حق العودة شأن شخصي لا تملك اي سلطة التنازل عنه: المعاني
الكامنة وراء القول بالتفاوض حول قرار 194
2005/01/20
عوني
فرسخ
في حوار بثته هيئة الإذاعة البريطانية بي، بي، سي صباح الأحد الثاني من
يناير / كانون ثاني الجاري أجاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السيد محمود
عباس (أبو مازن) عن سؤاله ماذا يعني بقولــه لا بد من إيجاد حل عادل لقضية
اللاجئين إنه إنما يقصد أن يجري التفاوض حول القرار 194. والقول له دلالته
الخطرة علي مصالح ومصير ما يقارب الثلاثة ملايين عربي فلسطيني في الأرض
المحتلة والجوار العربي وفي الشتات. كما أن له تأثيره المؤكد في الواقع
السكاني الديمغرافي لأكثر من قطر عربي، وبخاصة لبنان.
وبداية ألاحظ أن القرار 194 لم يأت عفويا وإنما كان موضوع جدل مستفيض في
الجمعية العامة للأمم المتحدة يومذاك. وكان إعلان إسرائيل القبول به شرط
قبولها عضوا في الأمم المتحدة. وبالتالي فالقرار تم التفاوض عليه وليس
بحاجة لتفاوض جديد. وأي تفاوض مستجد حوله إنما يعني إلغاءه عمليا، وإن لم
يصدر بذلك قرار يلغيه عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرته، والتي
هي وحدها المخولة بالغائه.
وانبه في هذا المجال لما تم بالنسبة لقراري مجلس الأمن 242 و 338.
فالقراران كما هو وارد في نص أولهما وتأكيد ثانيهما، صدرا علي أساس أن ليس
للمعتدي أن يحتفظ بمكاسب عدوانه. وعليه فان إسرائيل ملزمة بموجبهما
بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة بما في
ذلك القدس الشرقية وهضبة الجولان ومنطقة الحمة، والعودة إلي حدود الرابع من
حزيران / يونيو 1967. ولقد كان شرط الإدارة الأمريكية للتباحث مع منظمة
التحرير الفلسطينية إعلانها الاعتراف بالقرار 242. وذلك ما حصل فعلا عندما
ألقي الرئيس الراحل ياسر عرفات خطابه التاريخي في اجتماع الجمعية العامة
للأمم المتحدة في جنيف سنة 1988. وقيل يومذاك إن وزير الخارجية الأمريكي
جورج شولتز كان له دوره في صياغة البيان الذي القاه الرئيس الفلسطيني.
وكما القرار 194 كذلك كان الأمر بالنسبة للقرار 242 الصادر في نوفمبر /
تشرين الثاني سنة 1967 بعد مفاوضات مستفيضة فيما بين الإدارة الأمريكية
والاتحاد السوفياتي وأعضاء مجلس الأمن يومذاك والاتصالات المكثفة مع كل من
مصر وسوريا والاردن واسرائيل. وعندما اصدره مجلس الأمن كانت القوتان الاعظم
وبقية اعضاء المجلس وحكومات الدول الأربع قد إنتهوا إلي أن القرار لم يعد
قابلا للتفاوض وإنما هو واجب التنفيذ. ولكن الإدارة الأمريكية هي التي عطلت
تنفيذه، كما أكد الصحافي والدبلوماسي الفرنسي المخضرم أريك رولو في محاضرة
له في نادي الصحافة في دبي قبل نحو عامين، ثم أعاد تأكيد قوله في لقاء مع
تلفزيون دبي في اليوم التالي.
وعندما دعت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش الاب إلي انعقاد مؤتمر مدريد في
خريف سنة 1992 ـ والذي صادف عقده انقضاء خمسمائة عام علي طرد العرب من
غرناطة آخر مواقعهم في الأندلس ـ قال أكثر من محلل سياسي عربي يومها إن
الغاية من انعقاد المؤتمر إنما هي الإلغاء العملي لقراري مجلس الأمن 242 و
338 لاستحالة إلغائهما من المجلس الذي أصدرهما. غير أن مسوقي الدعوة
للمؤتمر العتيد من صناع قرار واعلاميين عربا احتجوا بأن المؤتمر إنما يعقد
علي قاعدة الأرض مقابل السلام ، بما يعني انسحاب إسرائيل من كامل الأرض
التي احتلتها سنة 1967 مقابل السلام العربي معها.
