حذار حذار من فرض حل الجدار
ثمة موقف، لا تفسير له حقيقة، من قبل عدد من السياسيين والإعلاميين حين
يصرون على أن الوضع أصبح مهيأ للسير في طريق التسوية. وذلك لأن كل الوقائع
تشير إلى العكس تماماً. فحكومة شارون ومعها حليفها شيمون بيريز، وإلى
جانبهما الإدارة الأمريكية لم يرسلوا إشارة واحدة توحي بتغيير في الموقف عن
المرحلة السابقة، أو عن الشروط التي أدت إلى انهيار مفاوضات كامب ديفيد، أو
عن نهج فرض «حل الجدار».
أما من الناحية العملية وهي الكشافة لحقيقة الموقف السياسي فقد جاءت لتعزز
ما كان يقوم به الجيش الإسرائيلي من اقتحامات واغتيالات وتدمير أحياء
بكاملها. بل حتى قتل الأطفال قنصاً في بيوتهم ومدارسهم وفي الشوارع تصاعد
عن ذي قبل، فأين كل هذا من الحديث عن انفتاح باب السير في طريق التسوية؟
بل لم يقتصر الأمر على استمرار سياسة ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني
فتعدته الممارسة إلى التوسع في مصادرة الأراضي المحيطة بالقدس وصولا إلى
نهر الأردن مما يعني قطع الضفة الغربية إلى شطرين شمالي وجنوبي. وبهذا تتضح
أكثر مخططات الجدار على مستوى تقطيع المناطق المتبقية من الضفة الغربية
لتصبح معازل مطوقة بما يشبه تناثر الجزر الصغيرة فبدلا من مياه البحر يقوم
الجدار والحواجز مقامها وهذان لا يسمحان مثل تلك المياه بالوصل بينها من
خلال المراكب والعبارات والسفن.
لقد كشفت جريدة «هآرتس» في 2005/1/3 ان أرييل شارون ووزير دفاعه شاؤول
موفاز قررا ضم مستوطنة «معالية أدوميم» «شرقي القدس» إلى القدس الكبرى مما
يتضمن مصادرة 15 الف دونم من الأراضي في اقل تقدير. وكانت المستوطنة
المذكورة قد اقيمت فوق 55 ألف دونم من الأراضي المصادرة. والطريف ان
الإدارة الأمريكية التي تدعي ان شارون تعهد لها بتجميد الاستيطان إلى
النقطة التي وصل عندها ابتلعت هذه الخطوة المناقضة لذلك التعهد تحت حجة ان
«مصادرة اراض» من قبل الدولة لا يشمله التعهد بمعناه الحرفي الذي يقتصر على
التوسع في البناء.
هذا يعني ان الضجة التي تثار حول انفتاح آفاق التسوية هي الغطاء للمزيد من
البطش بالفلسطينيين ومن مصادرة أراضيهم وتقطيع أوصالهم، كما حدث بالضبط في
مرحلة مفاوضات اتفاق أوسلو بين 1993 و2000 حيث تضاعف الاستيطان، وتسارعت
عمليات مصادرة الأراضي.
ومن ثم فان كل ما حدث من تفاهمات مصريةـ إسرائيلية أو فلسطينية ـ إسرائيلية
من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات باتجاه السير على طريق المفاوضات
والتسوية، يؤكد بانها تفاهمات من جانب واحد فالإدارة الأمريكية وحكومة
شارون تريدانها لتغطية عملية استكمال بناء الجدار. وبعدئذ سيقال للمصريين
والفلسطينيين والعرب هذا هو الحل «الواقع الذي يرفضه الجدار» وما عليكم الا
القبول به، والتكيف واياه. بل حمايته من انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته.
أما من ناحية أخرى فان هذا الحل يراد من الأوروبيين ابتلاعه كذلك. وإذا
سعوا ليقوموا بدور ما ففي اطاره ولتعزيزه الأمر الذي يجب ان يعيد الاعتبار
للانتفاضة والمقاومة وصمود الشعب الفلسطيني باعتبار ذلك البديل الوحيد الذي
يربك مخططات الجدار ويضع الاحتلال في الزاوية، ويؤلب الرأي العام الأوروبي
وحتى الأمريكي «ولو جزئيا» ضد السياسات الإسرائيلية، ويفضح ماترتكبه من
جرائم. والأهم ما تركه من آثار تكاد لا تحتمل على الوضع الداخلي الإسرائيلي
اقتصاديا واجتماعياً. ويكفي ان نذكر ما استفحل من ركود اقتصادي، وهبوط كبير
في معدلات الهجرة، إلى جانب ارتفاع معدلات الهجرة المضادة من الكيان
الصهيوني إلى خارجه.
ويكفي أكثر رصد الازمة داخل الليكود والأحزاب الإسرائيلية لاسيما بعد
اضطرار شارون إلى إعلان خطته بالانسحاب من قطاع غزة وتفكيك كل المستوطنات
منه، والانكفاء وراء الجدار في الضفة أي الانسحاب من حوالي %40 منها. وقد
راحت الأزمة تتفاقم إلى حد التهديد بانهيار حكومة شارون واضطرارها إلى حل
الكنيست والدخول في انتخابات جديدة. لكن الحملة الرامية إلى اشاعة اجواء
حول «التهدئة». «وقف الانتفاضة والمقاومة» بعد تغييب ياسر عرفات بالسم
الإسرائيلي، وبعد ما قيل عن انفتاح آفاق التسوية سمحا بدخول شمعون بيريز
وحزبه في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية لا تنقذ الوضع الإسرائيلي من مأزقه
الخانق فحسب وانما أيضاً، تفرض حل الجدار المرهون بوقف الانتفاضة والمقاومة
تحت مظلة مفاوضات عبثية لا نهاية لها أو تحت تأمين شروط التسوية المطلوبة
وفي مقدمتها، كما أعلن «قطع دابر الإرهاب وإجراء اصلاحات ووقف التحريض» من
أجل «الاقلاع» بخريطة الطريق. وإذا ما تحقق ذلك لا سمح الله فلماذا التسوية
«مادام عندكم ما لكم وعندنا مالنا وما دمتم لا تملكون ورقة واحدة تضغطون
بها» هذا بالضبط ما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي عندئذ. وبكلمة: الموقفان
الإسرائيلي والأمريكي لا يتركان مجالاً لاوهام، ولهذا ليس ثمة من تفسير
لمواقف التعلل بها.
منير شفيق
|