أبـو مـازن المتـحـرك أمـام ثـوابـت شـارون

قضايا النهار

السبت 22 كانون الثاني 2005

السنة 72- العدد - 22201

عندما أدى الرئيس الفلسطيني الجديد محمود عباس اليمين الدستورية، أعلن تمسكه بقيام دولتين جارتين، وحل عادل لقضية اللاجئين.

ثم خاطب الاسرائيليين في الجزء الثاني من خطاب اداء القسم قائلاً: "نحن شعبان كُتب علينا أن نعيش جنباً الى جنب وان نتقاسم الحياة على هذه الارض. فلنبدأ في تطبيق خريطة الطريق كي ننهي الى الابد الصراع التاريخي بيننا وبينكم".

ولكن أرييل شارون لم يجد في هذه الدعوة النص المتعلق بمكافحة الارهاب، لذلك طلب تجميد الاتصالات مع الرئيس عباس الى أن يقوم بتحرك حازم ضد المجموعات المسلحة. ثم أرسل مدير عام الخارجية رون بروسور الى القاهرة لشرح قرار تجميد الاتصالات مع المسؤولين الفلسطينيين. كذلك أوصى سفيره في واشنطن على حضّ الادارة الاميركية على مقاطعة الرئيس عباس والامتناع عن استقباله في البيت الابيض.

ردت القاهرة على الموقف السلبي الذي اتخذه شارون بالقول إن اطلاق عملية السلام يحتاج الى قرارات ايجابية تشجع على مواصلة الحوار والتنسيق. وحذر المبعوث الاميركي السابق الى الشرق الاوسط دنيس روس، من مخاطر قطع الاتصالات مع أبو مازن، لان ذلك يضع الرئيس الجديد أمام أزمة مبكرة. وقال ان المرحلة الجديدة تقتضي مساعدة الفريقين على تخطي الصعوبات التي تفرضها العناصر المسلحة. وكان بهذا التلميح يشير الى دور المشاركة في صنع السلام. أي المشاركة التي تحدث عنها محمود عباس عندما دعا شارون الى إنهاء عمليات الاغتيال والحصار والاعتقالات ومصادرة الاراضي وبناء جدار الفصل وتدمير المنازل.

وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أعلنت عن رغبتها في البحث عن سلام الشرق الاوسط، مشيرة الى أن الجهد الاساسي في هذا الشأن ينحصر في استعداد الفلسطينيين والاسرائيليين للتوصل الى حل. وهي ترى أن التطورات الاخيرة ساهمت في إحياء الديبلوماسية الاميركية المجمدة منذ وقت طويل. وهي تتوقع أن تنجح في مهمتها بعد اعادة انتخاب الرئيس بوش ورحيل ياسر عرفات وتعهد شارون بالانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات فيها.

وتزعم رايس أن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات منع تحقيق أي تقدم في هذا المجال بسبب تشجيعه العمليات الانتحارية ورفضه شجب الارهاب. وقالت انها تتوقع من خلفه الرئيس محمود عباس القيام بخطوة جريئة لمحاربة العنف. كما تتوقع من الحكومة الاسرائيلية اعتماد سياسة مرنة تساعد الولايات المتحدة على معالجة الوضع العراقي المتفجر.

من أجل تحقيق هذا الهدف باشر الرئيس الفلسطيني الجديد مهماته بالعمل على وقف الهجمات المسلحة ضد المواقع الاسرائيلية. ووعد قادة "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وكافة الفصائل بالتشاور قبل اتخاذ أي قرار بشأن الهدنة المقترحة. ثم ناشد زعماء الانتفاضة وقف اطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية لان شارون يضع هذا الشرط كمقدمة للعودة الى طاولة المفاوضات. وتوقع أبو مازن ان تمنحه فصائل المقاومة فرصة التهدئة، خصوصاً أن برنامجه الانتخابي وعد بتحريك المفاوضات المجمدة. وقد دلت النتائج على أن غالبية المقترعين له، أيدت موقفه من دون تحفظ. ويبدو أنه استعان بالارقام والمعلومات الموثقة لدعم وجهة نظره.