وهل حصاد اثني عشر عاما من المفاوضات الماراثونية منذ اللقاء الأول في
مدريد سوي مضاعفة المستوطنات والغاء القرارين 242 و 338 وانتظار قرارات
شارون حول النسبة التي تنسحب منها إسرائيل من الضفة، وموقع الجدار العازل
ومدي بعده أو قربه مما يسمي الخط الأخضر ، واعادة الانتشار في قطاع غزة،
وما يمكن أن تقر به اسرائيل من حقوق عربية في القدس الشرقية؟!! وليس هناك
من ذكر للانسحاب من الجولان والحمة إلي حدود 4/6/1967، وإنما مبادرات تراوح
بين اقتسام الجولان بما يبقي لإسرائيل سيطرتها علي منابع نهر الأردن. وبين
القول بعرض مضمونه الأمن مقابل الأمن ، كما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في
لقائه مع فضائية الجزيرة بمناسبة العام الجديد.
وكما كان الامتناع عن تنفيذ قراري مجلس الأمن 242 و 338 علة عدم التوصل
للتسوية خلال السنوات السبعة والثلاثين الماضية، برغم تعدد الوساطات
واللقاءات وتوالي المفاوضات. كذلك كان الأمر بالنسبة لكل الاتصالات التي
تعددت علي مدي الخمسة والخمسين عاما الماضية، والتي حال دون إنجاح أي منها
إجماع صناع القرار الصهيوني علي رفض العودة لحدود التقسيم والالتزام بتنفيذ
القرار 194، بعد أن حققت إسرائيل غايتها من إعلان القبول به ، ألا وهو
قبولها عضوا في الأمم المتحدة.
ويذكر ناحوم غولدمان في مذكراته انه، في أعقاب توقيع مصر وسوريا والأردن
ولبنان اتفاقيات الهدنة سنة 1949، راجع بن غوريون بشأن الصلح مع العرب، وقد
عبروا بتوقيعهم اتفاقيات الهدنة عن قبولهم العملي بقرار التقسيم ومشروعية
وجود إسرائيل. ولكن بن غوريون رد عليه بأنه غير مستعد للسلام في الظرف
الراهن، لان واقع الشارع العربي لا يسمح لأي حاكم إبرام الصلح مع إسرائيل
دون انسحابها لحدود التقسيم بموجب القرار 181 وعودة اللاجئين وفقا للقرار
194، وكلا الأمرين يعني خسارة مكاسب اسرائيل من حرب 1948.
وفي سنة 1953 راجع جون فوستر دلس وزير الخارجية الأمريكية الرئيس الراحل
جمال عبد الناصر في موضوع الصلح مع إسرائيل، فكان رده إنه علي استعداد لذلك
إذا انسحبت إسرائيل لحدود التقسيم، مع إعادة النقب للعرب كما كان قد اقترح
الوسيط الدولي الكونت برنادوت ـ قبل اغتياله من قبل عصابة شتيرين بزعامة
اسحق شامير ـ وتنفيذ القرار 194 بعودة اللاجئين والتعويض عليهم. وحمل دلس
عرض عبد الناصر لرئيس وزراء إسرائيل يومذاك موشيه شاريت (شرتوك)، والذي كان
يوصف بأنه حمامة سلام، إلا أن رده جاء أكثر تصلبا من رد بن غوريون قبل أربع
سنوات.
فقد نقل عنه قوله يومذاك: إن أصدقاء إسرائيل لا يجوز أن يطالبوها بالانسحاب
لحدود التقسيم لان ذلك هو الانتحار بالنسبة لها. وإن أصدقاء إسرائيل لا
يجوز أن يطالبوها بإعادة اللاجئين لان ذلك بمثابة الانتحار أيضا. وإن
أصـــــدقاء إسرائيل لا يجــــوز أن يطالبوها بدفع تعويضات عن أراض وحقوق
لأن ما لديها من المال بالكاد يفي باحتياجاتها، وعليهم أن يدبروا أموال
التعويضات المطلوبة للتسوية.
ولقد تواصل الإصرار العربي علي عدم التفريط بالقرار 194. ومع أن الرئيس
عرفات قدم العديد من التنازلات قبل قمة كامب ديفيد سنة 2000 في محاولة
صادقة منه يرحمه الله ويغفر له للوصول إلي تسوية تلبي الحد الأدني من
الحقوق العربية المشروعة. ولكنه رفض التنازل عن الحقوق العربية في القدس
وعن حق العودة لإدراكه أهمية هذا الحق لما يجاوز الثلاثة ملايــــين عربي
فلسطيني، وتداعياته الخطرة علي تواجد قرابة نصفهم خارج حدود وطنهم المحتل.
ولقد دفع رحمه الله غاليا ثمن تمسكه بما تبقي من الثوابت الوطـــــنية.
ولكنه ترك لمن يخلفه في موقع المسؤولية ما لا يمكنه التنازل عنه.
وقد يقال ليس عمليا الإصرار علي تنفيذ حق العودة بموجب القرار 194 بعد خمسة
وخمسين عاما من صدوره. وهو قول يدحضه قانون العودة الصهيوني الذي يجيز لكل
يهودي، أو من هو من أم يهودية، بصرف النظر عن أصوله وانعدام الصلة
التاريخية لأجداد أجداده بفلسطين، أن يعود إليها بعد ما يقارب الألفي عام
من طرد الرومان لاخر اليهود المتبقين فيها. أما القول بأنه لم يعد في
فلسطين المحتلة متسع لعودة اللاجئين فتضحده الدراسة الموثقة التي قدمها د.
سلمان أبو ستة وأوضح فيها أن الصهاينة لا يستغلون سوي نسبة محدودة من ارض
الوطن المحتل. فضلا عن المخططات الصهيونية لاستقدام مليون مهاجر جديد علاوة
علي المليون الذي هجر من الاتحاد السوفياتي خلال العقدين الماضيين.
ثم إن حق العودة حق شخصي لا تملك أي سلطة التفريط به، كما يقرر ذلك
المختصون في القانون الدولي والعام، والتي لا يجهلها يقينا السيد محمود
عباس وأركان سلطة الحكم الذاتي. كما انهم لا يجهلون مدي التداعيات الخطرة
للتخلي عن حق العودة علي الواقع السكاني الديمغرافي في الأقطار المضيفة
للاجئين، وبخاصة لبنان المجمعة كل ألوان طيفه السياسي والفكري والطائفي علي
رفض التوطين. فضلا عن آثار ذلك شديدة السلبية علي اللاجئين الذين كانوا ولا
زالوا مادة المقاومة الفلسطينية.
وقد يقولون ولكن خريطة الطريق تضمنت القول بالحل العادل لمشكلة اللاجئين.
والسؤال عادل لمن: هل هو للاجئين أصحاب الحقوق غير القابلة للتصرف أم هو
لإسرائيل مغتصبة الأرض والمتنكرة للحقوق؟!! أما القول بأن الأمر سيكون
موضوعا للمفاوضات فقول يتجاهل أن حصيلة المفاوضات ما كانت يوما إلا محصلة
موازين القوي المادية والمعنوية. كما يسقط من حسابه الظروف الذاتية
والموضوعية التي يصدر فيها قول السيد محمود عباس وفريق أوسلو، المرشح لأن
يكون صاحب الدور الأول في صناعة قرار السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في
مقبلات الأيام.
وحين يكون إنهاء ما يسمي عسكرة الانتفاضة الشرط الأول للعودة إلي مائدة
المفاوضات، وتكون الاشتراطات الأمنية علي الجانب الفلسطيني أول ما تنص عليه
خارطة الطريق ، فمعني ذلك في التحليل الأخير تجريد المفاوض الفلسطيني من كل
أوراق قوة يمتلكها. فضلا عن أن قراءة الأستاذ محمد حسنين هيكل لمعطيات
الواقع الدولي والعربي انتهت به إلي القول بأنه لم يتبق مجال للتفاوض وإنما
هناك إملاءات مطلوب قبولها أو رفضها. ولا احسب أن ما صدر عن السيد محمود
عباس في موضوع حق العودة و عسكرة الانتفاضة ، يرجح كفة رفضه ما هو مطلوب
منه إقراره.
والسيد محمود عباس (ابو مازن) حين يعلن عزمه علي انهاء ما يسمي عسكرة
الانتفاضة ، وأنه يريد التفاوض علي حل عادل في موضوع اللاجئين علي اساس
القرار 194، فإنه بهذا يكون قد حدد ابعاد برنامجه الانتخابي بما لا يخرج به
عن نهج أوسلو، الذي اختبر حصاده المر شعب الصمود والمقاومة والارادة التي
عجزت آلة الحرب الصهيونية عن قهرها.
وهذا ما ينبغي أن يأخذه في حسبانه كل من سيذهب لصندوق الانتخابات في
الاسبوع القادم. لأنه سيكون مسؤولا امام شعبه وامته عن اهدار حق ثلاثة
ملايين عربي فلسطيني علي مذبح شبه دولة، الغاية منها انجاز ما عجزت عن
انجازه آلة الحرب الصهيونية. وكل ما أتمناه وأدعو له أن يجنب الله شعبنا
التداعيات الخطرة لإلغاء حق العودة وحق الشعب المحتلة ارضه والمغتصبة حقوقه
بالمقاومة المشروعة في القانون الدولي والنتائج المأساوية لمفاوضات محسومة
نتائجها سلفا.
كاتب من فلسطين يقيم في الامارات
|