علنية
الدبلوماسية الفلسطينية
د. عبد الستار قاسم
صحيفة الخليج
الإماراتية 4/3/2006
قال رئيس السلطة
الفلسطينية في خطابه أمام المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد إن
المفاوضات في أوسلو كانت سرية لأن العلنية في الدبلوماسية ليست أمراً
سليماً، وقد تم إعلان النتائج على العلن بعد أن تم التوصل إلى اتفاق.
لكن عباس لم يتحدث عن الفرصة البديلة. ما الذي كان من الممكن أن يحصل
(لو) جرت مفاوضات علنية وعلم الشعب الفلسطيني بالأفكار المطروحة قبل أن
تتحول إلى اتفاق؟ ربما كان من الممكن أن تتوقف المفاوضات تاركة اتفاق
أوسلو بلا ميلاد. هل كان من الممكن أن يكون الفلسطينيون أفضل من دون
أوسلو؟
يركز المنظرون في
الدبلوماسية على سرية المفاوضات قائلين: إن العلنية تفتح المجال أمام
تدخلات كثيرة وآراء متعددة يمكن أن تفسد أجواء المفاوضات، أو يمكن أن
تؤثر على المتفاوضين بشكل أو بآخر مما يردعهم عن التوصل إلى اتفاق. هم
يقولون إنه من الأفضل الابتعاد عن وسائل الإعلام بخاصة عندما يكون
موضوع المحادثات حساساً وذلك بسبب قدرتها على إثارة المشاعر وبث
الإشاعات والإسهاب في التخيلات، وهي بذلك تحرك الرأي العام وأطرافاً
دولية أخرى قد تكون لها مصلحة في الأمر. على هذا يتفق السياسيون
ويفضلون إبقاء مفاوضاتهم ضمن حيز السرية، ولا يتردد زعماء الدول
الضعيفة في الالتزام به.
ربما تكون السرية
جيدة من عدد من الزوايا، لكنها تكون مدمرة إذا كان موضوع المفاوضات
يتعلق بحق جهة ضعيفة. يصعب على الضعيف أن يلاقي أنصاراً خاصة عندما
تُغلق الأبواب، لكنه قد يجد من يدافع عنه ويتفهمه عندما يكون الباب
مفتوحاً. من المعروف تاريخيا أن نتائج المفاوضات تتناسب مع معادلة
القوى على طاولة المفاوضات، ولا يحصل الضعيف إلا على ما يتناسب مع
ضعفه، وربما أيضاً مع درجة الإحسان التي يتمتع بها القوي، والقوي في
الغالب، يأكل الضعيف، وإذا كانت الدبلوماسية نشطة في حق ضعيف فإن القوي
يفضل أكل الحرام سراً، وعلى الضعيف ألا يعطيه هذه الفرصة. إذا كان
الاعتداء على الحق حاصلاً فيجب ألا يتم وراء أبواب مغلقة أو بتوقيع
صاحب الحق.
أخطأ دبلوماسيو
فلسطين في الإذعان لمطلب سرية النشاط الدبلوماسي. حقوق الفلسطينيين
واضحة وساطعة كعين الشمس ولا يستطيع أن يجادل فيها إلا كل معتد أثيم،
ولم يكن من الحكمة جر الشمس إلى كهوف مظلمة. فضل قادة العرب والعالم
دائماً الكواليس في نقاش القضية الفلسطينية والمحادثات السرية
والباطنية، وسارت القيادة الفلسطينية وفق رغباتهم. أشبعنا هؤلاء القادة
كلاماً علنياً جميلاً حول القضية الفلسطينية لنكتشف فيما بعد أن عدداً
منهم كان يخطط سراً مع "إسرائيل" ويقيم علاقات معها، وعدداً آخر لم يكن
يكترث بتنفيذ وعوده للفلسطينيين. واكتشف شعبنا أيضاً أن عدداً من
القادة الفلسطينيين كانوا جزءاً من صناعة أشياء يظهرون عكسها في العلن.
قضية فلسطين هي قضية
أخلاقية ثقيلة، ولا يصارعها أحد أخلاقياً، وليس سياسياً، إلا ألقت به
الأرض. من المهم للقيادة الفلسطينية الجديدة أن تتعامل مع القضية من
هذا المنظور، وأن تتحول من البعد السياسي القابل للمناورات إلى البعد
الأخلاقي البحت. من الحيوي التركيز على قضيتي اللاجئين والاحتلال فقط
وإزاحة باقي القضايا جانباً. هناك عالم يتحدث عن الحرية وحقوق الإنسان،
ومن الضروري مواجهته بذات القضايا التي يقول إنه يحملها على ظهره وذلك
من أجل محاصرته. الدخول في قضايا يومية وفي مسألة إقامة دولة فلسطينية
يشوه القضية الفلسطينية ويجعلها عرضة للأخذ والرد والتحايل والمبادرات
الآنية والمسرحيات السياسية. أهم ما يمكن أن تقوم به الإدارة
الفلسطينية الجديدة هو تحويل قضية اللاجئين إلى قضية عالمية بخاصة على
المستويات الشعبية. بهذا يمكن للفلسطينيين أن يغيروا الأولويات التي
يتعامل بها العالم الآن مع القضية الفلسطينية والتي تحولت إلى القضية
"الإسرائيلية".
من أجل إحداث حصار
أخلاقي، من المفروض أن يصر الفلسطينيون على علنية الدبلوماسية ويجب أن
يصارحوا شعبهم وأمتهم العربية والإسلامية بما يدور من أحاديث.
الغرف المغلقة دائما
فاجأت الشعب الفلسطيني بالكثير من التنازلات والمصائب التي تقع على
رؤوسهم.
|