أمين
الغفاري
كاتب و مفكر مصري - لندن
عرفات وأبو مازن .. توزيع للأدوار
أم اختلاف في المناهج ..؟
تاريخ
القضية الفلسطينية تاريخ طويل ، يتخطى حرب 48
وقرار
التقسيم عام 47 ، وثورة القسام عام 35 ، والانتفاضة الفلسطينية الحالية ،
وإن
كانت
أطول وأعمق الانتفاضات وأكثرها تأثيرًا ، إلا أنها ليست الأولى ، ولن تكون
الأخيرة ، فالطريق ما زال طويلا أمام الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه ،
وحتى لو
أعلنت الدولة الفلسطينية المرتقبة التي تشير إليها خارطة الطريق ، فإن ذلك
لا يعني
أنها
الدولة التي تلبي تطلعات الفلسطينيين ، أو أنها خاتمة نضالهم الطويل
.
إن القضية الفلسطينية ليست قضية خلاف أو حتى صراع
تقليدي بين دولتين ، على حدود مشتركة ، أو مصادر مياه ، كما أنها ليست
حادثة نزاع
إقليمي ، حول ملكية جزر ، أو منطقة صحراء أو آبار بترول ، تبحث عن تسوية ،
وتـنازل
من
الجانبين يمكن أن يقود إلى السلام ، ولكنها قضية الصراع بين قوى الاستعمار
العالمي ، وقيادته الحالية الولايات المتحدة الأمريكية ، والإرادة الوطنية
والقومية
في
تلك المنطقة ، وحلبة الصراع هي الإرادة الحاكمة على الموقع الجغرافي ،
والثروات
التي
تبطنها الأرض ، وليست إسرائيل في هذا الإطار سوى واجهة ، من جانب آخر لا بد
من
الإقرار بالحلم الصهيوني الخاص ، ونشاط اللوبي المتعاطف معه في الولايات
المتحدة ،
وخصوصـًا في دوائر اتخاذ القرار هناك ، والصراع في هذا الجانب صراع سياسي
اقتصادي
عرقي
نفسي ، وهو باختصار صراع وجود وليس صراع حدود
.
هاتان حقيقتان- تعبران عن الزواج اللا شرعي بين
الصهيونية والإمبريالية العالمية منذ عام 1907م- لا تحتاجان إلى تأكيد ، بل
تشهد
عليهما كل التجارب التي خاضتها حركة النضال الوطني من أجل التحرر
.
لذا يكمن الحرص الأمريكي البالغ على الأمن
الإسرائيلي ، باعتباره الخط المتقدم لأمن المصالح الأمريكية بشكل خاص ،
والغربية
بشكل
عام في هذه المنطقة من العالم ، ويضاف إلى ذلك الضغط الصهيوني ، وآثاره على
مراكز القرار الأمريكي ، وبصماته المرتقبة في عملية الانتخابات
.
إن كانت تلك حقائق معروفة وواضحة ، فالحقيقة الأكثر
وضوحـًا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الإمبراطورية الحاكمة في هذا
العصر ، وهي
واثقة أن المواجهة المسلحة المباشرة معها تعني الخسارة الحتمية للطرف الآخر
، مهما
كان
حجم الشراسة في المقاومة ، إلا أن التجربة أثبتت أن النصر العاجل ليس
بالضرورة
هو
النصر النهائي ، كما أن المواجهة السياسية معها لا تحمل قدرًا محتومـًا
بالهزيمة
،
والدليل على ذلك أنها رغم كل وسائل الترهيب والترغيب لم تستطع أن تشكل
تحالفـًا
كبيرًا في عدوانها على العراق ، كما أن قاعات مجلس الأمن وأروقته شهدت
سجالا
عنيفـًا بين منطقها العدواني ، ومنطق معارضيها روسيا وفرنسا والصين وسوريا
(وصف
فاروق الشرع عدوانها بأنه سطو مسلح) الداعي للحلول الدبلوماسية
.
ويمكن القول أن محاكمة قد جرت للسياسة الأمريكية
وتسلطها على مرأى ومسمع من العالم كله ، وصحيح أنها قد تحدت الأمم المتحدة
ومجلس
الأمن ، وقبل كل ذلك الرأي العام العالمي كله الرافض لعدوانها على العراق ،
وقامت
بارتكاب عدوانها الذي يفتقد للشرعية ، ولكنها جريمة لن تفلت بلا عقاب ،
لاسيما على
المستوى الداخلي ، وتتفجر الاستجوابات الآن أمام بوش وبلير ، وتحاصرهما في
البرلمان
وفي
أجهزة الإعلام في عقر دارهما ، كما أنها أصبحت تعاني من المشاكل في العراق
،
وتجني ثمار غرورها
.
وحين
يقف "أبو مازن" أمام بوش وشارون لكي يسمع عن رفاقه من
الفصائل الفلسطينية ، الذين يتساقط منهم يوميـًا شهداء أبطال لا يهابون
الموت ،
وتدمر لهم بيوت ، وتخرب لهم مزارع ، إنهم حفنة من القتلة ، ولا يصدر عنه
سوى طأطأة
الرأس ، دون أن ينطق أو ينبس ببنت شفة ، فإنه يمزق العلاقة النضالية التي
تربطه
بتلك
الفصائل ، ولا يمكن الظن أنها تقوية أمام بوش أو حتى شارون فكلا منهما له
أجندته الخاصة ، وكلا منهما له
مصالحه مع الآخر ، أما هو فليس له ظهير ولا رفيق سوى
من
دعاهم بوش أنهم حفنة من القتلة
.
لقد كان ذلك المؤتمر في العقبة أول ظهور له ممثلا
لشعبه كرئيس للوزراء ، صحيح أنه رئيس لوزراء دولة ، لم توجد بعد على الساحة
الدولية
،
كما أنه رئيس بالاختيار ، وليس بالانتخاب ، ولكنه في النهاية رئيس للوزراء
لكيان
يعد
الأبرز الآن على الساحة الدولية من حيث تاريخه وحاضره النضالي ، ويعد الشعب
الذي
ينتمي إليه ويمثله ذروة البطولة والكرامة والعطاء في هذا العصر الذي نحياه
،
إنه
النموذج والمثل والقدوة ، للمعنى النبيل الذي تـنطوي عليه عبارة الفداء من
أجل
الوطن ، والسؤال يا سيدي هل كنت بالفعل جدير بتمثيل هذا الشعب في ذاك
المؤتمر
؟
وبناء عليه هل يمكن أن تحدث معجزة وأن تكون المراهنة
عليه
صائبة ، أم أن الجواب يظهر من عنوانه كما يقول مثل مصري مشهور ، صدقني أن
ترحاب بوش بك يثير حفيظة الكثيرين ، وتقدير شارون لك يثير تشاؤم العديدين ،
يضاف
إلى
ذلك تصريحاتك المثيرة بتصفية عسكرة الانتفاضة تثير شكوك الأغلبية الساحقة
من
المتابعين ، وأيضـًا تلك السطور التي قرأتها في خطابك أمام بوش ، وتقول
فيها : (لا
نتجاهل عذابات اليهود على مر التاريخ وقد حان الوقت لإنهاء كل هذه
المعاناة) ، من
يا
سيدي الذي يتعرض لأبشع أنواع المعاناة ، أصحاب الأرض أم المستوطنين
المقتحمين
على
فوهة دبابة ؟ وهل هذه قناعاتك الحقيقية ، أم أنك كنت تغازل السيد الذي جاء
بك
في
حضرته ؟ وأصر على استبعاد رئيسك المنتخب ، لكي ترضيه ، وتتمنى أن يساعدك في
الحصول على ما تتصور أنه بعيد المنال ، من خلال المقاومة ؟ حاشا لله أن
يتهمك أحد
بأي
اتهام شارد ، ولكن من حق البعض أن يقدر أن التعب ربما يكون قد نال من بعض
القيادات ، التي قطعت ردحـًا طويلا من الزمن في خوض المعارك والمطاردة من
بلد إلى
بلد
، وانتظار الموت في لحظة ، بالإضافة إلى فقد الرفاق والأصدقاء ، وجثث
المواطنين
،
وأشلاء الأطفال ، وتجريف المزارع ، وهدم البيوت ، وكلها صور مروعة ، لا
يمكن أن
تكون
محل جدل
.
بالإضافة إلى أن العمل السياسي قد يغري بفتح المجال
أمام
المبادرات السلمية ، وهو مجال يمكن أن تساهم فيه الدبلوماسية الفلسطينية ،
ولا
يكون
حكرًا على الأجانب أو الأخوة العرب ، وقد يكون ذلك صحيحـًا في مجمله ، إلا
أن
الثمن الفلسطيني قد تم دفعه ، ما بين الشتات وبين أوسلو ، ويكفي أن الحلم
الفلسطيني
قد
تقزم إلى حدود عام 67 ، وتم الاعتراف بالكيان الصهيوني ، وبذلك سقطت أهم
أوراق
الضغط الفلسطيني ، ومن ثم لم يعد هناك مجال آخر للتـنازلات ، ثم إن إنهاء
عسكرة
الانتفاضة ، هو إلقاء السلاح بلا أي ضمانات ، وتعريض الوحدة الوطنية
للانهيار ، وهي
الطلقة الأخيرة للصمود الفلسطيني ، صدقني إن كان ثمة أمل من وجودك فهو أن
يكون ما
تقوم
به أو تقوله نوع من توزيع الأدوار بينك وبين أبو عمار ، أما خلاف ذلك
فعلينا
أن
ننتظر كارثة مروعة- من خلال منهجك- على أرض فلسطين ، قبل أن تغادر غير
مأسوف
عليك
|