عاش الإصلاح ... يسقط الفساد
بقلم : سليم
يونس الزريعي
تراجعت إلى حد ما العديد من مفردات الخطاب السياسي الفلسطيني
في الفترة الأخيرة ، لتستقر في الواجهة وعلى كل الألسن مفردتي الإصلاح
...الفساد ،
وعلى قاعدة أن الفساد يتيم لا أب له ، فالكل للإصلاح أم وأب ، حتى بدا وكأن
الفساد
ظاهرة معلومة كواقع لكنها مجهولة كشخوص
.
الجميع ضد الفساد ومع
الإصلاح:
فعندما يتحدث رئيس السلطة التنفيذية عن ظاهرة الفساد وخطورتها ومدى
الضرر الذي ألحقته بهذا الشعب الصامد الصابر، وتتحدث لسلطة التشريعية عن
الفساد
بمرارة العاجز عن أن يفعل شيئا ، وبعد ذلك يدخل الجميع أحزاب ، قوى سياسية
،
اتحادات ، نقابات ، منظمات مجتمع مدني ، وأيضا بعض من يجري تسويقهم إقليميا
ودوليا
لدور مستقبلي في الواقع الفلسطيني ...؟! " بازار الإصلاح "، فإن مفهوم
الإصلاح يصبح
مفهوما ملتبسا إلى حد كبير
.
فالسلطة تتحدث عن الفساد والإصلاح , وتطالب
"
السلطة " بالإصلاح ، وقوى المجتمع الأخرى التي لا تشارك في السلطة تتحدث عن
الفساد
وتطالب " السلطة " بالإصلاح ، وكأن المطلوب من جهة أخرى غير معينة بذاتها "
هي ضمير
الغائب " التصدي لهذا الموضوع
.
غير أننا مع ذلك يجب أن نميز بين الإصلاح الذي
يبشر ويدعو له بعض فرسان السلطة الذي يشبه لعبة الكراسي الموسيقية ، وبين
الإصلاح
كعملية إنقاذ مجتمعية، في السياسة والتنظيم والاقتصاد والتأسيس لكيان
قانوني
"
الدولة القانونية " يقيم المؤسسة بديلا عن الفرد والجماعة والطائفة والحزب
والقبيلة
والعشيرة
.
مفهوم الإصلاح
:
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ما
المقصود بالإصلاح ؟ هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن مفهوم الإصلاح يذهب
لدى قسم
كبير من حزب السلطة إلى " التغيير" في إطار اللون الواحد ، ولا بأس من
استكمال
"
الديكور السياسي " بمشاركة بعض القوى ، تحت عنوان ترسيخ وتأكيد يافطة
الوحدة
الوطنية ، فيما ترى بعض الأطراف الأخرى أن الإصلاح يرتبط بكم وكيف وجودها
في قيادة
العمل الفلسطيني ارتباطا بجملة المتغيرات في موازين القوى داخل الساحة
الفلسطينية
على مدى السنوات القليلة الماضية على ضوء الحراك السياسي في حجم وحضور
القوى
السياسية المختلفة إن صعودا أو هبوطا.
ومن ثم هل نحن أمام كيان سياسي قانوني
مستقل اعتور القصور والخلل بعض جوانب عملة على اعتبار أن الإصلاح كمفهوم
يعني أن
هناك شكلا من أشكال التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني ، قد
أكدت
تجربة الحياة عجز وقصور هذا الشكل كله أو بعضه عن تلبية الحاجات الفعلية
الراهنة
والمستقبلية لمجتمع ما ، أم أننا بحاجة إلى تأسيس كيان قانوني " دولة
قانونية " بما
يعني ذلك من
:
ـ وجود دستور (القانون الأساسي
) .
ـ وجود تدرج في القواعد
القانونية
.
ـ خضوع الإدارة للقانون
.
ـ الفصل بين السلطات
.
ـ تنظيم
رقابة قضائية مستقلة
.
وأيضا إذا ما تم التسليم بالوحدة العضوية للفلسطينيين في
الداخل والشتات فأين موقع أربعة ملايين ونصف المليون لا جيء فلسطيني يعيشون
على
حدود الوطن وفي بلاد الغربة العديدة من ما يسمى بالإصلاح ؟
إصلاح ماذا
؟
هل نحن إذن بحاجة إلى إصلاح " للسلطة " ، أم إصلاح لكيان قائم له كل
مقومات الدولة بمعناها القانوني ، أم إلى تأسيس كيان " كيان تحت التأسيس"
يراعي
شروط الدولة القانونية، هذا ما أخذنا في الاعتبار أن تجربتي كلا من الضفة
في إطار
الدولة الأردنية والقطاع تحت الإدارة المصرية تجربتان متباينتان شكلا
ومضمونا
،أعقبهما احتلال بغيض مازال جاثما على صدر الوطن ، رغم وجود السلطة . لأن
تحديد شكل
وماهية الشكل المطلوب إصلاحه أمر جوهري ، لأن كل حالة تفرض شروط ومحددات
وآليات
المعالجة إصلاحا أو تأسيسا
.
ومن ثم أين موقع منظمة التحرير الفلسطينية الكيان
السياسي الجامع لكل الفلسطينيين والذي مثل ويمثل وجودها وحضورها الدائم
والفاعل
حضور الحق التاريخي للفلسطينيين في فلسطين وحضور قضية اللاجئين وحقهم في
العودة
سواء كانوا داخل الوطن أو في الشتات ، والذي تعتبر قوى الإسلام السياسي
الفلسطينية
التي شكلت في العقد الأخير ثقلا سياسيا وكفاحيا وجماهيريا لا بأس به، نفسها
غير
معنية بذلك ارتباطا بعدم وجودها في أي من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية
لأسباب
أيديولوجية ، ذلك لأن المنظمة تبنت " فكرة الدولة العلمانية " وهي أي
الفكرة
العلمانية " مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة " ، من هذا الإصلاح
؟
الإصلاح على مقاس منْ ؟:
ومن ثم فإن الكل يتحدث عن الإصلاح ، ولكنه
إصلاح على مقاس برنامجه وأجندته ، فيما المطلوب على نطاق واسع داخل الوطن
وفي
الشتات ، إصلاحا جوهريا يطال في البدء كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية
وآليات
عملها ، باعتبارها الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني ، حتى تحقيق كامل
حقوقه
في الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين على
ديارهم وفق
القرار رقم194 ، بعد أن تم تغييبها ككيان ومؤسسات بعد أوسلو.
وذلك بالضرورة
يجب أن يترافق مع إطلاق ورشة عمل وطنية عامة تشارك بها مؤسسات السلطة مع
مجموع
القوى والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والكفاءات العلمية في مجالات العلوم
بفروعها
المختلفة ، من أجل البحث في تأسيس كيان قانوني " دولة قانونية " تراعى فيها
شروط
ومحددات الدولة المؤسسة ، يشارك فيها كل ألوان الطيف السياسي والفكري دون
إقصاء أو
تغييب لكي يكون الكل شريكا في القرار وفي المسؤولية ‘ حتى يتم قطع الطريق
على
الأبوية السياسية والفكرية والكفاحية ، التي مكنت آلياتها ودينامياتها
الداخلية من
إنتاج كل هذا الفساد ، الذي ساهم في استجلاب ولاءات مريضة مشوهه وتابعة ،
ويمكن
القول أنها في الأغلب غير حره أنتجت واقعا فاسدا بدأ يستشري ، فمن الولاء
للوطن
والقضية تم استحضار الولاء العشائري والمناطقي والولاء الشخصي
.
ومن المهم
هنا أن يضع الجميع دون استثناء أجنداتهم الخاصة جانبا لتوضع أجندة الوطن
الفلسطيني
والشعب الفلسطيني في الداخل والشتات على جدول أعمال الجميع لأن من حق هذا
الشعب
الصامد أن يكون له كيان سياسي ، يرقى إلى مستوى تضحياته ، والتي هي جهد
مجموع الشعب
بجميع قواه السياسية ، تم مراكمته على مدى أكثر من قرن من الزمان ، والمدخل
الطبيعي
إلى ذلك يتم عبر نظام سياسي ديمقراطي تعددي ، يغادر عقلية النصف زائد واحد
، ونظام
الحصص التي تكرست عبر عدة عقود لتفقد العمل السياسي والنقابي حيويته وقدرته
على
التطور والتجدد والتقاط اللحظة ومواجهة التحديات ، لتنتج هذا الكم من
الفساد
والمفسدين
.
إن قانونا انتخابيا على قاعدة التمثيل النسبي، من شأنه موضوعيا
أن يراعي هذا التعدد الفكري والسياسي ، لكفيل بأن يمثل الخطوة الأولى في
بناء نظام
سياسي ديمقراطي تعددي ، وهو بالضرورة سيشكل نقلة نوعية باتجاه تعدد
الخيارات أمام
المواطن الفلسطيني ، عند اختيار هيئاته المنتخبة بكل مستوياتها ، لأن معيار
الاختيار عندها سيكون " البرنامج " بمضامينه المختلفة السياسية والكفاحية
والفكرية
والاقتصادية والاجتماعية ، لا القبيلة أو العشيرة
.
وإذا كان لنا أن نقول أن
قرار الطلقة الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة ، قد احتاج إلى شجاعة
استثنائية
في حينها ، فإن التأسيس لكيان بمعناه القانوني ، وإصلاح وتفعيل مؤسسات
منظمة
التحرير الفلسطينية يحتاجان هذه المرة إلى شجاعة وجرأة أعلى من حزب السلطة
، لأنه
سيحمل في مضمونه معنى التنازل عن مكاسب طالما كانت محل نقد من كل القوى
السياسية
سواء تلك التي تشارك في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أو التي خارجها .،
ذلك هو
الممر الإجباري من أجل مغادرة حالة التردي القائمة في العديد من أوجه
حياتنا ‘ سواء
داخل الوطن أو خارجه ، وهو الكفيل بقطع الطريق على كل الأجندات الخاصة
الخفية منها
والعلنية ، والخطاب هنا موجه إلى معلوم ، إلى من يملك في هذه اللحظة قرار
الشرعية
الفلسطينية ، فهل من مجيب ؟
.
|