بسم الله الرحمن الرحيم

بين حل السلطة والحل السياسي بأي ثمن

 

د. سلمان محمد سلمان 

بسبب المأساة التي حصلت في أريحا والإهانة الكبيرة التي أحس بها كل فلسطيني وإنسان بسبب العجرفة الإسرائيلية وغلبانية السلطة فقد انطلقت دعوات لاستقالة أبو مازن وأخرى لحل السلطة. والدعوات تبدو صادقة النية ممن طرحوها والسؤال هل هناك بديل آخر أصلا.

هناك ملاحظات تستحق الاعتبار:

إن حدث الاقتحام ليس فريدا بنوعه أو بمستوى الإهانة به فكل ما يحصل على الحواجز يذكر الناس بالمستوى الهزيل من السيادة التي تستطيع السلطة ممارسته. الانفعال لاقتحام المقاطعة في أريحا يحمل رسالة أخرى وهي فشل فكرة اعتقال مناضلينا لأجل حمايتهم عندما يتهرب من كفلوا الاتفاق.  الدرس الأهم للجميع هو خطأ قبول القيام بهذا الدور أصلا. ومع أن البداية قد تمت بظروف مأساوية أثناء حصار أبو عمار وربما يمكن فهم لماذا تمت إلا أن الاستمرار في قبول هذا الدور هو الخطأ الذي أثار الحفيظة لدي الجميع.

إن ما يحصل من تجاوزات بحق السيادة الفلسطينية من قبل الإسرائيليين لا يمكن منع معظمه بسبب القوة الغاشمة. وقد اعتقد من يسوقون للحلول أن توفير الكفالة الغربية هو الضمان الوحيد وتصرفوا كمن حقق إنجازا وانطبق هذا على كل السياسة الفلسطينية منذ اوسلو كان ذلك أمنا أو دعما ماليا. وقد تبين هزال الضمان الامنى العام منذ البداية فتشبثنا بالدعم المالي. والآن يظهر سقوط حتى الضمان الأمني الخاص وتهديد الضمان المالي.

بعد فشل اساس الفكرة من الصعب قبول تصرف أي مستوى بكبرياء السيادة على المواطنين مع أن الأولى بهم التواضع أمام الشعب حتى لو وفروا الأمن الخارجي فكيف الحال عندما يكون العكس. وما دام توفير الأمن غير ممكن فالأولى من الناحية المبداية الانسحاب أو على الأقل عدم الاستمرار في تمثيل دور المسئول صاحب السيادة.

نحن جميعا تحت الاحتلال ولا ينقص منا أن نتحمل الظلم والإهانة في سبيل البقاء والصمود ولكن العيب أن نمثل على بعضنا دور الزعامة التي تتكئ أصلا على القبول الإسرائيلي.  نحن نقبل زعامة المناضل الحر في دفاعه عن مقدسات الوطن ولكن من المستحيل أن نقبل الزعامة التي تقوم على تمييز الإسرائيلي لها.  ولنعتمد المرجعية الأصيلة - إن أكرمكم عند الله اتقاكم - وأكرمنا أمام الاحتلال من يقاومه.

يستمر تمثيل الدور السيادي مكابرة على الغبن الشديد الذي حصل في اوسلو ولان الطبقة المنتفعة امتلكت فعلا وسائل وامتيازات جعلتها لا تشعر بالإهانة الوطنية الشاملة أو لا تريد الشعور بسبب الخوف من فقدان تلك الامتيازات. إن ممارسة الكبرياء على الشعب من قبل البعض لا يمكن فهمها إلا غباءا أو فسادا أو سقوطا فهل نتواضع مع بعضنا اعترافا بأننا تحت الاحتلال وهل نستطيع الاعتزاز أمام العدو من خلال رفض املاءاته.

ما دامت المسالة قد استنفذت كل الاحتمالات ولا نستطيع فرض تغيير على الحلول الإسرائيلية ووصلنا للنتيجة أن الإهانة مستمرة بعض النظر عمن في السلطة- الإهانة تستمر رغم أن أبو مازن ينادي ليل نهار بالالتزام بالاتفاقيات ويدعو لعدم اللجوء للقوة.  المعاناة تستمر مهما كان موقفك لان المسالة معركة بقاء والحر يقرؤها كذلك.

السؤال هل بقي شيء يستحق بقاء السلطة فعلا:

رغم أنها لا تسمن ولا تغني سياسيا او امنيا وربما تضر ولا تنفع ورغم أنها تمثل القيام بالدور الخدماتي عن إسرائيل دون التحرر ورغم أن كل من عارض الحل كان لا يريد قيام السلطة أصلا - إلا أن قيامها بذاته قد حصل ومن الصعب هكذا حل الأمر فمصالح الناس والأمن الداخلي والحقوق العامة تمنع مبادرة الحل والتفكيك.

بالمقابل علينا أن نتذكر أن السلطة لا تستحق التضحية من اجل بقائها أيضا.  أنها أمر واقع هزيل وشكل أخر من أشكال الاحتلال ولكنه شكل اخذ بعدا به تحقيق مصالح للناس.  المهم ألا نقبل دفع ثمن اكبر من قيمتها. من الخطأ أن نتنازل عن حقوق أساسية أو مواقف مبداية تحت شعار الحرص على بقاء السلطة. أو أن ندخل في نفق الحل المظلم دون تعريف لحدوده بسبب الخوف من زوالها.

إن قيام السلطة يحقق منفعة فلسطينية لكنه منفعة إسرائيلية أيضا فلا يجوز أن نقبل بدفع ثمن أكثر مما نحقق من وجودها.  فإذا أرادت إسرائيل حلها فلتقم بذلك ولتدفع هي الثمن وهذا لن يلغي شرعية الشرفاء بها. إن ما يلغي شرعيتها هو أن لا تقوم بالدور الوطني.

 مع الاعتراف بصعوبة حل السلطة كمبادرة ذاتية إلا أن ذلك يتطلب أن نضع حدودا. من غير المقبول أن يكون الانضواء للسلطة امتيازا بل يجب أن يكون تكليفا.  من الممنوع أن يكون ثمن وجود السلطة أو ضمنها تنازلا مبدايا وإنما أن تكون منبرا للصمود والنضال وان نقبل دفع ثمن بقاء الموقف الوطني مشرفا. عند ذلك لن نشعر بالإهانة (مع أننا سنتألم) لو تم الاقتحام كل يوم ولو تم إنهاء السلطة أو تفكيكها.

إن ما كان محزنا ومخزيا خلال السنوات العجاف السابقة هو تصرف المنتفعين بالعنجهية والكبرياء وتحقيق المكاسب مقابل ضحالة الموقف السياسي- المطلوب هو العكس: نريد من يقدمون للسلطة مواقفهم وصمودهم مقابل تكريمنا لهم إذا استمروا بالصمود حتى لو لم يحققوا المكاسب. مع أن تحقيق المكاسب سيكون أكثر احتمالا لان اكبر المكاسب وحدتنا ورضانا عن أنفسنا. علينا لا نقبل الاستمرار بمسلسلات الفساد وعلى كل من يريد أن يكون مسئولا أن يعرف الدور الجديد وسنكرمه لذلك.

** أستاذ فيزياء الطاقة العالية والدقائق الأولية قلقيلية - فلسطين

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع