الخسران
بقلم:
حمدي فراج
*
موقع أمين 09/09/2004
تشبه حالة أحمد قريع رئيس وزراء السلطة الفلسطينية مع رئيس السلطة ياسر
عرفات حالة (لا انا مع سيدي بخير، ولا مع ستي بخير)،
فالرجل رغم كل ما يمكن أن يقال عنه وعن تاريخه اللانضالي، الا انه يستشعر
الخجل ازاء التلويح باستقالته في كل مرة يختلف فيها مع الرئيس، ولهذا يعتقد
انه غير سعيد بهذه الاسطوانة
المكررة والممجوجة والمشروخة التي سرعان ما يطلقها على جماهير الناس التي
ينتابها القرف من كل اسطوانات السلطة، فكيف بهذه الاسطوانه؟ انه يرغب اليوم
لو يستطيع ان يقدم استقالته (يخلص) دون ان يدري أحد، ولكن هذا مستحيل.
السيد أحمد قريع مخطئ
شديد الخطأ، ومدان من ساسه الى رأسه كما يقال، ليس لأنه
دخل الحياة السياسية الفلسطينية من شباك البزنس، كما فعل معظم رموز السلطة
بافتقار شبه كلي لتاريخ او لسجل نضالي، فحسب، بل لأنه قبل بهذا المنصب
الكبير والأجوف.
فهو يدرك أكثر من غيره، لأنه مع محمود عباس أشرفا على اتفاقية اوسلو التي
لا ذكر فيها لوزير، فكيف لرئيس وزراء؟ ومن ناحية ثانية، يدرك ان الخلاف مع
عباس لم يكن في عباس بل في عرفات، الذي اجبر على القبول باستحداث هكذا
منصب. اما الناحية الثالثة، فهي انتقاله من رئاسة التشريعي الاقرب الى
الناس ومعايشة همومهم من خلال ممثليهم، ومن خلال تشريع قوانينهم ومستقبلهم
واستراتيجيتهم وتعميق ديمقراطيتهم، وهو بهذا يكون انتقل من النقيض الى
النقيض، فخسر التشريعي وخسر الوزراء معا، وخسر عرفات وعباس معا، والأهم من
كل ذلك انه خسر الشعب الذي لم يثق فيه ولا
للحظة،
تماما كما هو لم يثق بالشعب ولا مرة.
البعض يراهن على أنه قد يذهب لسحب استقالته، تحت ضغوطات او وساطات وتبريرات
وتأسفات ... الخ، ولكن هذا يزيد في تعقيد المسألة، ويزيد في ارفضاض الشعب
من حوله، هو وعرفات والسلطة عموما.
وبالمناسبة، فان قريع، شأنه شأن اي قائد سياسي غير مناضل، (الفرق بين
السياسي والمناضل ان الاول دائما يأخذ والثاني دائما يعطي) لم ولن يستطيع
تحقيق وتنجيز أي شيء على صعيد حياة ومستقبل الشعب، ولا حتى في القضايا
البسيطة غير المعقدة، مثل صفقة الاسمنت التي ماتت على طاولته، او اي طاولة
اخرى، فهو الذي يتحمل المسؤولية طالما قبل ان يصبح رئيسا للوزراء، فولدت
بدلا منها صفقة الباصات
DAF،
وكذا حال محاولة اغتيال النائب نبيل عمرو، التي ماتت ايضا على طاولته،
وولدت نتيجة هذا الموت قضية جديدة هي محاولة اغتيال ابو رجب ... وهكذا
دواليك.
وبالمناسبة، فانه لا فرق يذكر بين قريع وعرفات، فالأول آثر منصب رئيس
الوزراء المفرغ على منصب رئيس التشريعي، والثاني آثر منصب رئيس السلطة، على
منصب رئيس الثورة. لكنهما الاثنان خسرا المنصبين ومعهما جماهير الشعب
الفلسطيني والعربي على حد سواء ...
*** *** ***
قال الشاعر أحمد مطر: طفح الكيل، وآن لكم ان تسمعوا قولا ثقيلا / نحن لا
نجهل من انتم، غسلناكم جميعا، وعصرناكم، ثم جففنا الغسيلا / نحن نرجو كل من
فيه بقايا خجل أن يستقيلا/ نحن لا نسألكم غير الرحيلا / وعلى رغم القباحات
التي خلفتموها، سوف لا ننسى لكم هذا الجميلا / ارحلوا، ونحن نشكركم شكرا
جزيلا ...ِ
* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة.
|