ويذكر تقرير مركز المعلومات الوطني ان 950 فلسطينياً قتلوا بنيران قوات الاحتلال السنة الماضية، في حين قتلت هجمات الفلسطينيين 118 اسرائيلياً. ويشير التقرير الى ان الاعتداءات أدت الى جرح 5965 فلسطينياً، والحقت الضرر بـ9387 منزلاً بينها 2366 مسكناً دُمرت تدميراً كاملاً. كما اقتلعت 295،098 شجرة وعطلت آلاف الامتار من شبكات الري.

وفي نشرة رسمية قدم وزير شؤون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات تقريراً الى المجلس التشريعي، جاء فيه أن حجم الاضرار التي لحقت بالمنشآت والمباني والطرق بلغ 475 مليون دولار خلال السنوات الاربع للانتفاضة. ويقول التقرير أن قيمة الاضرار التي لحقت بالطرق زادت على 130 مليون دولار، اضافة الى 65 مليون دولار قيمة أضرار المنشآت الامنية.

بناء على هذه المعطيات يسعى أبو مازن الى اعلان هدنة موقتة يوافق عليها الفريق الاسرائيلي، لعل ذلك يفتح ثغرة من الأمل في جدار المفاوضات المجمدة. وفي تصوره ان الحوار مع شارون قد يدفعه الى تقديم تنازلات يصعب الحصول عليها بواسطة الصواريخ لان ميزان القوى يميل لمصلحته.

ويعترف محمود عباس بأنه أيّد الانتفاضة الاولى معتمداً على نتائج المقاومة الجزائرية في تحقيق النصر والاستقلال. ولكنه بدّل موقفه بعدما رأى قوات الاحتلال تواصل عدوانها على الشعب الفلسطيني بطريقة الابادة الجماعية التي مورست على الهنود الحمر في اميركا. وعليه قرر تغيير اسلوب الضغط على اسرائيل لايمانه أن الهدف المنشود يصعب تحقيقه بواسطة العمليات الفدائية. ولكي لا يحرج الفصائل المقاتلة قرر الرئيس عباس اعلان الهدنة باسم السلطة لا باسم المقاومة. ومعنى هذا أن تعهدها لا يصب في مصلحة اسرائيل بل في مصلحة المؤسسات الرسمية الفلسطينية. وهكذا يصبح هذا التعهد جزءاً من برنامج سياسي وطني شامل.

في ردها على هذا الطرح تتخوف فصائل المقاومة من توفير الفرصة اللازمة لاستكمال عمليات الضم والقضم. وهي ترى ان عدم إيفاء اسرائيل تعهداتها بتجميد البناء في مستوطنات الضفة، افضل دليل على تحويل جدار الفصل الى حدود سياسية نهائية. وقد دعمت موقفها المتصلب بتقديم وقائع وصور فوتوغرافية عن مشروع الشارع الرقم 45 في القدس الذي يربط السهل الساحلي غرباًَ بغور الاردن شرقاً.

وذكرت صحيفة "هآرتس" في هذا السياق، ان شارون أرجأ موافقة حكومته على مسار الجزء الجنوبي من الجدار بسبب رغبته في ضم مستوطنات "غوش عتصيون" الى اسرائيل. أي ضم الكتلة الاستيطانية الواقعة بين جنوب القدس ومدينة الخليل. ويقول الخبراء ان الغاية من توسيع المدخل الى مدينة القدس من عشرة كيلومترات الى خمسة وعشرين كيلومتراً، هو فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها. وهكذا تتحول الاراضي الفلسطينية الى ثلاث كتل سكانية متباعدة تربط بينها شبكة طرقات استيطانية يسهل مراقبتها بواسطة الحواجز الامنية الاسرائيلية.

وترى "حماس" ان غاية شارون من وراء تنفيذ هذا المشروع المريب هو تحقيق خطة "القدس الكبرى" وإقصاء المواطنين الفلسطينيين من القدس الشرقية. ومع ان شارون ادعى بأنه ارجأ قرار تعديل الجدار الى ما بعد الانتخابات الفلسطينية، الا انه في الحقيقة كان يراهن على الانتخابات الاميركية. وقد أفرحه الرئيس بوش باختيار كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية لان كولن باول لم يسمح بتمرير كل مخططات التهويد. ويستدل من افتتاحيات الترحيب في الصحف الاسرائيلية، ان الآنسة رايس تمثل خط الصداقة والتحالف الذي رسمه هنري كيسينجر ومادلين أولبرايت ودنيس روس.

وواضح من شهادتها في جلسة الاستماع امام لجنة الشؤون الخارجية، انها مستعدة لضرب المقاومة الفلسطينية التي وصفتها بـ"العصابات المتفرقة". ومثل هذا الوصف يسمح لاسرائيل بمواصلة عمليات التدمير بذريعة ضرب الارهاب. كما يسمح لمحمد دحلان باستخدام الشعار الذي أطلقته كوندوليزا في مجلس الشيوخ بأنه يجب ان تكون في فلسطين "سلطة واحدة وسلاح واحد". ومعنى هذا أنها ستدعم سلطة محمود عباس وشرعية قواته فقط.

قبل المباشرة في فتح الحوار الفلسطيني الفلسطيني وزعت "حماس" مشروع ميثاق شرف طالبت الجميع بالتزام بنوده. ويبدو انها ارادت قطع الطريق على أبو مازن الذي اعلن تمسكه بثوابت ياسر عرفات. كما أرادت من جهة اخرى الغاء اتفاق أوسلو وتحديد هوية العدو الصهيوني الذي اغتصب الارض وطرد الشعب ونفذ الابادة الجماعية بحق المواطنين. اضافة الى بنود اخرى تتعلق بدحر المحتل وتوفير الحماية بواسطة الوسائل العسكرية.

وسط هذه المواقف المتعارضة يقف الرئيس الفلسطيني الجديد قلقاً، محتاراً مثلما وقف من قبله اسحق رابين الذي اختار اسلوب التفاوض واقلع عن "اسلوب تكسير العظام". ذلك ان شارون يطالبه بضرورة قمع الانتفاضة المسلحة كشرط لمواصلة الحوار مع السلطة. ولكنه في الوقت ذاته يرفض مبدأ حق العودة للاجئين، واعتبار الخط الاخضر حدوداً لدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

من جهة اخرى، يطالبه زعماء الانتفاضة باعتماد سلاح المقاومة وسيلة مؤثرة لاسترجاع فلسطين. ويقول زعماء الفصائل الوطنية والاسلامية ان المفاوضات لن تؤدي الى تغيير ثوابت شارون، بل الى تغيير مطالب محمود عباس.

على هذا التشكيك يرد رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع بالقول ان "خريطة الطريق" هي امتداد لاتفاق أوسلو لانها تتحدث عن دولة فلسطينية وانهاء احتلال 1967 وحل عادل لقضية اللاجئين. وبحسب وعود الرئيس جورج بوش فان نهاية سنة 2005 ستشهد موعد اعلان دولة فلسطين. علماً بأن بوش مدد فترة وعده وقال انه يأمل بأن يرى ولادة الدولة الفلسطينية في نهاية ولايته الثانية.

يقول دنيس روس في كتابه "السلام المفقود" ان محمود عباس شدد اثناء مفاوضات "كمب ديفيد"، على أهمية دعم الرئيس بيل كلينتون لقرار حق العودة. وأجابه كلينتون بأن اسرائيل ترفض تطبيق هذا القرار اذا لم تعرف مسبقاً ما هو الثمن الذي سيدفعه الجانب الفلسطيني، وما هي الضمانات الملموسة التي سيحصل عليها ايهود باراك.

واستخدم في هذا السياق مثل الشخص الذي يقفز عن علو شاهق مستخدماً الحبل المطاطي. وقال لعباس انه لا يجوز مطالبة اسرائيل بالقفز الى المجهول اذا كانت الهوة اعمق من طول الحبل.

وتدل المؤشرات السياسية ان الرئيس أبو مازن سيقفز الى "الهوة" ولو أن الحبل الذي وفرته الادارة الاميركية سيكون اقصر بكثير مما توقع الفلسطينيون!

كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

سليم نصار

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع