سيبقى يوم الخامس والعشرين من يناير 2006 ، علامة فارقة في تاريخ الشعب
الفلسطيني ، الذي قدم للعالم جوهر صورته الحضارية ، لحظة ان توجه الجميع
إلي صناديق الاقتراع ؛ لتجديد دورة الحياة البرلمانية ، التي طال
احتباسها ، لأسباب اغلبها خارج عن إرادته ، تلك الصورة التي دعمها وحماها
الموقف الإيجابي الفاعل لرجال الأمن ، إلي جانب جميع القوى السياسية ،
وبدعم الإرادة الجماهيرية وإصرارها على ان يكون ذلك اليوم يوما فلسطينيا
، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وهو ماكان بالفعل .
ولكن وما ان بدأت صناديق الاقتراع تبوح بأسرارها ، حتى بدأت محاولات
اعادة صياغة مكونات المشهد الداخلي الفلسطيني ، الذي أخذت ملامحه في
التشكل اثر فوز حركة حماس بهذه الانتخابات ، فأخذت عديد الأطراف الدولية
تحضر العصي لوضعها في دولايب المسيرة ، ملوحة بسلاح مقاطعة الفائز ،
ومعاقبة الشعب الفلسطيني ، بحجب مساعداتها عنه ، هذا بالرغم من ان هذه
الأطراف كانت تصفق للجماهير الفلسطينية التي أدت واجبها الانتخابي ، مع
احترامها الكامل والصارم ، لقواعد وضوابط سير العملية الانتخابية
الديمقراطية ، التي تميزت بالنزاهة والشفافية المطلوبة ، والتوافق مع
الأسس والمعايير التي سنتها هذه الأطراف ذاتها ، وذلك بشهادة المئات من "
عيونها " الذين تجولوا في لجان الاقتراع ، وبالطريقة التي تحلو لهم ،
سواء من الإعلاميين ، أو في هيئة مراقبين دوليين ، يتقدمهم الرئيس
الأمريكي الأسبق " جيمي كارتر " ..
وعلى الصعيد الداخلي برزت أصوات عديدة ، تشكك في قدرة حركة حماس وعدمية
برنامجها الذي يمثل في نظرها كارثة على الشعب الفلسطيني . لقد أدى ذلك
إلي اختلاط الموقف الداخلي المنتقد لفوز حماس وبرنامجها ، بالموقف
الخارجي الممانع لنتائج العملية الانتخابية ، في لحظة لا يستطيع أحد ان
ينكر دقتها وحساسيتها ، ونقول بدون تطير " وخطورتها " . لذلك اصبح من
الضروري ، فك حالة التداخل والاختلاط بين معطيات وتداعيات المشهد الداخلي
من جهة ، وبين معطيات وتداعيات الموقف الخارجي الممانع والضاغط من جهة
أخرى ، ومن اجل الإمساك بكل قوانا بهذه اللحظة التاريخية التي بدأ فيها
التأسيس لتداول السلطة ، عبر صناديق الاقتراع ، ففيها تكمن عظمة الشعب
الفلسطيني ، وصورته الحقيقية .
وهو أمر يستدعي وبوضوح وضع الحد الفاصل والواضح ، بين ان تجرب حماس حظها
، بما أنها تمثل خيار الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة التاريخية ، وهو
المعني بمكافئتها على نجاحها ، ومحاسبتها على فشلها ، وهي مسألة تبقى
محصورة ضمن إطار صراع البرامج السياسية على المستوى الداخلي. وبين ان
تحرم من هذه التجربة نتيجة التدخل الخارجي ، وهي مسألة تدخل ضمن إطار
الضغوط الخارجية التي تمارس على الشعب الفلسطيني .
ومن أجل وضع هذا الحد ، من الضروري ان تبادر القوائم التي شاركت في
الانتخابات ، بإصدار موقف موحد أو كل على حدة " وعدم الاكتفاء بالتصريحات
بعض القيادات " تعلن قبولها بنتائج العملية الانتخابية الديمقراطية ،
وتحدد موقفها من الدعم الخارجي للشعب الفلسطيني ، على قاعدة عدم ربطه
وشرطه بخصائص الطرف الفائز ، فالقوى تتغير وتتبدل مادمنا
قد اخترنا تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع ، والشعب هو الأبقى .
وهذا يعني الكف عن التصريحات التي تتحدث عن ان الشعب الفلسطيني يعيش على
المساعدات الدولية ، التي ستتوقف بسبب برنامج حماس ، ذلك ان طرح الموضوع
بهذه الطريقة بمناسبة وغير مناسبة ، وفي ظل تقاطعه مع اطروحات دولية تمضي
بهذا الاتجاه ، لن يفهم ألا باعتباره تبريرا لتلك الاطروحات ، سواء تم
ذلك بوعي أو بدون وعي ، وهي مسألة يكتنفها محاذير عديدة ، خاصة وأنها
تبدو وكأنها محاولة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني ، التي لن تدفع الجماهير
إلى دق أبواب بيوت من لم تصوت لهم ، وتحملهم على أكتافها ـ معتذرة ـ إلي
المجلس التشريعي ، ولكنها ستندفع بها خلف مواقف وقوى ، تبدو حركة حماس
بالنسبة لها حركة معتدلة ، ـ وبالتعبير الفلسطيني ـ " ومنبطحة " .