أزمة «فتح»

ماهر عثمان الحياة 2005/03/11

ان اقتحام نشطاء من كتائب شهداء الاقصى، الجناح المسلح لـ«حركة التحرير الوطني الفلسطيني» (فتح) اجتماعاً للحركة أمس في رام الله مظهر خطير من مظاهر الأزمة الحالية التي تعصف بـ«حركة التحرير الوطني الفلسطيني» منذ شهور. وتعتبر هذه الأزمة الأخطر في مسيرة حركة «فتح» وعمرها النضالي منذ تشكيلها قبيل منتصف ستينات القرن الماضي. ويمكن الاشارة في معرض تحليل هذه الازمة في «فتح» الى أسباب عدة او القول ان للازمة وجوهاً متعددة. ولكن السبب الرئيسي في اندلاع الازمة وتفاقمها الى هذا الحد وجعلها مفتوحة لحدوث مزيد من التدهور هو غياب زعيم الحركة الاول من دون منازع جدي، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

كان عرفات خلال حياته النضالية قادراً دوماً، والى حين مرضه الأخير، على ضبط ايقاع حركة «فتح» وتوجيه دفتها والسيطرة على اطرها التنظيمية وقواعدها الشعبية. وقد استطاع بعد عودته ورفاقه الى الاراضي الفلسطينية في الاول من تموز (يوليو) 1994 جعل الحركة فعلياً الحزب الحاكم ضمن اطار السلطة الوطنية الفلسطينية التي اقيمت وفقاً لاتفاقات اوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع اسرائيل.

ومع ان عرفات كان يستطيع بهيبته وتاريخه النضالي والقيادي ان يحول دون تفجر الخلافات داخل الحركة، التي ظل حريصاً على وحدتها، فقد بدأت الخلافات تطفو على السطح وتنذر بالانفجار خصوصاً عندما تسلم الرئيس الحالي محمود عباس (ابو مازن) منصب اول رئيس وزراء فلسطيني، وذلك لبضعة اشهر فقط، ابتداءً من آذار (مارس) 2003. وفي تلك الفترة التي كانت صعبةً جداً بالنسبة الى الرئيس عرفات الذي كان محاصراً والذي اختُرِع منصب رئيس الوزراء، اميركياً واسرائيلياً، من اجل انتزاع بعض السلطات، بل اهم السلطات، من يديه، خصوصاً في المجالين الأمني والمالي، اضطر «ابو مازن» للاستقالة في نهاية الامر من رئاسة الوزراء، ليس بسبب اي مشاحنات بينه وبين الاعضاء الآخرين في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وهي مشاحنات أدت الى استقالته من اللجنة، وانما بسبب مواصلة اسرائيل عمداً سياسة الاغتيالات ضد قياديين في فصائل «فتح» و«حماس» و«الجهاد الاسلامي» وغيرها رغم الهدنة التي أفلح «ابو مازن» في التوصل اليها مع كل الفصائل واستمرت نحو خمسين يوماً.

ما حدث بعد ذلك الخلاف بين عباس واللجنة المركزية لـ«فتح» معروف لكنه ربما اخفى حزازات قد تكون باقيةً في بعض النفوس. لقد عدل عباس عن استقالته من اللجنة المركزية فتبنته هي وأطر «فتح» الاخرى مرشحاً وحيداً عن الحركة لرئاسة السلطة الفلسطينية. وكان أول ما أعلنه عباس المرشح هو انه يعتبر خطاب عرفات لاخير في المجلس التشريعي الفلسطيني وصيةً واجبة التنفيذ بما فيه من ثوابت وطنية متصلة باقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف ضمن الحدود التي كانت قائمة في 4 حزيران (يونيو) 1967وحق اللاجئين في العودة وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194. وقد ترفع عباس منذ رحيل سلفه عرفات، غيلةً حسب اعتقاد غالبية الفلسطينيين، عن توجيه اي انتقادات علنية للرئيس الراحل الذي أراد جمع وابقاء أكبر قدر من الصلاحيات في يديه كي يصد محاولات اسرائيل وتهديداتها بتهميشه وعزله وابعاده وقتله. لقد سقط كثيرون من عمالقة رعيل «فتح» الاول على درب النضال: خليل الوزير (ابو جهاد)، وصلاح خلف (ابو اياد) وخالد الحسن (ابو السعيد) وأخيراً عرفات نفسه. والآن يرتبط مصير الحركة بالطرق التي يبتكرها قيادوها للتوفيق بين طموحات الكوادر الشابة للمشاركة في صنع القرارات من دون مصادرة شرعية التاريخ النضالي والقيادي للمؤسسين الاوائل وحقوقهم في توجيه الحركة وصوغ اهدافها. وامام «فتح» قضية عاجلة جداً هي الانتخابات التشريعية وعليها ان توحد صفوفها قريباً اذا ارادت الفوز بغالبية فيها

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع