علامَ الخوف؟
بقلم عوني صادق
- 2006/1/15
دافع نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام الفلسطيني، نبيل
شعث، عن دعوات
الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء أحمد قريع لشارون بالشفاء، بقوله: “كان
العامل
الإنساني” وراء تلك الدعوات ! وأضاف: إن السلطة الفلسطينية ملتزمة
“باتفاقات عليها
أن
تتقيد بها”! وفي الوقت نفسه ذكر بعض (محطات) شارون الإجرامية، برسم
(الموضوعية)
ولا
شك! وإذا كان ممكنا فهم ما قصده شعث من (العامل الإنساني)، فإنه من غير
الممكن
على
الأرجح فهم ما يعنيه (التقيد بالاتفاقيات) في هذا المجال.
المواقف الرسمية الفلسطينية، والعربية، من مرض شارون،
والعواطف التي
هدرت
عليه تثير في المواطن الفلسطيني، والعربي، أشد الاستغراب والاستهجان، حتى
لا
أقول
الاستنكار. إن رجلا مثل شارون وصفه الصحافي الإنجليزي روبرت فيسك بأنه
“مسؤول
عن
أكثر جرائم الحرب بشاعة في القرن العشرين”، وكلها جرائم ضد الفلسطينيين
والعرب،
لا
يستحق شيئا من تلك الدعوات التي حملت معها مفارقة غريبة حقا وهي “هذه
القدرة
الاستثنائية على تجاهل آلاف وآلاف القتلى الذين ترتبط حياة شارون بهم”،
كما لاحظ
وبحق
جوزيف سماحة في جريدة “السفير”.
والمشكلة، على كل حال، ليست في تلك الدعوات في حد ذاتها
بل في ما دلت
عليه
وما حملته من معان ذليلة. والقلق على وضع شارون الصحي، والخوف من أن
يغادر هذا
العالم قبل أن ينجز المهمة التي نذر نفسه لها، يظهران حقيقة الوضع
المأساوي الذي
تعيشه الأمة العربية في ظل النظام العربي الرسمي في هذه المرحلة
التاريخية المخزية.
فلماذا القلق، وعلام الخوف؟ وما الذي سيتغير في السياسة “الإسرائيلية”
تجاه الشعب
الفلسطيني والشعوب العربية، حتى يقلق القلقون أو يخاف الخائفون؟ هل هو
قلق وخوف على
ما
يسمونه (عملية السلام)؟ وأين هي هذه العملية؟ هل صدقوا أن شارون رجل
سلام، أم
أنه
اعترف أمامهم- ونحن لم نعرف- بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، أو أنه
قرر
التخلي عن الأراضي العربية المحتلة؟
لعلنا قبل أن نرد على تلك التساؤلات علينا أن نذكر بما
كان شارون
ينوي
فعله لو احتفظ برئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقررة في آذار/مارس
المقبل.
فالمجرم العريق كان يريد أن يرسم حدود “إسرائيل” النهائية من جانب واحد
بعد أن يسرق
58%
من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام ،1967 وأن يحتفظ بالقدس موحدة عاصمة
أبدية
لكيانه العنصري وأن يتم توطين اللاجئين خارج وطنهم وأرضهم. وإن كان
لشارون مشروع
نذر
له نفسه فهو لا يتعدى القضاء على آخر أمل للشعب الفلسطيني في استرداد
الحد
الأدنى من حقوقه الوطنية. فلماذا القلق وعلام الخوف؟
لكن المعاني التي فضحها القلق والخوف على شارون هي التي
تقلق وتخيف
فعلا. لقد تبين من خلالها أن النظام العربي الرسمي يقبل ويوافق على مشروع
شارون،
وأي
مشروع آخر لأي شارون آخر، ليس في فلسطين وحسب بل وأيضا في الوطن العربي
كله،
والدعوة له بالشفاء لها معنى واحد هو أن يسترد صحته وعافيته لينجز مشروعه
المذكور!
إن
ذلك يمثل استسلاما كاملا للكيان الصهيوني ولطموحات قادته، شارون أو من
يحل
مكانه، كما يكشف الاستسلام الأعمق والأشد لراعية هذا الكيان العنصري
التوسعي:
الولايات المتحدة الأمريكية.
ولو افترضنا أن إيهود أولمرت، أو بنيامين نتنياهو، أو
عمير بيرتس أو
شمعون بيريز قد حل محل شارون في رئاسة الحكومة، فلن
يتغير شيء لصالح السلام أو الحقوق الوطنية للشعب
الفلسطيني أو الحقوق العربية المغتصبة، لأنهم كلهم متفقون على
عدم
الاعتراف
بالحقوق العربية، ولن نكسب شيئا ببقاء شارون كما لن نخسر شيئا
بذهابه.
وحتى
لو جاء يوسي سريد أو يوسي بيلين (وهو أمر غير وارد)، إلى الحكومة فلن
يتغير
الكثير. فماذا يمكن أن يعني موت شارون بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين
والعرب؟ قد يعنى
شيئا
للمتنافسين على السلطة في الكيان الصهيوني، وهو ما يعنيه موت أو غياب أي
قائد
أو
زعيم “إسرائيلي”. ومن ناحيتي سأكون مرتاحا لو آل الأمر إلى نتنياهو لأن
الأمور
معه
قد تأخذ صورتها الطبيعية (بالرغم من أنه هو الذي وقع على اتفاق واي ريفر
حول
الخليل أثناء رئاسته للحكومة).
يستطيع بوش أو بلير أو ميركل، أو أي من قادة الغرب
وزعمائه، أن يحزن
على شارون، لكن ليس مسموحا لقائد أو زعيم عربي أن يحزن
على هذا الوالغ في الدم العربي على مدى نصف قرن.
أما العرب فيكفيهم حزنا أنهم تركوه يموت بالجلطة الدماغية
وليس برصاصة موجهة إلى رأسه.
|