حركة فتح أمام تحدٍ داخلي

 

عدلي صادق

صحيفة القدس العربي اللندنية 31/1/2005

 

لم أعرف، منذ تاريخ التحاقي بحركة فتح، في صيف العام 1967 أن هذه قيادة الحركة، قد أطلقت في أي يوم، وبعد أية مرحلة، عملية للمراجعة النقدية المعمقة، لكي تتخذ بموجب نتائجها، قرارات أو إجراءات، تشجع الذين أحسنوا العمل، وتعاقب الذين أساءوا التصرف. وليت الأمر، كان يقتصر علي ذلك، بل تعداه إلى أن أصبحت حركة فتح هي الإطار الملائم، للنصابين الراغبين في أن يستظلوا بفيء الوطنيين والمناضلين، الذين هم قاعدة هذا الإطار وجوهره، لكي يتسلقوا ولكي يصبحوا هم - بالمحصّلة، وبطريقة أو أخرى - القرار الذي يسري على الشرفاء والوطنيين!

 

وقبل أن أنتقل إلى موضوع الانتخابات البلدية، أدعو كل من يزعم غير ذلك، أن يجيبني، على صفحة رأي القراء، أو في هذه الصفحة، من القدس العربي !

 

*  *  *

 

الآن، عكست انتخابات البلدية والمجالس القروية، في قطاع غزة، حقيقة ما آلت إليه الأمور، في هذه الحركة، التي هي حاضنة مشروع الاستقلال والحرية. فخائنو الأمانة، في العمل الوطني العام، هم الذين سددت فتح في الانتخابات البلدية، فواتير سلوكهم. وربما نظلم الأطر التنظيمية، في المحافظات، إن قلنا بأنهم سبب هذا الإخفاق المريع، لا سيما المنتخبون منهم، قبل وقت وجيز. أما الأطر الأعلى والمناطقية، المُعيّنة، فالأجدر بها أن تختصر الكلام والمسافة، وأن تنسحب في الحال، لكي تكف عن كونها معتمديات، ومرجعيات، وأمانات سر، وأقاليم. فإن لم يسحبها القادرون تنظيمياً على سحبها، فإن عليها هي نفسها أن تبادر بالانسحاب، لعلها تسجل لصالحها، أنها قد أعادت للقادرين على السحب، حيويتهم، بمجرد غيابها!

 

*  *  *

 

كلما كنا نعترض على الترهل في الحركة، وعلى الفساد المتفشي في السلطة، كان الراسبون في كل انتخابات، يرموننا بالتحامل، وبـ الدق في الجميع، وكأننا من مشوهي النفوس. بل إن بعضنا، وقع في غواية الإحساس، بالقوة الراسخة لحركة فتح في الشارع، لدرجة إذا أشار زميل غيور على الحركة، إلى قوة حماس وحيويتها، وسهرها على مهمة كسب الناس والشارع؛ انبرى له زميل آخر من المتفائلين، قائلاً: لا تكونوا شكّائين بكائين متشائمين. فها هي صناديق الاقتراع، ترسم الصورة: حركة حماس في المقدمة. وهي، بنتائج الانتخابات البلدية، في قطاع غزة، ترسل برقيتين مهمتين، واحدة لما سبق، وأخرى لما هو آتٍ!

 

البرقية الأولى، مفادها أن العرس الديمقراطي، الذي جرى، بانتخاب أبي مازن، لم يهنأ به المشاركون، والفائزون، وأصحابه، إلا بعد أن تركت حماس لحركة فتح الحق في أن تحجز الصالة، ثم غادرت المكان، لكي تتمكن سيارات المهنئين والحاضرين، من الوقوف براحتها، على باب القاعة، ولكي يجد كل راغب في المشاركة، مقعداً!

 

أما البرقية الثانية، فمفادها أن هناك مشكلة حقيقية، مقبلة، لدى إدارة الصالة، لأن الحجز في يوم الخميس 14 تموز 2005 مطلوب لعريسين، من العائلة الواحدة، تقدما بالطلب، في لحظة واحدة، ولا مناص من حل، يقوم على رفع التكلفة!

 

*  *  *

 

بُح صوتنا، ونحن ندعو إلى ترتيب عاجل، للبيت الفتحاوي، قبل المؤتمر السادس. ولم يحدث الترتيب، بينما التكلفة، تستوجب الترتيب والاستدراك الحكيم. وبُح صوتنا، ونحن ندعو إلى حكومة ملائمة، تتغير بها فلسفة الحكم، وممارساته، بينما التكلفة، تستوجب التغيير وتخليص الممارسات، من كل شوائبها. فحركة فتح الرائدة، ذات التراث الكفاحي الكبير، تتحمل أوزار التجلط في التنظيم، وأوزار التجلط في الحكم. في هذا السياق، ربما يكون جديراً بالتنويه، إلى أن نسبة ما تحصلت عليه بلديات قطاع غزة، من المساعدات الحكومية، هبطت في عهد الحكومة الأخيرة، إلى 18% من إجمالي حجم المساعدات الحكومية للبلديات، علماً بأنها كانت قد ارتفعت، في عهدي الحكومتين السابقتين، إلى 54% نظراً لحجم التدمير، ولبؤس البُنية التحتية. وبالتقليص، بدا الفتحاويون من رؤساء البلديات والمجالس القروية، فاشلين وغير قادرين على عمل شيء!

 

*  *  *

 

لا نملك، حيال نتائج الانتخابات، إلا أن نفخر بالممارسة الديموقراطية الفلسطينية، التي باتت خيارنا في الحسم الداخلي، وأن نبدي اعتزازنا، باللجنة العليا للانتخابات، وأن نحترم خيار المواطن الفلسطيني، الذي يرغب في الأفضل، ولا تنطلي عليه الأوضاع الخطأ. أما برقيتا "حماس" فهما جديرتان بالتأمل وبالتحسّب. والكُرة باتت في ملعب الحركة والسلطة. بالنسبة للحركة أن تخوض في الأجوبة، على مجموعة من الأسئلة المتناسلة: من الذي قام بترشيح المرشحين؟ ووفقاً لأية معايير؟ وما هو حجم الجهد، الذي بذلته الحركة، للتعريف بتوجهاتها؟ وما هو أثر التجربة الماضية، للسلطة والحركة، على خيارات الناخبين؟ وأسئلة أخرى كثيرة! إن من يزرع يحصد، وحلال على الحاصدين، بل من العيب أن يفوتني تسجيل التهنئة الصادقة، لجميع الفائزين، لأنهم جميعاً إخوتنا وأبناؤنا!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع