هدية
فلسطين إلى قمة شرم الشيخ
خمسُ نجومٍ في فضاءِ السجنِ، وعقدٌ من
الكبرياءِ
د.
فايز صلاح أبو شمالة
ينسجون وقتهم بإبر الشوق والحنين، وينظمون حزنهم بحبل الشوك
والأنين، صباح مساء يمشطون شعر حنانهم للأهل، وينفشون تلال الذكري عسى أن
يعثروا على فرح منسي، أو بسمة محتشمة، غربت شمس شبابهم، وما انطفأ بريق
أحلامهم، يتوسدون الأمل المتيبس على أسوار السجن، ويلتحفون الغد المصلوب
على الأسلاك الشائكة، وفي قلوبهم آه، آهٍ تتسلل من كوى الزنازين، تسافر مع
الغيم الذي يذرف دموعاً حزينة على فلسطين، وعلى شباب فلسطين الذين تناساهم
الأخوة، أقسموا لهم أنهم لن يتركوهم، لن يتخلوا عنهم أبداً، مرت سنة،
سنتان، عشر سنوات، عشرون سنة، مر عليهم خمس وعشرون سنة وأكثر، وهم في سجون
إسرائيل، تتوضأ عيونهم بصورة الأحبة، وتتصلب أرواحهم على شبك الزيارة
الناشف، وتتلمظ شفاههم بالصلاة، والسؤال الذي لم يطرق جوابه بوابات
السجون!، متى؟؟!!
إنهم خمس نجوم في سماء فلسطين، وفي سماء الأمة العربية التي
نادت عليهم لتحرير فلسطين، أمضوا ما يزيد عن خمس وعشرين سنة في سجون
إسرائيل، وما زالوا خلف القضبان، ينتظرون، وكلهم ثقة بأن كرامة العرب تأبى
أن يلتقي زعماؤها مع شارون دون إطلاق سراحهم، وشهامة قادة الأمة، ورؤساؤها
ترفض بشمم أن يغيب هؤلاء الأسرى عن لقاء شرم الشيخ:
الأول:
سعيد وجيه سعيد العتبة، قد يكون نسى طعم الحياة بعيداً عن السجن، أو
نسي أن هناك حياة، وأحياء، وأشقاء بعيداً عن الأسوار، منذ ذاك اليوم،
29/7/1977، فلم يعد يذكر سعيد معالم مدينة نابلس التي تربى بها، أو ربما
تكون نابلس قد نسيت أن أحد أبنائها يحمل اسم سعيد، ولم يعرف السعادة
منذ ثمانية وعشرين عاماً في سجون إسرائيل، فقد غيرت نابلس ثوبها، وبدلت
صباها، وصبغت شعرها الأبيض لتبدو أكثر شباباً، ورقصت نابلس في فستان الحياة
عدد من السنين، قبل أن يداهمها الموت الإسرائيلي المدلهم، ويفاجئها التدمير
والتفجير والقتل الإسرائيلي الفاجر، بكت نابلس دماً، ولم تلبس ثياب الحداد
هي تودع العشرات من شهدائها، ضمدت نزف جراح الشرفاء، ولم تغمض لها عين، فما
زالت تنتظر، فهل ستصحو نابلس ذات صباح وقد عاد إليها سعيد العتبة، لتلبس
ثوب الفرح الحزين، وتتزين بالغار الباكي، ورماد الفخار، وتعلق قلادة الدمع
على جبين جبل النار.
الثاني:
نائل صالح عبد الله البرغوثي، من مدينة رام الله، أدخل السجن
الإسرائيلي في 4/4/1978، لقد تأخر عن سعيد العتبة سبعة أشهر، ليكون الثاني
من الأسرى الذين ينتظرون الإفراج عنهم، إن صدقت النوايا، وانجلت الحقائق
التي تخبؤها الأيام، فقد استعدت رام الله، وراحت تخطو نحو السلام الذي
سيعيد الأسرى إلى بيوتهم، وأعدت نفسها وغيرها من مدن فلسطين لاستقبال
المحررين، ولن تهادن في ذلك، ستخرج رام الله إلى الشوارع لتقبُّل الفرح
بعودة الصابرين، أو لتقبُّل التعازي بوفاة وفاء الموقعين، واستنكاراً كل ما
تم التوصل إليه من اتفاق لم يحرر نائل البرغوثي، وأمثاله، فقد بلغ السيل
الزبي، وفاض الصبر إلى حد التمرد على السجن الذين يلوك بفكية المتوحشتين
لحم بني البشر من الفلسطينيين.
الثالث:
فخري عصفور عبد الله البرغوثي،
ابن عم نائل، أدخل السجن الإسرائيلي في 23/6/1978، يقترب الآن من سبع
وعشرين سنة في معسكرات إسرائيل لذبح الإنسانية، معسكرات القتل البطيء
لمعاني الحياة، ولشهوة السلام التي فطر الله عليها بني البشر، فقد كبر أحد
أبناء فخري البرغوثي، وصار شاباً يافعاً، فأدخل السجن الإسرائيلي، ليتعرف
على أبية هناك، في سجون إسرائيل، دولة إسرائيل التي تتباكى على ما حل
باليهود على أيدي النازية، لا تسمح للأب أن يضم ابنه إلا في السجن، وابن لا
يتعرف على أبيه إلا في غرف السجن!!! من يستطيع أن يصف لي مذاق لفظة ( يابا)
على شفاه الأب السجين فخري؟ وهل يستطيع الأب فخري أن ينطق بها؟ هل تلتقط
أذن ابنه السجين دلالة اللفظة (يابا)؟ نحن في القرن الواحد والعشرين، ولم
نعتدِ على أحدٍ!! لكن في أي عصر يعيش هذا المجرم الإسرائيلي الذي يمارس
أقسى ما يدعي أنه قد تعرض إليه؟.
الرابع:
سمير سامي علي القنطار،
عربي المنشأ، لبناني الجنسية، اقتحم السياج الفاصل بين الكرامة والخنوع،
فلم يؤمن بقطرية المواجهة، ولم يصدق ما يقال عن القضية الفلسطينية؛ بأنها
شأن الفلسطينيين فقط، والدليل على ذلك مؤتمر شرم الشيخ، لم يكن يتعدى سمير
سبعة عشر عاماً في تاريخ 22/4/1979، عندما وقع في الأسر بعد اشتباك مسلح في
بلدة نهاريا الإسرائيلية، منذ ذاك التاريخ حتى الآن أمضى سمير ثلثي عمره في
السجون الإسرائيلية، ولم يفقد الأمل بأمة عربية تمتد من المشرق إلى المغرب،
رغم أنها تنام على أذنها، وأولادها في السجون، وتستيقظ على أحلامها في
غياهب الجب.
بينما هناك، خلف حدود فلسطين، في بلدة (عبيّة) شرق بيروت، ما
زالت تنتظر أم سمير القنطار أن يدق عليها سمير باب الدار، وأن ترى ذاك
الشاب اليافع سمير، تأخذه إلى حضنها، ولكنها لا تعرف أن قلب ولدها قد شاب
خلف القضبان، بعدما ضاق عليه المكان، واتسع عقله لحكمة، وحكم الزمان!!.
الخامس:
أكرم عبد العزيز سعيد منصور،
من مدينة قلقيلية في شمال الضفة الغربية من فلسطين، أدخل السجن الإسرائيلي
في 2/8/1979، أكمل سنوات اليوبيل الفضي خلف القضبان، خمس وعشرين عاماً،
ونيف، ولم يمل الانتظار، ولم يتعب وهو يدق على بوابة الأمل، كل صباح يوشوش
عصفور الدوري عن الأهل، وعن الأحبة، فالقلب يرفض أن يتوقف عن الخفقان،
ويأبى أن ينزع من طياته صورة بيارات قلقيلية التي تنفس عبيرها ذات صباح،
وما زالت تعبق بأنفه رغم سنوات السجن، ولكن أكرم لا يعرف أن الجدار العنصري
قد أكل الأرض والبيارات، وترك المدينة محاصرة بالجدران، سيخرج أكرم من خلف
جدران السجن ليواجه جدار الفصل العنصري، ليعيش في انتظار جديد ليوم الخلاص
من الجدران والحدود، والفواصل العنصرية بين بني البشر.
أما عقد الكبرياء الذي يتدلى من سماء الكرامة العربية،
ويلامس بوخزه الموجع ضمير المسئولين عن الشعب العربي، ويتلألأ مكارم أخلاقٍ
على جبين حكام العرب، عشية لقائهم مع شارون في شرم الشيخ، فهم الأسرى
الفلسطينيين والعرب الذين مضى عليهم في السجون الإسرائيلية أكثر من عشرين
عاماً، وما زالوا، لم تنقص عزيمتهم، ولم تنفطر إرادتهم، يجففون دموع
الكرامة على شمس السجون الإسرائيلية الباهتة.
أسجل هنا تاريخ اعتقالهم، وأسماءهم فقط، لتذكير الزعماء العرب
بهم، وليعرف الشعب العربي أن في ليل السجون الإسرائيلية أحد عشر كوكباً:
الاسم:
البلدة تاريخ إدخاله السجن الإسرائيلي
1-
محمد إبراهيم محمد أبو علي يطا، الخليل
21/8/1980
2-
فؤاد قاسم عرفات الرازم القدس
30/1/1981
3-
إبراهيم فضل نمر جابر الخليل
18/1/1982
4-
حسن على نمر سلمة رام الله
8/8/1982
5-
عثمان على حمدان مصلح نابلس
15/10/1982
6-
سامي خالد سلامة يونس عارة، داخل إسرائيل 5/1/1983
7-
كريم يوسف فضل يونس عارة، داخل إسرائيل 6/1/1983
8-
ماهر عبد اللطيف يونس عارة، داخل إسرائيل 20/1/1983
9-
سليم على إبراهيم الكيال غزة
30/5/1983
10-حافظ
نمر محمد قندس يافا، داخل إسرائيل 15/5/1984
11-عيسى
نمر جبريل عبد ربه مخيم الدهيشة، بيت لحم
21/10/2004
يضاف إلى ما سبق، أولئك الأسرى الذين مضى عليهم في السجون الإسرائيلية
أكثر من عشرة أعوام، ويبلغ عددهم 434 سجيناً فلسطينياً وعربياً.
إن تحررهم من الأسر أمانة في أعناق الرؤساء العرب، عشية عقد مؤتمر شرم
الشيخ، مع شارون الذي تلطخت يداه بالدم العربي!!!.
قال تعالي في كتابة العزيز "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن" صدق
الله العظيم. |