أرى أبو مازن عاريًا

عبد الرحيم يونس، رام الله


فقط أمام حاجز للجيش الإسرائيلي أدركت البعد التطبيقي للصرخة المشهوره (إني أرى الملك عاريا) ففي ذلك الصباح الممطر وعلى بعد مئات الأمتار من الحاجز العسكري مرت بنا مسرعة سيارة فاخرة فارهة تطاير بسبب دوران عجلاتها رذاذ من ماء حفرة آسنه فأصاب ملابسنا وتأفف صديقي قائلا: إنه الوزير الفلاني في أعماقي حسدت الوزير فقد كنت متيقنا أنه لن يتحمل وعثاء السفر مثلنا ولكن ما أن وصلنا الحاجز حتى وجدناه مصطفا في طابور الإنتظار يتدافع مع المتدافعين ويزاحم وسط المتزاحمين فتكشفت لي حالته على حقيقتها حينها همست في أذن صديقي (إني أرى الوزير مصطفا وعاريا) صدقوني منذ ذلك اليوم لم أعد أرى السلطة الفلسطينيه إلا وتتجسد في مشهد ذلك الوزير على الحاجز العسكري.

سلطة عبثيه لا تملك من أمر نفسها شيئا وتعيش إزدواجية مغرقة في السخريه فهي سلطة لا تملك سلطه ووزراء بحقائب أو بدون حقائب فهي حقائب فارغه ينفخها الخواء ولا تحتوي صلاحيات على الأرض . هذا هو الواقع الملموس الذي يستشعره كل فلسطيني لا منذ أن كانت الإنتفاضة بل منذ أن كانت اوسلو ففي داخل الأقفاص التي قدمتها السلطه على أنها مناطق (( محرره )) مارس عرفات ورموزه دور الشرطي والسجان وجامع الضرائب وأما على مناطق التماس وأبواب المدن فقد كانوا يصطفون للتفتيش ويضطرون للإنتظار فينقلبون بين أمتار وأمتار ((كما خلقتني يا رب .. ملوكا عراة .. )) .

هذا المشهد المتكرر كان وما زال وحده كافيا بدون أي تنظير أو تحليل لوضع مسألة اوسلو على المشرحة الشعبية الفلسطينيه فلم يرى الشعب الفلسطيني فيها سوى أنها ( كانت مشروعا مواتا لم يجلب لهم سوى جنرالات الفضيحه وأمباطرة جمهورية الفاكهاني ) فأضحت المناطق المحررة دفئيات من البلاستيك تنتج حرية وهميه وسلطة عبثيه وميليشيات تنظيميه ولم تنزل على شعب فلسطين من سماء اوسلو موائد بأصناف الطعام بل ما تساقط من السماء نجوم نحاسيه لها لمعان الذهب تربعت على أكتاف عشرات الضباط فكان النماء الكبير المضطرد في عدد العقداء والعمداء والجنرالات والوزراء والوكلاء والمدراء ومستشاروا الرئيس وهلم جرا من مظاهر سيادة دون سياده وسلطة مفرغة من أية سلطه ..

على ذلك كله كانت الهوة تزداد يوما بعد يوم بين هذه السلطه وبين مجموع الشعب الفلسطيني وما عاد عرفات بقادر على ستر وتغطية جسده السياسي العاري بأية وسيلة سيان عبر تشكيل وزارات أو تعديلها وغدت تحكم العلاقة بين سلطة عرفات وبين الشعب الفلسطيني تلك الصرخة ذاتها ( إني أرى الملك عاريا ) بل لقد وصل الإنكشاف لسلطة عرفات حدا من الجدلية الجارحه حين كان يخاطب كثير من الفلسطينيين رموز السلطه بالقول المباشر لهم ( إسرائيل أفضل منكم ) وكم وكم وقعت مصادمات بسبب هذه المقارنة وكم وكم كان يشمت الفلسطينيون حين يشاهدون رموز عرفات مصطفين في الطابور أمام حواجز الجيش الإسرائيلي ..

فقط على الحواجز العسكريه أحس الفلسطينيون بعدالة توزيع الظلم بالتساوي، كل ما سردته منذ الإستهلال والبداية كان لغاية القول ( أن وزارة ابو مازن لم ينتظرها الشارع الفلسطيني على أحر من الجمر بل على أبرد من ألواح الجليد ) فهو عبر تجربته ما بعد اوسلو بات على يقين بأن ما كان لم يكن بالحسبان .. ولا حتى بالأحلام ... فها هو حساب البيدر بين يدي كل فلسطيني .. مجرد فساد وإفساد وجيش عرمرم من حاملي الصكوك الثوريه وأرصدة في بنوك لمفلسيين سابقين .. ومن هذا الخليط العجيب يتم تشكيل وزارة ابو مازن .. فحتى لو كان هذا الرجل ملاكا فمن أين له القدرة على الإنعتاق من حصار الشياطين.

* كاتب المقال، صحفي من مدينة رام الله، فلسطين

(29/04/2003)

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع