أبو مازن رئيسا منتخبا

2005/01/11

د. محمد صالح المسفر
وأخيرا توج محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية منتخبا بعد مشوار طويل من الصمت ثم الهمس ثم الجهر بالقول بأن إسرائيل قوة لا تقهر وأن إعطاء تنازلات لصالح إسرائيل يعيد الحياة في فلسطين والالتفات نحو بناء الثروة والاستقرار للعمالة الفلسطينية خادمة في بقع المستوطنات الصهيونية في الضفة والقطاع وداخل الخط الأخضر، ولعلها تسقط كل الذرائع القائلة بان إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمارس العملية الانتخابية وان رئيس وزرائها منتخب وسجلوا عليّ من الان بأن اسرائيل لن تسمح بنجاح ابو مازن.


كنت في حديث متلفز مع الشهيد ياسر عرفات رحمه الله عقب اغتيال إسحاق رابين، سألت أبو عمار قائلا: لك سيادة الرئيس أسلوب في وضع الكوفية (الغترة) علي رأسك، تختلف عن لبس كل الفلسطينيين وكذلك الذين يلبسون الغترة من العرب، ما تفسيرك لهذا؟ قال رحمه الله: نعم ان هذا المظهر له دلالات، هي خارطة فلسطين متدلية علي صدري، ورأسي بمثابة قبة الصخرة وباحة المسجد الأقصي. قلت حسنا أبا عمار ولكنك في لحظة من اللحظات تنازلت عن المسجد الأقصي وقبة الصخرة وفلسطين كلها عندما قمت بزيارتك المشهورة لبيت رابين بعد وفاته لتقدم العزاء لزوجته. التفت أبو عمار إلي محمود عباس وكان شريكنا في الجلسة وقال: احكي أبو مازن. كنا سنقتل لو رآنا اليهود بهذه الملابس ولا ايه يابو مازن ؟ قال احكي له القصة، كان تعليق السيد محمود عباس: نعم صحيح.


أروي هذه القصة لأدلل علي أن أبو مازن من خريجي مدرسة الصمت وتفوق في كلية الهمس واليوم بعد احتلاله المركز الأول في قمة هرم السلطة الفلسطينية سيجهر بالقول والفعل بأنه القوي القادر ليقول لكل فصائل الثورة الوطنية: الفلسطينية وحركة المقاومة الوطنية ألقوا بأسلحتكم فهي ليست مجدية واوقفوا انتفاضتكم لانها لم تعد مبررة ومن هو ليس معي في هذا التوجه فهو ضد إرادة الشعب الفلسطيني واني علي ردعه لقادر، ومعي في هذا التوجه كل الذين صوتوا لبرنامجي السياسي الذي انتخبت بموجبه ومن ضمن ذلك البرنامج وقف العمل المسلح، يؤيدني كل المجتمع الدولي إلي جانب دول الجوار لفلسطين والقوي القادرة من العالم العربي أيضا.


إن أبو مازن لا يخفي إعجابه برئيس الوزراء الإسرائيلي شارون وهو كان يقول في مجالسه ان الرجل القادر في إسرائيل علي حل القضية الفلسطينية وإزالة المستوطنات هو شارون وكان أبو مازن من أكثر السعداء بوصوله إلي رئاسة الوزارة في إسرائيل. واقع الأمر أن هذا الإعجاب هو من طرف واحد، بدليل انه عندما وصل أبو مازن إلي أن يكون أول رئيس وزراء فلسطيني وكان يعمل جاهدا لنزع سلاح المقاومة وتوحيد ما يسمي الأجهزة الأمنية وتحديد صلاحيات الرئيس ياسر عرفات، لم يقدم له شارون العون السياسي والذي يتمثل في سحب وحدات الجيش الإسرائيلي من المدن والقري الفلسطينية المحتلة منذ الانتفاضة المباركة ليجعل أبو مازن يتباهي أمام رفاقه بأنه حقق إنجازا علي الأرض.


الغريب في الأمر أن أبو مازن لم يشترط لوقف الانتفاضة وعدم عسكرتها إن جاز التعبير والقضاء علي مظاهر السلاح خروج الجيش الإسرائيلي من المدن والقري الفلسطينية والكف عن ملاحقة الشعب الفلسطيني من قبل الموساد والشين بيت والمستعربين والوحدات العسكرية الخاصة، وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية ودفع تعويضات لكل المتضررين من جراء اجتياح الجيش الإسرائيلي لأراضي السلطة الفلسطينية. قد يقول ذلك همسا لكن ما جدوي ذلك القول!


المؤسف جدا أن سياسيا مثل أبو مازن وقائدا وطنيا ولا شك عندي في ذلك، تجرأ وعلي رؤوس الأشهاد للحط من قدرة سلاح المقاومة الذي يطلق علي المستوطنات الإسرائيلية ومن دورالانتفاضة في خلخلة المجتمع الاسرائيلي في الوقت الذي تسير إسرائيل جيشها بكامل عدته وعتاده لاحتواء ذلك السلاح، كيف يتجرأ رجل مناضل مثل محمود عباس علي أن يتجاهل الآثار التي احدثتها الانتفاضة وصواريخها البدائية في المجتمع الإسرائيلي، لقد هزت المجتمع الصهيوني وتسببت في احداث ازمة اقتصادية تمثلت في تضخم اقتصادي جامح، وبطالة مرتفعة المعدلات وهجرة عكسية ـ من الداخل إلي الخارج ـ ودعوة لتفكيك المستوطنات وارتفاع معدلات الجريمة وحكومة مهزوزة لم تستطع التغلب علي مشاكلها. كل هذا إنجاز للمقاومة، صحيح أن هناك خسائر في الجانب الفلسطيني لكن ثمن الحرية والتحرر والاستقلال مرتفع دوما.


المواطن العربي يدرك أن إسرائيل تفسر تصريحات أبو مازن ومعه حركة فتح بأن الانتفاضة فشلت وأنها مهزومة وهذه الدعوات بوقف العسكرة هي في واقع الأمر استسلام واعتراف بالهزيمة المطلقة للمقاومة الفلسطينية، ومن العيب أن يسارع أبو مازن للاعتذار عن استخدام عبارة العدو الصهيوني في احدي خطبه الانتخابية بناء علي طلب إسرائيلي ولا يعتذر للمقاومة عندما وصف سلاحها بأنه غير فعال وأنه عبارة عن فتوشات لا جدوي منها.
جملة القول، نتمني أن يدرك أبو مازن ان إسرائيل تتعامل مع جميع أفراد الشعب الفلسطيني علي انهم أعداء حتي مع عملائها منهم، والله من وراء القصد.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع