريد السلام الذي يعيد لهم الحد الأدنى من حقوقهم ، فكلما لاحت في الأفق بارقة أمل في الوصول إلى اتفاق حول بعض القضايا ، ويخال الناس والمجتمع الدولي أن مسيرة السلام بدأت تؤتي النذر اليسير من ثمارها ، يقوم الإسرائيليون بعمل إجرامي يجتاحون فيه القرى والمدن الفلسطينية .. يجرفون الأرض ويقلعون الشجر والحجر ، ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها .. متدثرين بمقولة "محاربة الإرهاب" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية ذات الايديولوجية اليمينية المتطرفة ، واستهدفت فيها الشعوب العربية والإسلامية ، وباركتها إسرائيل .

لكن عباس ، يبدو بتصريحاته ومواقفه من عسكرة الانتفاضة ودعاوى القضاء على فوضى السلاح وغيرها .. يبدو أن لديه رأياً آخر مؤداه أن : شارون وحكومته هم من الثقاة الذين يؤتمن جانبهم ويوثق بعهودهم ووعودهم التي طالما نكثوا بها ، وإن فصائل المقاومة التي تدفعها إسرائيل على حمل السلاح دفعاً ، وتتجرع والشعب الفلسطيني كل يوم كئوس القتل والاغتيال والمهانة والإذلال ، هي - في عرف عباس - مخطئة في مواقفها ، ويتوجب عليها التخلي عن السلاح في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي .

عجيب أمرك يا أبا مازن !!!.. نعرف وتعرف ويعرف الجميع أنه من غير المسموح لك أو لغيرك من قادة السلطة ، أن تتجاوزوا الخطوط الحمراء التي رسمتها لكم حكومات إسرائيل بموجب اتفاق أوسلو الذي وأده شارون ، إن أردتم أو غيركم أن تكونوا شركاء لإسرائيل في تناول القضايا العالقة بين الطرفين .

ونعلم وتعلم أن أول تلك الخطوط الحمراء ، عدم اللجوء للسلاح في مقاومة الإسرائيليين ، سواءً كانت موجهة للعسكريين منهم أو المدنيين . فإسرائيل وأمريكا تعتبر المقاومة إرهاباً يجب استئصاله بالقوة ، والمطلوب الشريك الفلسطيني ليس مجرد الوصول لاتفاق لوقفها أو تعليقها بالتفاوض والتفاهم . فحين أيقنت حكومة إسرائيل من فشلها في تحقيق ذلك بنفسها ، لجأت في السابق إلى بعض القادة في السلطة الذين حاولوا آنذاك وقف المقاومة بالقوة ، لكنهم فشلوا .

وها هي اليوم تأتي لتعاود الكرّة ثانية معك لعلها تنجح فيما فشلت فيه مع عرفات رحمة الله عليه ، الذي أدرك أن الاستمرار في محاولة تنفيذ هذه الجريمة يعد انتحاراً سياسيا مؤكداً ، فتجاوز بمواقفه العملية المحظور الإسرائيلي في هذا الشأن ، فكان مصيره الاغتيال بالسم إن صح ما يقال .

والآن ، وأنت تطلق مقولاتك الشهيرة حول ضرورة وحتمية وقف "عسكرة الانتفاضة" ، مقرونة بتعهداتك المتكررة حول إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، يخال المرء أنك واثق تماماً من أن إسرائيل سوف تتنازل عن أهدافها ومخططاتها الاستيطانية في أراضي الضفة الغربية ، وتغيّر من مواقفها المتعنتة من قضايا الحل النهائي التي ما زالت قائمةً تنتظر الحل . فإذا صح هذا التخيل ، فمن أين جاء لك هذا اليقين به؟!!.

لا نعتقد أنك من السذاجة بحيث تضع نفسك في موقف أقل ما يوصف به أنه خطر وغامض . فمن الواضح لك قبل غيرك أنك الآن بين خيارين لا ثالث لهما : فإما أن تعمل على وقف عسكرة الانتفاضة بالقوة لتحظى بذلك على رضا إسرائيل وأمريكا ، مقابل احتمال قوي بإثارة اقتتال فلسطيني - فلسطيني يجري بين فصائل المقاومة وقوات الأمن التابعة للسلطة التي من المقرر أن ترأسها ، وإما أن تتجاوز هذا الخط الأحمر ، فتلقى ذات المصير الذي يقال بأن سلفك لقيه على يدهم حين أصر عملياً على تجاوز هذا المحظور ..

فما الذي يدفعك والحال هذه للقبول بهذا الموقف العصيب ، وأنت تعلم تماماً أن إسرائيل وأمريكا لن تتنازلا عن خططهما حيال المنطقة العربية بعامة والأراضي الفلسطينية المحتلة بخاصة ، ولن تقدما لك تنازلاً جوهرياً يبرر أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي مواقفك هذه؟!.

أنت تعلم أكثر من غيرك أن العمليات الاستشهادية التي قامت بها فصائل المقاومة  طيلة سنوات الانتفاضة الأربع بما في ذلك كتائب شهداء الأقصى - الجناح العسكري لحركة فتح ، لم تكن سوى وسيلة للردع والرد على الجرائم المروعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين ، والتي طالت كل فئات الشعب الفلسطيني بأطفاله ونسائه ورجاله وشيوخه دون تمييز ، ودمرت الشجر والحجر وخرّبت الزرع والضرع .

تذكّر يا أبا مازن أنك حين تلفظت في حملاتك الانتخابية مؤخراً بعبارة "العدو الصهيوني" لم تثر حفيظة الإسرائيليين ، واعتبروا استخدامك لهذه العبارة - وهي من المحظور على الشريك الفلسطيني الذي يتفاوض مع إسرائيل استخدامها - من قبيل الدعاية الانتخابية ، وتركوا في الوقت ذاته للإدارة الأمريكية وفي إطار توزيع الأدوار بينهم وبين الأمريكيين ، مهمة تحذيرك من أن تأخذ هذه العبارة على محمل الجد عند اعتلائك رئاسة  السلطة الفلسطينية ، بعد نجاحك المقرر سلفاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة .

وتذكّر يا أبا مازن أنك لم تتحدث بوضوح وقوة في برنامجك الانتخابي عن حق العودة ، بما يفيد تمسكك بهذا الحق كثابت فلسطيني غير قابل للتغيير أو التحريف أو التأويل أو المساومة . فأنت تعلم أن أكثر ما يقلق إسرائيل ، هو إصرار المفاوض الفلسطيني على التمسك بهذا الحق ، لأن تنازل الفلسطينيين عنه يعني الاعتراف العملي والقانوني الكامل وغير المنقوص بشرعية اغتصاب اليهود للأرض الفلسطينية التي احتلوها عام 48 ، والتي أقاموا عليها كيانهم العبري "إسرائيل". صحيح أن تطبيق هذا الحق يعتبر من المستحيلات في زمن الانحطاط العربي ، لكن التنازل عنه يعتبر أحط من الانحطاط ذاته ، ولن تغفر الأجيال القادمة هذه الفعلة إن أقدم عليها السلف .

وتذكر يا أبا مازن أنك تحدثت في برنامجك الانتخابي عن إصرارك على قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف . ولكن ما المواصفات التي ستكون عليها هذه الدولة في اعتقادك ، وإسرائيل تصر على اقتطاع 48% من أراضي الضفة الغربية ، وتُبقي بذلك على 42% منها فقط للفلسطينيين .. لا تمثل أكثر من 7% من أرض فلسطين التاريخية؟!!...

فهل تعتقد أن هذه المساحة التي تتخللها المستوطنات اليهودية وتقطّع أوصالها الطرق الالتفافية ، تصلح لإقامة دولة مستقلة قوية تتمتع بالسيادة على حدودها وسمائها ومصادر مياهها ، وحتى على الجزء الشرقي من القدس التي تعد في برنامجك الانتخابي بأن تكون عاصمة للدولة الموعودة ؟!!!.

وتذكر يا أبا مازن .. حين التزمت فصائل المقاومة في كثير من مراحل المواجهة مع الإسرائيليين ، بتعليق عملياتها العسكرية داخل الخط الأخضر لأشهر طويلة بلغت في بعض الحالات ستة أشهر متوالية كبادرة حسن نية من جانبها ، كانت تواجه دائماً بتزايد مروع وغير مبرر في العمليات الإجرامية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي يومياً في المدن والقرى الفلسطينية ، بدعوى القضاء على الإرهاب الفلسطيني الذي بات يهدد في نظر شارون وبوش ، ليس فقط أمن إسرائيل ، وإنما يهدد السلام العالمي أيضاً !!!! .

فاحذر يا أبا مازن غدر الناكثين بالعهود ، فأغلب الظن أنهم يأملون في خداعك بوعود براقة كما فعلوا من قبل مع غيرك ، وهذا الغير لم يقتصر يوماً على القادة الفلسطينيين والعرب وحدهم ، وإنما على الكثير من قادة الدول وشعوبها التي تعتبرهم بروتوكولات صهيون أغيارا ما خلقوا إلاً ليكونوا خدماً وعبيداً للشعب اليهودي .. المختار .

احذر وعودهم وعهودهم التي لا تساوي قيمة الورق التي تكتب عليها إذا ما تعارضت مع مصالحهم ، ومصالحهم كما نعلم وتعلم تكمن في تحقيق ادعاءاتهم التوراتية في الاستيلاء على كامل التراب الفلسطيني أولاً ، ثم إقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل لاحقاً ، وأخيراً وليس آخراً إقامة الدولة اليهودية العالمية التي بدأت - على ما يبدو - بسيطرة اللوبي اليهودي على القرار الأمريكي ، وممارسة الترهيب بتهمة معاداة السامية لمن يعارض أهدافهم ويتصدى لمخططاتهم في الغرب والشرق .

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع