أبومازن... مرة أخرى "نسألك الرحيلا"


واشنطن - محمد دلبح
القرار الذي اتخذه خلفاء رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وأميركا بالاكتفاء بإجراء انتخابات رئاسية، والإبقاء على المجلس التشريعي - الذي انتهت صلاحيته منذ نحو أربع سنوات - يستهدف قطع الطريق على إمكانية سيطرة مرشحي "حماس" والمقاومة على المجلس في أية انتخابات تجرى.

ولذلك سيتم الاستعاضة عن انتخابات المجلس التشريعي بانتخابات للمجالس البلدية والقروية التي ستجري لأول مرة منذ نحو ثلاثين عاما في الضفة الغربية وقطاع غزة.


وقال مصدر فلسطيني مطلع انه بسبب الخشية من فوز حركة "حماس" وحلفائها في انتخابات المجالس البلدية فإن خلفاء عرفات لن يجروا الانتخابات البلدية بالكامل، بل ستجزأ تلك الانتخابات لتكون تدريجية، إلى أن يتم التأكد من عدم قدرة "حماس" على الفوز بغالبية المجالس. فخلفاء عرفات الذين يتصدرهم محمود عباس "أبومازن" وأحمد قريع "أبوعلاء"، هم من أبرز دعاة التخلي عن المقاومة بل وتجريمها بدعوى أنها لا تجلب سوى الدمار للشعب الفلسطيني وكذلك هم من دعاة تجريد منظمات المقاومة من أسلحتها والتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية على أرضية التخلي عن حق العودة والقدس.
وإذا اعتبر البعض ما جرى من إطلاق نار في غزة الأحد الماضي محاولة لاغتيال أبومازن، فإن التفسير الأكثر قبولا هو أن ما حدث ليس أكثر من إشارة إلى المستقبل الذي ينتظره، طالما أنه ينظر إليه كمرشح "إسرائيلي - أميركي" لقيادة المرحلة المقبلة التي تتطلب التخلي عن ثوابت القضية الفلسطينية، وهو ما سبق أن ارتكبه أبومازن في خطابه في العقبة بحضور الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي وصف فيه المقاومة بالإرهاب، واعتذر لليهود عما لحقهم في تاريخهم والتعاطف مع معاناتهم.


يذكر أن أبومازن استقال طواعية منذ نحو عام من جميع مناصبه في فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويبدو أن رسالة الأحد في غزة والمظاهرات في غزة وبيرزيت التي هتفت ضده وضد حليفه محمد دحلان بأنهما عميلان أميركيان أثمرت، إذ أعلن أبومازن ومعه حركة فتح أنه ليس مرشحا بعد لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية خلفا لعرفات. وكان أبومازن اضطر إلى تقديم استقالته والرحيل في المرة الأولى عقب ضغوط ومناورات مارسها عرفات آنذاك في سياق تهميشه، دافعا بمؤيديه وأنصاره إلى التظاهر ضده والتشكيك في ارتباطاته وغاياته وتهديد حياته. وأبومازن كما يقول مسئولون كبار رافقوا مسيرته في حركة فتح، اسمه الكامل محمود رضا عباس ميرزا من عائلة ذات أصول إيرانية من طائفة البهائيين هاجرت إلى فلسطين مع اضطهاد الحكومة الإيرانية لهم، وهو أمر ينفيه أبومازن ويؤكد أنه مسلم سني. استقرت عائلته في صفد.


وكانت أول فرصة لبروزه خليفة لعرفات ظهرت في أعقاب الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على عرفات في "المقاطعة، إذ كان شارون اشترط عدم رفع الحصار إلى أن يوافق عرفات على تعيين رئيس للحكومة الفلسطينية وهو المطلب الذي تقاطع مع دعوات أبومازن ومؤيديه آنذاك بضرورة تعيين رئيس للوزراء".


وقد أطلق أبومازن على الفور إشارات ودية جريئة تجاه "إسرائيل" غير آبه بغضب الفلسطينيين الذين يعتقد بأنهم ليسوا هم الطرف الذي يحسم وضعه، بل إن واشنطن وتل أبيب هما من يحسم مسألة الرئيس المقبل للسلطة ويفرضها على الجميع. تماما كما فعل في أوسلو، إذ نظم هناك في سرية مطلقة في العام 1993 اتفاق أوسلو الذي تنازلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بمقتضاه عن 80 في المئة من فلسطين، وقبلت سلطة حكم ذاتي محدود على بعض الجيوب في قطاع غزة والضفة الغربية وإقامة أجهزة أمن وشرطة مهمتها وقف العمل الفدائي وحماية أمن الكيان الصهيوني.


هاجم عباس في تصريحات بارزة الانتفاضة والمقاومة، وقال إن الفلسطينيين "ارتكبوا أخطاء فاحشة في سنوات الانتفاضة". كما يوصف في أوساط فتح بأنه "زعيم المدرسة الانهزامية المغلفة بشعارات الواقعية" وقد سبق له القول "ليس بمقدورنا أن نقاتل الدولة اليهودية الأقوى من كل الدول العربية معا، ومن نحن حتى نواجهها". ويقول خصوم أبومازن انه يتبنى منهجا مطابقا لمنهج البهائية في تأييد "إسرائيل"، فإلى جانب رفضه للانتفاضة لم يصدر عنه أي تصريح يدين انتهاك شارون للمسجد الأقصى، ولم يبد تعاطفا مع الشهداء الذين يسقطون يوميا بفعل أعمال القمع والقتل والإرهاب الإسرائيلي.
يذكر أن البهائية التي انتقلت إلى عكا تؤيد تجمع اليهود في فلسطين. وانعقد مؤتمر البهائية العالمي في القدس المحتلة في العام ،1968 إذ كشفت أبحاث المؤتمر عن ارتباط الصهيونية بالبهائية بشكل وثيق، وقيل في ختام المؤتمر ان "الحركتين الصهيونية والبهائية متممتان لبعضهما بعضا، وتجتمعان في أكثر النقاط". ويعامل البهائيون في فلسطين المحتلة معاملة اليهود منذ قيام "إسرائيل".


وأحاط أبومازن نفسه بعدد من الموالين السابقين لعرفات بعد أن تأكدوا أن عرفات لم يعد خيارا للحكومة الأميركية التي تنظر بمنظار شارون إزاء تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، إذ أعد هؤلاء أنفسهم لمرحلة ما بعد عرفات، ومن أبرزهم نبيل عمرو الذي عوقب فيما بعد بإطلاق النار عليه في منزله حيث لا يزال يرقد في أحد مستشفيات ألمانيا. ودحلان الذي يطمح حاليا إلى منصب المستشار السياسي لأبومازن في حال توليه رئاسة السلطة، أو رئاسة الحكومة، وهو يشيع بأنه يحظى بدعم مصري كبير وخصوصا من قبل مدير المخابرات المصرية عمرو سليمان الذي كان توسط لدى عرفات قبل شهرين من وفاته للقاء دحلان الذي كان رفض تسليم عرفات 30 مليون دولار كان دحلان تلقاها من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ خطته الأمنية التي لم تر النور إذ خرج من السلطة مع استقالة حكومة أبومازن التي لم تعمر سوى بضعة أشهر.


وترى مصادر مطلعة أن حكومة بوش التي تسعى للتخلص نهائيا بعد رحيل عرفات من التعامل مع سلطة برأس واحد إلى التعامل مع سلطة بثلاثة رؤوس، لا تزال تراهن في تنفيذ خطتها فلسطينيا في مرحلة ما بعد عرفات على "الترويكا الفلسطينية" المكونة من أبومازن ووزير مالية السلطة الفلسطينية سلام فياض ودحلان. ولكن يبدو أن ما حدث في غزة قد يجعل المتآمرين "المتأمركين" يعيدون رسم خططهم من جديد وهم ليسوا قلة في حركة فتح وتوابعها من "ليبراليين جدد" وأكاديميين ومتمولين ومنظمات غير حكومية ممولة أميركيا وأوروبيا.


ويحتاج نجاح "ترويكا" أميركية للتوجه إلى حسم الخلاف داخل حركة فتح بين من أصبح يطلق عليهم "جماعة تونس" و"جماعة الداخل" التي تضم المقاتلين والفدائيين وخصوصا كتائب شهداء الأقصى الذين كانوا يعتمدون في تمويلهم وتسليحهم على السلطة في عهد عرفات، والمرتبطين بالسلطة من جهاز الأمن الوقائي وأجهزة الأمن الأخرى والموظفين. غير أن ما قد يحبط مثل تلك الخطط هو دخول منظمات المقاومة الفلسطينية على الخط وتحقيق قدر كبير من التنسيق في صفوفها ومع خط الكفاح والمقاومة والتمسك بحق العودة في فتح لتشكيل قيادة موحدة تمثل الداخل والخارج.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع